قضايا

قاسم حسين صالح: أنقذوا.. شباب العراق!

لمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات

توطئة: أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً في العام 1987 حددت فيه، بأن يكون السادس والعشرون من يونيو من كل عام، يوما عالميا لمكافحة المخدرات، تقديراً منها للخطورة العالمية لتداعيات المخدرات، لما لها من أضرار جسيمة على النواحي الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.ولم تعد انواعها مقتصرة على (الحشيش، الماريجوانا، الكوكايين، والمورفين...) بل ظهرت مركبات جديدة لها تأثير واضح على الجهاز العصبي والدماغ، بل ان المخدرات نعدها بوصفنا انها (قاتلة الأحبة ومرتكبة الزنا)!.

والمفارقة ان العراق كان في السبعينات في ذيل قائمة الدول، فيما اصبح بعد 2003 من بين الدول الأكثر تعاطيا للمخدرات، وقد رجحت احصائية اصادرة عن الامم المتحدة ان السنوات العشر القادمة ستفتك بالشاب العراقي في حال بقي الوضع على ما هو عليه.

المخدرات في العراق

كان العراق في السبعينيات وما قبلها يعدّ الأقل نسبة في تعاطي المخدرات، وبنشوب الحرب العراقية الايرانية، بدأت المخدرات تدخل اليه.بل انها بدأت تزرع ايضا بحسب تقارير الاستخبارات الامريكية التي عزتها الى ان انقطاع التمويل المالي للجماعات الارهابية ادى الى زراعة اشهر نبتة مخدرات تسمى (الداتواره) بمناطق في محافضة ديالى، فيما افادت تقارير حديثة لمكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة تقول بوجود ممرين رئيسين الأول عبر الحدود الشرقية التي تربط العراق مع إيران وافغانستان، والثاني يوصل إلى أوروبا الشرقية، إضافة الى ممرات بحرية على الخليج العربي تربط دول الخليج مع بعضها.. وثغرات واسعة تستخدمها العصابات الإيرانية والأفغانية.

الجديد أن العراق لم يعــد محطة ترانزيت للمخدرات فقط، وإنما تحوَّل إلى منطقة استهلاك بين اوساط الشباب تحديدا. والاكثر من ذلك، ان فلاحين في ميسان وديالى كانوا يزرعون الطماطة توجهوا الآن الى رزاعة الخشخاش والقنب والنباتات المخدرة الأخرى، ونجحت في تسويقها لان الربح فيها سريع ومغري.

والمفارقة ان التقارير الرسمية تفيد بأن مدنا عراقية ذات طابع ديني (كربلاء مثلا) جاءت في مقدمة المحافظات في نسبة تعاطي المخدرات، وان احصائية لمستشفى الرشاد المتخصص في الادمان افادت بان نسبة المراجعين زادت على 70%، وأن التعاطي الذي كان على صعيد الشباب والراشدين، صار الآن على صعيد المراهقين والاطفال ايضا!.وان مخدرات ما كانت معروفة في العراق صار الشباب يتعطونها بالآلاف. فوفقا لوكالة عراق برس اطلق قسم الصحة النفسية بمستشفى البصرة العام صرخة استغاثة لمساعدته بعد رواج تعاطي مادة (الكرستال) بين الشباب ابتداءا بالمراهقين ووصولا الى طلبة الجامعات. والكرستال هذا الذي يشبه زجاج السيارة المهشم وصل سعر الغرام الواحد منه مئة دولارا، يجعل متعاطيه ينسى واقعه ويحلق منتشيا في الخيال.

لم يدرك حكام الاسلام السياسي كارثة اضرار المخدرات بين اوساط الشباب، فهي على صعيد الشاب تؤدي الى: تلف الجهاز العصبي، تعطل الطاقة الانتاجية، ارتكاب جرائم سرقة، الموت المفاجيء، والانتحار. وعلى صعيد الاسرة يصبح فيها الشجار افتتاحية الصباح وختام المساء، العدوان، قتل احد افراد الاسرة، الخيانة الزوجية، ممارسة البغاء والدعارة والقوادة واكراه محارمه على الزنا!.. والزنا بالمحارم!!.فيما تؤدي على صعيد المجتمع الى تهرؤ النسيج الاجتماعي، انحرافات سلوكية واخلاقية وجنسية، زيادة معدلات الجريمة، وتراجع القيم الاخلاقية الاصيلة، فضلا عن انها تشغل الدولة بمعالجة المدمنين وملاحقة تجار المخدرات والمتعاطين واضعاف الطاقة الانتاجية وشلل التنمية.

في العاصمة بغداد، افادت التقارير بانتشار تعاطي المهلوسات بين الشباب.ومع تعدد انواعها (سوبيتاكس، اكستازي، باركيزول.. ) فان اكثرها شيوعا هي حبوب «ال سي دي».. وكلها تعمل على جعل متعاطيها يفقد صلته بالواقع، بمعنى ان الشاب العراقي المحبط، المخذول، المأزوم نفسيا.. وجد فيها فرصة للهرب من واقع الخيبات والفواجع الى التحليق في عالم من النشوة والانطلاق بلا حدود.

ومرة اخرى نقول، ان السلطة لا تدرك حجم مخاطر هذه الحبوب، يكفي ان نقول عنها ان متعاطيها يذبح الانسان كما يذبح دجاجة، والشاهد على ذلك ان داعش كانت تستخدمه مع مقاتليها الذين كانوا يفجرون انفسهم ويتلذذون بقتل الآخرين ذبحا او حرقا.

وثالث الكوارث الاخلاقية، هي انتشار (الأيدز) بين اوساط الشباب، فوفقا لتصريح مدير عام صحة الكرخ لفضائية الشرقية، فان الايدز عاد الى العراق بعد خلوه منه لثلاثين سنة، وان بغداد تشهد اصابات كثيرة بين الشباب والشابات، المتزوجين وغير المتزوجين.

نظرية سيكولوجية عراقية

اعتاد علماء النفس في العالم استخدام الحيوانات (الفئران عادة) لاجراء اختبارات عليها تساعد على فهم الانسان حين يتعرض للضغوط مثلا. وعلى مدى السنوات العشرين الأخيرة، كان العراق فيها مختبرا سيكولوجيا على ارض الواقع تعرض فيها العراقيون الى ضغوط لم تحصل في تاريخ الشعوب المعاصرة، وقدمت نظريات جديدة لعلماء النفس.. نجود عليهم بواحدة منها نوجزها في الآتي:

(هنالك علاقة طردية بين تزايد اقبال الشباب على تعاطي المخدرات والمهلوسات

وبين تزايد شعورهم بالاغتراب والاحساس بانعدام المعنى من الحياة،

اذا كان حكاّم ذلك الوطن يزدادون ثراءا ويتركون اهله يزدادون فقرا).

اقتراحان

الأول خاص بالسلطة:

لأن الأطباء النفسيين وعلماء النفس المختصين بالصحة النفسية هم الأقدر على التعامل مع هذه القضايا، فان لدينا استراتيجية للتعامل معها والحد منها، وكل ما نطلبه من السلطة هو توفير الفرصة لنا لأنقاذ جيل كامل من الشباب يتعرض الآن الى اخطر ثلاثة قاتلة: المخدرات والمهلوسات والأيدز.. ورابعها الانتحار.

والثاني خاص بوزارة الصحة:

مع ان على رأس الوزارة شخص معروف بكفائته ونزاهته، وتربطنا به علاقة صداقة، فان معالي الدكتور صالح الحسناوي لم يشرك الجمعية النفسية العراقية في نشاطاتها، بل اقتصرها على الأطباء النفسيين، سواء على صعيد المستشارين او على صعيد نشاطات الوزارة الخاصة بالصحة النفسية، مع اننا كنا وقعنا مع رئيس جمعية الأطباء النفسيين السابق الدكتور نصيف الحميري وثيقة تعاون مشترك حققنا فيه نشاطات بينها مؤتمرات وندوات، وانا على يقين ان معاليه يدرك ان التعاون بين الأطباء النفسيين وعلماء النفس سيسهل تحقيق مهمتنا الانسانية النبيلة في حماية شبابنا من آفة المخدرات.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم