تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

معاذ محمد رمضان: الدكتور النشّار يتحدث عن الشيعة الإمامية

خَصَصَ د. علي سامي النَشّار الباب الرابع من كتابه: نَشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ج2 ـ نشأة التشيع وتطوره، طبعة دار السلام الأولى 2008 في القاهرة، للشيعة الإمامية، وقد إشتمل الباب على ثلاث فصول سأذكرها في ثنايا المقال، وشغل الباب الصفحات: من 839 الى 893

تناول في الفصل الأول شخصية الإمام جعفر الصادق، وقد وصف ظهوره بالحدث الأكبر في تاريخ الشيعة (لقد كان ظهور جعفر الصادق الحدث الأكبر في تاريخ الشيعة. لقد نسبت الشيعة الإثنى عشرية، وهم جمهرة الشيعة، إليه فلُقبوا "بالجعفرية" ونُسب الفقه الشيعي الإثنى عشري إليه، فأطلق عليه الفقه الجعفري)

وللنَشّار "رأيُ صادمٌ" للإثنى عشرية، إذ يقول (وما أبعدَ آراء جعفر الصادق الكلامية، وما أبعدَ فقهه عن آراء وكلام وفقه الإثني عشرية بعد وفاة أو إختفاء الإمام الثاني عشر)

أما الفصل الثاني فهو "فصلٌ صادمٌ" من العنوان: "مُجَسّمَةِ الشيعة الإمامية"، تناول فيه النَشّار أكبر تلميذٍ للإمام الصادق، وهو هشام بن الحكم، وقد حظيت هذه المدرسة ـ مدرسة هشام ـ بتأييد الصادق وعَبَرَت عن آرائه، بحسب النَشّار.

وقد شغل الفصل الحيز الأكبر من هذا الباب، 34 صفحةً تقريباً.

كان هشام بن الحكم (أكبر شخصية فلسفية في عصره، أحاطَ بثقافاتها، ونزل في معترك الفِرَق، فجادلها أشدَ جدال) وقد تَتَلّمَذ على الجهم بن صفوان، ومن أكبر تلامذة هشام "إبراهيم النَظّام" شيخ المعتزلة الكبير.

لندخل الآن في صُلب الموضوع، أي التجسيم المنسوب لهشام:

أقَرّ د. النَشّار بدايةً، بصعوبة الوصول لفلسفة هشام كما هي، فكتبه مفقودة، وما وصل إلينا عنه (إلزامات على مذهبه، ولا نجد عند الشيعة أنفسهم تفسيراً لهذه الإلزامات)

هشام بن الحكم هو أول من قال إن "الله جسمٌ" في الإسلام (أجمع مؤرخو الفكر الإسلامي القدامى ـ شيعة وسنة ومعتزلة ـ على أن هشام إبن الحكم هو أول من قال "الله جسم" وأن مقالة التجسيم في الإسلام إنما تُنسَب إليه)

فما معنى مقولة هشام "الله جسم"؟

بعد أن نقل النَشّار نصوصاً عن إبن حزم، إستخلص منها (إن ما نستخلصه من هذا الكلام أن هشام بن الحكم يعلن أن الله جسم بمعنى شيء أو بمعنى موجود وأنه قائم بنفسه. وأن كُل ما ذُكِرَ منسوباً إليه ـ فيما سوى ذلك ـ هو إلزامات)

وكان هشام صاحب نزعة علمية حسية (ويبدو أن نزعة الرجل العلمية الحسية ملكت عليه كل تفسيراته) ثم يُوردُ النشار نصوصاً عن هشام يُفسر بها الزلازل والمطر.

وينقل النَشّار عن الشيخ المفيد رأيه في التجسيم المنسوب لهشام، فقد رجع هشام عن إعتقاده بأن "الله جسم لا كالأجسام" برأي الشيخ المفيد. ويُعَقِّب النَشّار:

(وهذا خطأٌ بالغٌ من الشيخ المفيد، فهشام بن الحكم لم يرجع عن مذهبه الجسمي، وإلا إنهدمت النظرية الهشامية كاملة)

(ولم يفهم الشيخ المفيد حقيقة فكرهشام بن الحكم ولم ينفذ الى أعماق مذهبه المتكامل. بل راح تحت تأثير معتزلي متأخر يحاول تبرئة هشام بن الحكم من القول بالجسمية)

طَيّب، والإمام الصادق؟ (ولم يكن جعفر الصادق في حاجة الى أن يأمره بالكف عن مذهبه، طالما أن الفرق المختلفة يجادل بعضها البعض في حقيقة "الوجود" "والله" وكان تَصَور "الجسم" سائداً لدى بعض الفِرق، تتناوله ببساطة، وتذكره بدون ما حرج)

وبشأن الفصل الثالث فَخُصَصٌ ل"مدرسة هشام بن الحكم"، تناول فيه النَشّارأربع شخصيات:

1ـ هشام بن سالم الجواليقي: هو الشخص الأول في هذه المدرسة، وقد إختلطت أراؤهما ـ الهشامان ـ إختلاطاً كاملاً، وقد نُسبَ التجسيم والتشبيه لإبن سالم أيضاً.

2ـ زرارة بن أعين.

3ـ يونس بن عبد الرحمن القمي: أجمعت المصادر على أنه كان "مُشَبّهَاً.

4ـ أبو جعفر الأحول "صاحب الطاق": أهم شخصية في مدرسة الإمام الصادق، وكان مُجَسّمَاً.

والمُلفت للنظر هنا هو إبن تيمية:

فقد سكت إبن تيمية عن هشام بن الحكم (ولعل سكوت إبن تيمية عنه، وهو الذي لم يسلم عالمٌ من علماء المسلمين من قلمه، أن تجسيمه قد صادف هوىً في نفس إبن تيمية)

ومن الجدير بالذكر هنا، أني قد تذكرتُ مرجعاً هاماً خلال كتابتي لهذا المقال، والمرجع موجودٌ في مكتبتي، ومن حُسن الحظ أن تذكرته في هذه اللحظات، وهو: مقالات الهشامين ـ هشام بن الحكم وهشام بن سالم، للدكتور خضر محمد نبها، ط1 2013 دار المحجة البيضاء. فرجعتُ إليه فوراً، ووجدته يذكر إبن تيمية (ويعتبر إبن تيمية هشاماً مُجَسّمَاً كبيراً، بل أولٌ مُجَسّمٍ في الإسلام، فلذلك كان إبن تيمية لَيّنَاً وهَيّنَاً تجاهه) ص13

وهذا ما إحتمله النَشّارُ أيضاً.

وبشأن مصادر د. خضر فكانت كتب الحديث ورجاله، وكتب العقائد والكلام. لكن د. خضر قد أقَرَ ـ حاله كحال د. النَشّار ـ بفقدان النصوص المباشرة عن الهشامين. ص7

ويحاول د. خضر ـ ما وسعته المحاولة ـ لدفع "تهمة" التجسيم والتشبيه عن الهشامين. ويخلص بعد فقرة طويلة تحت عنوان "هشام ومقولة جسم لا كالأجسام" الى:

(يبقى، أن آراء هشام الكلامية، في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل، إنما هي مُستَخلَصَةٌ مما روي عن هشام من آراء، لا هي مأخوذة من كتبه نفسها، لضياع مؤلفاته، ولذلك، الموقف النهائي والفصل من آراء هشام لعله مرهون للزمن، في حال العثور على بعض مؤلفاته أو كلها، عندها نستطيع الجزم بآراء هشام النهائية) ص57

وقبل أن أختتم المقال، لا بُدَّ من تثبيت الملاحظة التي سَجّلتها على د. النَشّار:

صّرَّحَ النَشّار في فصل "مُجَسّمَة الشيعة الإمامية" في ص854  بأن الأشعري (أدَقُ من ينقل لنا أخبار الفِرَق).

ثم ذكر في الصفحة التالية 855 (إن من الثابت تماماً أن الأشعري كان ينقل عن أعداء هشام بن الحكم من المعتزلة وبخاصة عدو هشام الكبير أبا الهذيل العلاف ... ومن الخطأ الكبير أن ننقل أقوال المفكر عن آراء خصمه، وهُما في معركة عقلية تتناولها الإلزامات).

السؤال الآن:

كيف يمكن أن نجمعَ بين: أن الأشعري "أدق" من ينقل لنا أخبار الفِرَق، وبين "ثبوت" نقله ـ الأشعري ـ عن أعداء هشام، وهو خطأ كبير كما ذكر النَشّار نفسه؟!

الإجابة بسيطة: فالنَشّار أكبر من هذا التناقض الكبير، لكن "الأيديولوجيا" قد فَعَلَت فعلتها. فالأشعري "إمامُ الهدى" كما ذكر النَشّارُ مراراً، وهنا مربط الفَرسِ كما يُقال.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

في المثقف اليوم