تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

صادق السامرائي: المعتزلة والعقل المطلق!!

الكتابة عن المعتزلة منتشرة في أرجاء الدنيا منذ نشأتهم وحتى اليوم، والمقال معني بتوجههم العقلي السبّاق، فهم أصل تفعيل العقل ورواد منهج الشك، وسيكون مكثفا ومختصرا جهد الإمكان، وفيه بعض التكرار المقصود، والإشارات لتصوراتهم قد لا تكون ذات إنسيابية متلازمة.

التوحيد والعدل، أو المعتزلة، حركة سياسية دينية  فكرية فعّلت العقل وإتحذته منهجا للفهم.

نشأت في البصرة أواخر العصر الأموي وإزدهرت في العصر العباسي حتى سنة (234) هجرية،  ومؤسسها واصل بن عطاء (80 - 131) هجرية .

إنطلقت من البصرة الحاضرة الثقافية للدولة العربية، ومن ثم بغداد، وإنفردوا عن إجماع الأمة، وغيرها من الأسباب، وكان الحسن البصري  إمام جامع البصرة الذي تحول إلى جامعة للعلم والمعارف كافة، يجتمع ويتحاور مع الناس في مجلسه،  وجاء إليها واصل بن عطاء من المدينة المنورة، وهو ذكي ولديه قدرة عجيبة على الحفظ، وجرأة كبيرة على طرح أفكاره، وفصاحة غير عادية، ويمتاز بصعوبة نطق حرف الراء.

وأجاب الحسن البصري على سؤال مرتكب الكبيرة، فقال مؤمن وعاصي، وإعترض واصل بن عطاء وقال:  ليس بمؤمن ولا عاصي، بل في منزلة بين منزلتين.

واعتزل المجلس هو وعمرو بن عبيد (699 - 761) ميلادية، في زاوية المسجد، وقال الحسن البصري لقد إعتزلنا واصل، والإسم يحمل الإستصغار أو المنفصل، وهم يرون أنهم إعتزلوا الأفكار الخاطئة.

وبرزوا في زمن المأمون والمعتصم والواثق، حتى أوقفهم المتوكل وأبعد (إبن أبي دؤاد) الذي كان مسيطرا على الخلفاء قبله.

توفى واصل بن عطاء (39) قبل ولادة المأمون (170 - 218)، فالمأمون من أثقف الخلفاء وأشدهم إيمانا بالعقل، فوجد غايته في المعتزلة، وجعل فكرهم المنهج الرسمي للدولة.

ويقال أن أهم أسباب تطورهم وإزدهار نشاطاتهم، الأحداث والصراعات الفكرية والسياسية، والأسئلة الكبرى التي أثيرت في حينها، وتحزبات للرؤى والفرق، وتوسع دولة المسلمين ولابد من التفاعل بالعقل، وتحديد الموقف من الجماعات غير المسلمة في المجتمع ، ومناقشة الأفكار الأخرى للديانات العديدة، والنظرة المتميزة للتوحيد، وضد التثليث المسيحي ورفضوا الصفات للذات الإلهية.

أخضعوا كل شيئ للعقل، وعندما أتخذ المأمون مذهب المعتزلة نهجا للدولة، فرضوا رأيهم بالقوة على الآخرين، وكان سيفا ذو حدين، ووبالا عليهم حيث إنتهوا في القرن الرابع الهجري.

وأصبحوا عشرين فرقة أو أكثر ومنها،  الواصلية، العمرية، الهذيلية، الجاحظية، وغيرها، ويتميزون بالقدرة الخطابية، والتحليل العقلي، وبجادلون وينافشون، وبحماسهم لنشر الفكر، وعندهم أخلاقية عالية، ولباسهم جيد وموحد، ويتصرفون بوقار.

وقالوا بتقديم العقل على النقل، فالعقل هو الحاكم على الشرع، وقادر على معرفة الله، ومعرفة الصواب من الخطأ والحلال والحرام، فالحكم للعقل، وهو أداة نقدية، وأخضعوا للعقل النصوص الدينية، فما يقبله العقل مقبول، وما لا يتفق معه والنص للعقل الأولوية، فيجنحوا للتأويل للتعقيل.

ومبادؤهم الخمسة التي يسمونها الأصول الخمسة، هي: الله التوحيد العدل المنزلة بين المنزلتين الوعد والوعيد، الأمر بالمعروف . وبتفصيل أكثر:

الأزلية والألوهية: صفات الله هي عين ذاته، والقدرة والعلم والحياة صفات الذات وهي وذات الله أمر واحد، والمعنى المجازي يد الله القدرة، يكشف عن الساق  أهوال يوم القيامة، فالله واحد ليس كمثله شيئ، ينزهون الله، الذات الإلهية شيئ واحد، صفة وموصوف  وينكرون تعدد الذات الإلهية.

العدل: حرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله لكي يكون الحساب واقعا، فالإنسان يملك الحرية في أفعاله ولا يجبره الله على الفعل  لأنه صاحب عقل.

المنزلة بين منزلتين: ليس بمؤمن وليس بكافر (الفاسق)، الصغائر والكبائر، كبيرة الشرك، المعتزلة لا يكفرون مسلم.

الوعد والوعيد: حق لا تبديل له، يوفي بالوعد والوعيد، لا شفيع ولا توسط

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من الواجب التدخل لمنع المنكر ولا يستثني أحدا، رئيس ومرؤوس، نصح وموعظة، والقوة جائزة في حالة توفر الظروف.

التعرض للحاكم يجب أن يكون مقرونا بالقوة اللازمة لذلك وإلا فأن العمل عبثي.

خلق القرآن (212 - 234) هجرية: القرآن مخلوق، أوجده الله كغيره من المخلوقات، لم يكن موجودا فأوجده الله، فهو ليس أزلي، فهمهم للصفات الإلهية وذاتية الله.

الله تكلم به وخلقه وأنزله، وهو مرتبط بأحداث في زمن محدد، مستحدث وليس أزليا، وهو لمصلحة العباد وهم مخلوقين ومصالحهم متغيرة.

آيات تنسخ آيات، تخاطب الأنبياء بأساليب مختلفة، إنا جعلناه قرآنا عربيا، وما هو مجعول مخلوق، والنصوص ترتبط بأحداث زمانية ومكانية، ولهذا يتهمون بقولهم ببشرية القرآن.

ومن سماتهم، إعادة إنتاج الماضي، الإجتهاد والقراءة العقلية للنصوص والتأويل، أوّلوا كل ما يجسم الله، نفي رؤية الله بالبصر فهو لا تدركه الأبصار، نفي أي شفاعة، نفي الغيبيات، نقد الروايات المخالفة للعقل، الغيب من علم الله ولا أحد يدري بالغيب، الصراط غير مادي في عرفهم، الميزان الحسي وعلامات قيام الساعة ، إنها سوف تأتي فجأة، الجنة والنار ليستا أزليتان بل مخلوقات، نفي الخوارق والأمور الغير معقولة ، ونفي السحر والتواصل مع الجن، الكرامات والمعجزات أنكروها.

وأعلامهم رواد الفكر الحر والعقل ومنهم  الزمخشري، الحاحز.

ولابد من القول بأنهم فرقة عقلية رائدة، أكثر شهرة وقدرة على إنتاج الأفكار والرؤى الفلسفية الراقية، سبقوا دخول الفلسفة اليونانية إلى العرب، فهم الرواد ولهم الأسبقية الفكرية والعقلية، وهم ليسوا صدى للقادم من اليونان.

أدوات الجدل ومناهج العقل:

العقل له منزلة مقدسة، الرسول الباطني في داخل النفس الإنسانية لقيادتها نحو الحقائق، وهو حجة على الإنسان، ومظهر من عدل الله وحكمته، وله القدرة على الفصل والتمييز  بين الخير والشر، فالعقل لوحدة قادر على الوصول إلى الصلاح، أ فلا تعقلون، تتدبرون.

ومنهجهم تقديم العقل على النقل، فأدلة العقل هي الأصل، وأدلة النقل مؤيدة للعقل.

العقل قادر للوصول إلى حقيقة الله، وأول الأدلة للفهم، ولديهم منهجية تأويل الآيات، ومناهج تختص بأمور الدنيا، والمحكم والمتشابه من الآيات.

لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وجوه يوم إذن ناظرة إلى ربها ناظرة

النقد والشك

الشك المنهجي القائم على الدليل العقلي، إن الشك أول الواجبات \ الشك يوصل إلى اليقين عن طريق العقل \ سباقيين في تأسيس الشك المنهجي \ رائدين على مستوى عالمي سبقوا ديكارت والغزالي الذي ربما أخذ أفكاره ديكارت.

النظرية النقدية الفحص النظر والإستدلال العقلي وهو ذو قوة إبداعية، ونقد الأخبار والحديث ويقيسونه عقليا. وتقد الجاحظ الحجرالأسود كان أبيضا وجعله المشركون أسودا، بيان ضعف الخبر عقليا، والصحبة للنبي لم تكن رادعا لهم، فكانت أخطاؤهم كثيرة بعد وفاة النبي، إبراهيم النظام ينقد حتى الخلفاء الراشدين وناقم على إبن هريرة.

المعرفة الحسية : قدرة الحواس على إكتساب المعرفة مدركات حسية وهي خادعة، التجربة الحسية، المعرفة العقلية أو المدركات العقلية البديهيات، ولكل منها قيمة لإدراكه الأشياء، العقل قيمته الإدراكية أعلى وأقوى وأطلق، فالعقل فوق المدارك الأخرى.

المعرفة مدراكات عقلية ومحسوسات، الحيوانات لها مدركات حسية، ويرون أنها لا تملك العقل فلا تميز بين المحسوسات، فتكون بلا فكر ورأي، فالعقل يميز ويصحح خداع الحواس.

علم الكلام : علم الدفاع عن التوحيد، منهج معرفي يهدف لإقامة الإيمان الديني على أسس عقلية، إيمان عقلي، سيكون وسيلة للدفاع عن الدين، المتكلمون وظيفتهم الرد بالحجج العقلية والبراهين المنطقية الواضحة.

علم الكلام أساس لوضع الفلسفة كما فعل الكندي، فالمعتزلة أثروا في النشاطات العلمية.

ومنهم أبن الراوندي، الفارابي، الكندي، الجاحظ، سيبويه، إبن الهيثم وغيرهم، قدموا الفكر والعلم والعصر الذهبي للأمة، ودافعوا عن الإسلام بالحجة والدليل والجدل الفكري، وعقلنوا الدين والنص الديني

فالدين العقلاني مذهبهم وديدن نشاطهم، والحرية الإنسانية من ركائز منهج المعتزلة.

وكما تقدم ظهروا في القرن الثاني للهجرة كفرقة دينية إصلاحية تجديدية، وربما ثورية، موقفهم نقدي ضد النظريات والأراء، حرية التفكير والتطوير، إيمان بقدرة العقل البشري فأعلوا من سلطانه، وجعلوه حكما على كل شيئ فلا حدود أمام العقل، ولا يستعصي عليه شيئ من الإدراك، ويمكنه الوصول إلى المعارف وأغوار الحقائق، فالعقل يستطيع إدراك ما موجود في الكون.

إنهم فرقة عقلية، العقل أداة المعرفة الأساسية، فألحقوا المعرفة الحسية بالمعرفة العقلية، لأنها ستكون من صلاحيات العقل، فالمحسوسات موضوعات المعرفة العقلية، والعقل يحولها إلى مدركات عقلية وترتيبها وتحليلها، ليصل إلى معرفة محددة.

وسعوا من دائرة نفوذ العقل فجعلوه حكما على الإيمان الديني والنص الديني، فإلإيمان الديني لا يستقيم دون الإرتكاز العقلي، والنص الديني إذا إتفق مع العقل يؤخذ به وإلا لا يؤخذ به، فالعقل قادر على تحديد الحسن والقبيح من الأفعال، حسن وقبيح بذاته.

يرفضون العديد من الأحاديث والمرويات لأنها تستخف بمنطق العقل ، فروات الحديث في عرفهم  يتقولون الكذب على الله ورسوله.

قاموا بالتأويل العقلي، نفوا رؤية الله في الدنيا والآخرة.

خلق القرآن أي القرآن مخلوق، بينما الرأي الآخر يرى أنه أزلي وفي اللوح المحفوظ، وخلق القرآن أقرب إلى العقل مخلوق في زمن خلق من أجل معطيات وأحداث تمت في زمنها.

المسار الإصلاحي المرتكز على العقل، رفضوا الخوارق والكرامات، إيمانهم بقدرة العقل على معرفة الخير والشر والتشريع وغصدار القرارات والأحكام والتمييز بين القيم كالحق والصدق والمساواة وحرية الإرادة.

وجود قانون طبيعي يعلو على أي مصدر آخر للتشريع .

الإنسان يمتلك حرية إرادة وإختيار وهو الخالق لأفعاله، ويستحق عليها الثواب أو العقاب.

ما قيمة وجود العقل إذا كان الإنسان مجبرا على أفعاله، لماذا يعطي الله العقل للإنسان إذا يجبره على الأفعال، بينما أعطاه حرية العقل والإرادة والإختيار، وهذا يبرهن العدالة الإلهية التي تستوجب العقاب لأنه حر ومسؤول.

العلاقة الجدلية بين حرية الإنسان والطبيعة ، العالم الطبيعي محكوم بقوانين ثابتة ويعمل بمبدأ السببية، وفي الإنسان مربوطة بالإرادة البشرية.

وهم نخبة من العلماء الأفذاذ، أطلقوا الفلسفة، وعلم الكلام، إخوان الصفا والفكر العقلاني، أمثال واصل بن العطاء، عمر بن عبيد، أبو الهذيل العلاف، الزمخسري، إبراهيم النظام (مارس الشك المنهجي، ومارس المنهج التجريبي )، الجاحظ، يعلم العقل والأدب، أثروا في الفكر الإنساني، وركزوا على مقتضيات العقل والحكمة العقلية، ورفضوا العقل المغيب المعطّل، والأحداث يرونها بنت زمانها ومكانها، والتغيير منهجهم الواضح المبين.

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم