قضايا

ليلى مناتي محمود: اللغة العربية سيدة اللغات

تتسيد العربية اللغات الاخرى باختيار القرآن الكريم لها بوصفها النظام اللغوي الذي استثمره النص المقدس لبيان المعاني والدلالات والرؤى الالهية وهذا الامر ينبئ عن اسرار دقيقة تتميز بها هذه اللغة المباركة دون غيرها.

و نعتقد أنّ سّر الاسرار في تميز هذه اللغة الشريفة، ومكمن قوتها، ومعلم خصوصيتها هو ارتباطها بالواقع الخارجي والنظام الكوني الذي جُعل فيه الانسان السيد، وارتباط اللغة بالواقع يعني ان اللغة بوصفها نظاماً معقداً من العلامات تمثل صورة لفظية تعبر عن النظام الكوني بكل تفاصيله واجزائه وهذا ما يتجلى في خصائصها الداخلية كونها لغة القرآن الكريم، فقد وصُف القرآن بكونه عربياً منها قوله تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون). ومن خصائص العربية الواضحة وكما قال الفراء: (وجدنا اللغة العربية فضلاً على جميع الامم اختصاصاً من الله تعالى وكرامة اكرمهم بها، إنه يوجد فيها من الإيجاز ما لا يوجد في غيرها من اللغات)، اي تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى .

فضلاً عن ذلك فقد انمازت العربية بان كل مجموعة من الفاظها ترجع الى مادة واحدة أُخِذت منها وهذا ما يسمى بالاشتقاق وهو استحداث كلمة أخذاً من كلمة أُخرى للتعبير بها عن معنٍ قالبّي جديد للمعنى الحرفيّ، مع تماثل بين الكلمتين في احرفهما الاصلية وترتيبها فيهما .

و من خصائص العربية ان لهجاتها لم تستقلّ بنفسها فتكّون لغات في قبالها . فالهجات العربية قبل الاسلام رغم انها ذات تنوع  واختلاف في المفردات  والاساليب والتراكيب كان هناك لهجة موحدة تستعمل في كتابة القصائد والعهود والمواثيق، كما ان ظاهرة الاعراب من أخص خصائص اللغة العربية، وهذه الظاهرة جعلت اللغة العربية تنماز بها من اللغات بسبب التنظيم الدقيق الذي سادها نتيجة لقواعد الاعراب التي يتمثل معظمها  في اصوات مد قصيرة تلحق أواخر الكلمات لتدل على وظيفة الكلمة في العبارة وعلاقتها بما عداها من عناصر الجملة وهذا النظام لا يوجد له نظير في أية أخت من أخواتها السامية اللهم إلاّ بعض آثار ضئيلة بدائية في العبرية، والآرامية والحبشية .

ولاخلاف ان اللغة العربية توصف بانها لغة شاعرة لغة الضاد او لغة الاعراب،  وهي لغة بنيت على نسق الشعر في اصوله الفنية والموسيقية فهي في جملتها فن منظوم منسق الاوزان والاصوات، لا تنفصل عن الشعر في كلام تألفت منه، ولو لم يكن من كلام الشعراء .

و هي لغة إنسانية ناطقة تستعمل جهاز النطق الحي أحسن استعمال يهدي إليه الافتنان في الايقاع الموسيقي وليس هنا أداة صوتية ناقصة تحس بها الابجدية العربية، اذ ليس في حروف الابجديات الاخرى حرف واحد يحوج العربي الى افتتاح نطق جديد لم يستعمله .

و من خصائصها الخارجية اثرها في اللغات الاخرى كالفارسية والتركية وغيرها ومنزلتها بين اللغات العالمية وإقبال غير العرب على دراستها وجعلها إحدى اللغات الرسمية في الامم المتحدة كونها اللغة القديمة الباقية دون معاصرتها في قديم الزمان فضلاً عن كونها من أكثر اللغات انتشاراً في العصر الحديث .

***

اعداد: أ. م . ليلى مناتي محمود

في المثقف اليوم