قضايا

آمال طرزان: نساء الأرياف "الصمود والكفاح"

"رحلة الدولة لتمكين المرأة في الريف المصري"

في الصباح الباسم الذي يعلن مولد صفحة جديدة من حياتنا عنوانها الأمل، قدمت صديقتي العزيزة "نور الهدى" إلى منزلي بعد أن علمت بحصولي إجازة من العمل ليست للاسترخاء، ولكن لتنظيف وترتيب المنزل. كانت برفقتها الست يامنة التي تعمل مع أختها في صناعة الأشغال اليدوية كالطبخ المنزلي للآخرين وصناعة حقائب اليد والتريكو والإكسسوار اليدوية. هي امرأة في الثلاثين من العمر تسكن إحدى القرى الصغيرة في أعماق الريف. كانت تعيش حياة متواضعة وبسيطة مع زوجها وأبنائها الخمسة. لم تكتف بدورها كأم وزوجة، فقد كانت تشعر أنها قادرة على المساهمة في دعم أسرتها؛ فقررت العمل في الأعمال اليدوية من أجل مساعدة زوجها الذي كان يعمل حرفياً باليومية من أجل تربية أبنائها الخمسة وإلحاقهم بالمدارس الحكومية، وعلى الرغم من ظهور الإرهاق عليها إلا أنها كانت دوما تعافر من أجل استمرار تعليم أبنائها بالمدارس؛ لأنها تركت التعليم في المرحلة الإعدادية؛ لتزوجيها خوفًا عليها من أن يفوتها قطار الزواج؛ فتبور- ويا ليتها قد بارت-، فقد بدت علامات المشيب والتجاعيد على وجهها الذي يكسوه الحزن بسبب كثرة الأبناء ومتطلباتهم، بجانب قلقها الدائم لمرض أختها الكبرى (الست كاملة) التي تحملت مسئولية الإنفاق على البيت بمفردها بعد أن تركها زوجها ورفض الإنفاق عليها وعلى الأبناء السبع؛ لتزوجه بفتاه صغيرة في سن بناته، وتخشى أن يحدث لأختها الكبرى مكروه.

وعقب شرائي بعضاً من الأعمال اليدوية من الست يامنة حكت لنا عما يحدث في الريف قائلةً:

- يامنة: للأسف، يا أستاذة "آمال" إنّ الآباء يفضلون تعليم الذكور، في حين يقع العبء الأكبر من الأنشطة المنزلية على عاتق الإناث. إن الرجال يقومون بالعمل من أجل الإنفاق على الأسرة وتلبية احتياجاتها، في حين أنه يوجد كثرة من الرجال ممن يلقون المسئولية بشكل كامل على زوجاتهم ،وقد يفر البعض بالزواج بأخرى، كما حدث مع أختي "كاملة". إن ما يحزنني هو أنني وغيري من النساء نقوم بالعمل سواء داخل الأسرة أو خارجها ولا يُنظر إلى مجهودنا المتضاعف بوصفه عملا منفصلا، إنني أشعر بالأسى خاصة من عدم تقدير زوجي لي، وتهديده بالزواج من أخرى لتقصيري في حقه، على الرغم من أنني أعمل -ليل نهار-حتى لا يتسرب أولادي وبناتي من التعليم، أضغط على نفسي وأُحملها فوق طاقتها حتى يصبح مستقبلهم أفضل مما أنا عليه، قد تكون الشهادة طوق نجاح لهم. وفي نهاية لقائي بالسيدة "يامنة" وعدتها بأن أساعدها في تسويق أعمالها اليدوية لدى زميلاتي في العمل، غادرت السيدة "يامنة" ولكن ظل عقلي شارداً.

-فإذا بصديقتي "نور" تقطع شرود ذهني قائلةً: أعتقد أن ما يدور في ذهنك الآن موضوع هام حول مشكلات المرأة الشرقية "النسوية الشرقية"، وأظن أنه عن الست "يامنة" بوصفها امرأة ريفية.

- نعم، صديقتي .. إن القصة ليست قصة "يامنة" فحسب، وإنما قصة العديدات من النساء الريفيات غير المتعلمات اللائي يقمن بأعمال كثيرة من أجل الحصول على قوت يومهن؛ بسبب أن شريك الحياة إما متوفىً و منفصلاً عنهن أو متزوجاً بأخرى، أو أنّ الحالة المادية بسيطة أو هجرته للخارج أو كان متخلياً عن تحمل المسئولية الأسرية، فنجدهن يقمن بالمشاركة في الزراعة والفلاحة وتربية الماشية، إلى جانب القيام بالأعمال اليدوية كالتطريز والخياطة والنسيج والحياكة وصناعة السلال والأواني أو صناعة الصابون والشموع، أضيفي لذلك القيام بدورهن الجوهري في الأعمال المنزلية وتربية الأطفال وتعليمهم. وهذه الأعمال تحتاج منهن إلى جهد يفوق قدرتهن في كثير من الأحيان.

- نور الهدي: يتبين لي من حديث الست "يامنة" أن النساء والفتيات يعانين في المناطق الريفية، خاصة أن النساء والفتيات يفتقرن إلى فرص متساوية للحصول على الموارد والأصول الإنتاجية، والخدمات العامة، مثل التعليم والرعاية الصحية، والبنية التحتية، وفي حين لا تحظى كثير من أعمالهن بالانتباه الواجب فضلا عن أنه غير مدفوع الأجر، وبخاصة مع تزايد أعباء أعمالهن بسبب هجرة الرجال إلى الخارج.(1) ولكن ما دور الدولة لتحسين وضع المرأة الريفية؟

- إن دور الدولة في مساندة المرأة وتمكينها اقتصاديًا واضح للعيان على سبيل المثال تم افتتاح معرض "تراثنا" للحرف التراثية والمنتجات اليدوية بسوهاج في الفترة من 8 وحتى 14 أكتوبر 2023م، وذلك بالجناح الخاص ببرنامج التنمية المحلية بصعيد مصر والذي يتضمن 27 عارضاً وعارضةً من أصحاب الحرف التراثية والمنتجات اليدوية من أبناء محافظة سوهاج شاركوا بعرض منتجاتهم.(2) وكذلك معرض الحرف التراثية والمنتجات اليدوية بالجيزة بمشاركة 35 عارضا من أبناء محافظة الجيزة وبمشاركة من المحافظات المجاورة، واستمر لمدة ثلاثة أيام خلال الفترة من 12 وحتى 14 سبتمبر 2023م من أجل توطين الصناعات الحرفية والتراثية لما لها من أهمية في توفير فرص عمل.(3) كل ذلك يا عزيزتي ينصب في صالح دعم عمل النساء في الأعمال اليدوية، ولكنني أحلم بالمزيد.

- نور الهدى: وما المزيد يا صديقتي الصدوق؟

- أتمنى أن تقوم الدولة ومؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع الشركات الخاصة بفتح معارض دائمة على مدار العام - وليس لثلاثة أو أربعة أيام خلال العام- في كل محافظة لعرض المنتجات اليدوية للسيدات الريفيات، مع وجود وسطاء للتسويق يكونون مسئولين عن خدمة أخذ المنتجات منهن وإيصالها للمعارض الكبرى، إلى جانب طرح منتجاتهن في المدن السياحية بمصر كالإسكندرية وشرم الشيخ والأقصر وأسوان وغيرها؛ لبيعها للأجانب. بل والتأكيد على ضرورة زيادة تصدير تلك المنتجات؛ لتوفير دخل للنساء المنتجات من خلال زيادة العملة الصعبة للبلاد، وحتى يتسنى للدولة تسجيل أسماء الريفيات كعاملات منتجات؛ لتقديم خدمة التأمين الصحي لهن وتوفير معاشٍ شهريّ لهنّ عند وصولهن لسن الستين.

- نور الهدي: ولكن ما دور وسائل التكنولوجيا الحديثة في دعم المنتجات اليدوية للنساء؟

- بالفعل يا "نور" قد أطلق السيد اللواء محمود شعراوي وزير التنمية المحلية مبادرة "أيادي مصر" في يوم المرأة المصرية 16 مارس 2021م. وهي منصة إلكترونية الهدف منها التسويق الإلكتروني للمنتجات اليدوية والتراثية بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي وبالتعاون مع شركة إي-أسواق مصر. حيث يأتي المشروع في إطار إستراتيجية الدولة للتحول الرقمي؛ بهدف تمكين الفئات المهمشة وتقديم الدعم في خلق فرص عمل وتوظيف الشباب والتي تؤدى جميعها إلى التنمية في الريف ودعم المجتمعات المحلية، وخاصة فئات الشباب والمرأة في تسويق منتجاتهم ودعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، يمكن لكافة منتجي الحرف اليدوية التواصل مع المنصة من خلال منسق المنصة بكل محافظة أو من خلال الموقع الإلكتروني.(4) ولكن الأمر يحتاج إلى تسليط الضوء على منصة "أيادي مصر" إعلاميا، وتعريف النساء المنتجات للحرف اليدوية والحاصلات على قسط من التعليم بها وبكيفية التواصل من المنصة. ولأن هناك الكثيرات من النساء الريفيات غير متعلمات ولا يُجِدن استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة؛ فلابد من أن يتعرفن على كيفية التواصل المباشر مع منسق المنصة داخل محافظاتهن.

- نور الهدى: أتمنى أن يتحسن وضع الست "يامنة" وأختها في المستقبل.

- بإذن الرحمن يا "نور" سيكون الغدُ مشرقاً مليئاً بالأمل للست يامنة وغيرها من النساء الريفيات، ولكن عليهن أثناء تربية الأبناء التركيز على غرس فكرة المساواة بين الذكور والإناث في التعليم ثم التعليم وأكررها مرارًا وتكرارًا، وكذلك التوعية بخطورة الزواج المبكر مع التأكيد على ضرورة تنظيم الأسرة، فهذه عوامل أساسية لحل المعضلة في الريف المصري.

***

د. آمال طرزان - نسوية شرقية

...................

(1) موقع الأمم المتحدة اليوم الدولي للمرأة الريفية ،

https://www.un.org/ar/observances/rural-women-day , In:20/12/2023. 9:33PM.

(2) عمر وخلف: محافظ سوهاج: 27 عارضا يشاركون في معرض "تراثنا" للحرف اليدوية والتراثية اليوم السابع 7 أكتوبر 2023م.

(3) مرام محمد: افتتاح معرض الحرف التراثية والمنتجات اليدوية بالجيزة غدا بمشاركة 35 عارضا اليوم السابع 11 اغسطس 2023 م

https://www.youm7.com/story/2023/8/11

(4) وزارة التنمية المحلية: مبادرة ايادي مصر

https://mld.gov.eg/ar/p/3041/putting-reference-conditions-to-prepare-the-environmental-impact-assessment-studies-for-infrastructure-projects-of-sanitary-landfill

لينك موقع أيادي مصر: http://ayadymisr.com

في المثقف اليوم