قضايا

محمد الربيعي: تقرير "التعليم العالي في العراق بعد 2003: التحديات المستمرة"

أدت عقود من الصراع إلى إصابة التعليم العالي العراقي بالشلل الشديد. فقد أدت الحروب، الداخلية والخارجية، إلى تدمير البنية التحتية، وتشريد الأكاديميين، وأعاقت جهود الإصلاح. ويستمر هذا الإرث من عدم الاستقرار في التأثير على النظام التعليمي.  يقدم تقرير الدكتورة الهام مكّي "التعليم العالي في العراق بعد عام 2003: التحديات المستمرة" مساهمة واضافة قيمة لما دأبنا عليه في كتاباتنا حول اهمية اصلاح التعليم العالي ولفهم التحديات التي تواجه النظام في العراق، من خلال تقديم نظرة شاملة لهذه التحديات، وتحليل العوامل التي أدت إليها، وتقديم رؤى حول الآثار التي تتركها على النظام التعليمي العراقي. كما أنه يوفر إطارا عمليا للإصلاح يمكن استخدامه من قبل الحكومة العراقية والمجتمع الدولي لمعالجة هذه التحديات.

يركز التقرير على خمسة تحديات رئيسية:

* البنية التحتية المتهالكة:

تضررت الجامعات العراقية بشدة بسبب الحروب والنزاعات الداخلية، مما أدى إلى تدمير المباني والمختبرات والمكتبات. كما أن التمويل المحدود يحد من الوصول إلى المعدات والتكنولوجيا الحديثة، مما يعيق التدريس والبحث وتعلم الطلاب.

* عدم تطابق المهارات بين الخريجين وسوق العمل:

تكافح الجامعات العراقية من أجل مواكبة احتياجات سوق العمل المتغيرة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والعمالة الناقصة بين الخريجين.

* قيود على الحرية الأكاديمية:

تفرض الحكومة العراقية والقوى السياسية النفوذ السياسي على الجامعات، مما يؤدي إلى تقييد مواضيع البحث ومحتوى المناهج الدراسية وتعيينات أعضاء هيئة التدريس، مما يعيق التفكير النقدي والخطاب المفتوح كما ان المحاصصة الطائفية والعنف السياسي يجبران الأكاديميين على ممارسة الرقابة الذاتية

* أنظمة ضمان الجودة ضعيفة وغير كافية:

تفتقر الجامعات العراقية إلى أنظمة او تدابير ضمان جودة شاملة، مما يضعف مصداقية النظام التعليمي العراقي ومؤسساته، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. وغالبا ما تكون إجراءات مراقبة الجودة الحالية غير كافية أو سيئة التنفيذ، وتفشل في ضمان معايير متسقة عبر الجامعات والبرامج، كما يؤدي الفساد والمحسوبية في إدارة الجامعات إلى تقويض مصداقية عمليات تقييم الجودة، وإلى إعاقة قدرة الجامعات العراقية على جذب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الدوليين، مما يزيد من عزل النظام عن الاتجاهات العالمية وأفضل الممارسات.

* محدودية الموارد والتكنولوجيا وضعف مستويات التدريسيين:

يؤدي عدم كفاية التمويل وانعدام الخبرة الاكاديمية والبحثية إلى تقييد الوصول إلى المعدات والتكنولوجيا الحديثة، مما يعيق التدريس والبحث وتعلم الطلاب.

وتشير مكي الى عدم ملائمة المهارات بسبب المناهج القديمة فغالبا ما تتخلف البرامج الجامعية عن تلبية الاحتياجات المتطورة لسوق العمل، مما يؤدي إلى خريجين يتمتعون بمهارات لم تعد ذات صلة بأرباب العمل. كما يفشل التركيز على المعرفة النظرية في العديد من البرامج في تزويد الخريجين بالمهارات العملية والخبرة في مكان العمل اللازمة للتوظيف. هذا بالاضافة الى الانفصال بين الصناعة والأوساط الأكاديمية حيث تشير الكاتبة الى ان ضعف التعاون بين الجامعات وأصحاب العمل يعيق فهم احتياجات العالم الحقيقي ويحد من فرص التدريب الداخلي والتدريب العملي.

في ختام التقرير، تقدم الهام مكّي مجموعة من التوصيات لمعالجة هذه التحديات. وتقترح في هذه التوصيات:

* تنفيذ استراتيجيات إصلاح طويلة الأجل تركز على إعادة تأهيل البنية التحتية وتطوير المناهج الدراسية وتدريب أعضاء هيئة التدريس.

* تشجيع الشراكات مع المؤسسات الدولية والقطاع الخاص لسد الفجوة بين المهارات وتعزيز قابلية التوظيف.

* حماية الحرية الأكاديمية وتعزيز التفكير النقدي من خلال إزالة السياسة من الجامعات وإنشاء مساحات آمنة للخطاب المفتوح.

* إنشاء أنظمة ضمان جودة قوية لتحسين المكانة الدولية للتعليم العالي العراقي وجذب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المؤهلين.

هذه ليست سوى بعض النتائج الرئيسية التي تم استكشافها في تقرير الدكتورة الهام مكي والتي طالما نوقشت على مر السنوات العشرين الماضية مما يؤكد وجود مشكلة معقدة لها العديد من العوامل المترابطة وتحتاج الى مراجعة شاملة وحلول انية وطويلة المدى.

***

ا. د. محمد الربيعي

.............................

المصادر

* الهام مكي (2023). "التعليم العالي في العراق بعد 2003: التحديات المستمرة"، الهام مكي ، عدد الصفحات: 20، الاصدار: (PeaceRep report). Middle East Centre, London School of Economics

* محمد الربيعي (2022). التعليم العالي والبحث العلمي، قضايا وتحديات وحلول، الاصدار: لندن للطباعة والنشر.

***

في المثقف اليوم