قضايا

علي جاسب عبد الله: الاستدلال والسياسة

يستصعب بعض الطلبة درس الاستدلال متعذرين بدقته وتعقيده ظانينَ أنَّه ترفٌ فكريٌّ لا فائدة منهن يستلذ به راغبوه ويأنس به محبوهن ناسينَ غفلةً أنَّ ساسة البلاد والعباد لا ينفكون  في  خطاباتهم عن الاستدلال أسلوباً للاقناع وطريقة لكسب تأدية العامة من الناس بغض النظر عن صدق استدلالاتهم أو منطقيتها ومقبوليتها العقلية. فالعهدُ قريب والأثر لمّا يُمحَ، والناخبون لم ينفضوا بعدُ غبارَ انتخابات مجالس المحافظاتنإذ رأينا كيف علت أصوات المرشحين مستدلّينَ على أهليتهم أو ناقضينَ كلام غيرهم سواء من كان يحتج على صحة المشاركة فيها أو من يطعن في أصلها وضرورتها. فكلُّ طرف منهم يمارس الاستدلالنويرى أنَّه عبد الدليل أين ما مال يميل.

ومادام الساسة لا يبرحون عن ممارسة الاستدلال ويتفنون في توظيف مسالكه  واتباع أساليبه لصناعة القرارات التي تحكم الدولة وتلزم المجتمع السير في طريق معينن فهذا يدل على أنَّ العقل العاميّ  يحكمه الاستدلالُ ويسوسه الجدلُ وتؤثر فيه المناظرات والمطارحات الخطابية إلا أنَّه عقلٌ غير محصن فهو أرض رخوة وتربة هشة، إذ تفوت عليه المغالطات التي يستعلمها بعض الساسة ويغفل عن الاوهام التي يصنعونها والادعاءات التي يقولونها، فنرى من الناس من يعتقد بصحة استدلال سائس معين وكذب الآخر، ويُخيّل له أحقية سياسي ثالث وبطلان من ينازعهن وهذا الاعتقاد أو التصور لايستند الى أُسس علميةنو مقبولات عقلية.

ومن ثم يتوجب على طلبتنا العناية بالاستدلال وقواعد الجدل والمناظرة ليكسبهم تفكيراً ناقداً وعقلاً فاحصاً ليتحصنوا به من زخرف القول وبهرج الخطاب وزينة الكلام ويكونوا من ذوي الوعي والإدراك، لا يقبلون كل ما يقال ولا يصدقون كل ما يسمعون. ويتحملون أمانة تحرير العقول بتحطيم أغلالها وفكها من قيودها وتمزيق الحجب الساترة للحقيقة عن طالبيها وإنارة الطريق أمام السالكين.

***

أ. د. علي جاسب عبد الله

في المثقف اليوم