قضايا

إلهام العويفي: فن الحكاية

من منا لم يكن مشتاقا ومتلهفا لزيارة جدته أو جده،حتى يظفر بتلك اللحظات المميزة وهو يستمتع بتلك الحكايات الرائعة التي كانا يقصانها على مسامعه بين الفينة والأخرى. والغريب في الأمر أنه وبالرغم من محاولة آبائنا المتكررة في محاكاتهم، إلا أن محاولتهم تظل متواضعة بل محتشمة مقارنة بحكايات الأجداد حتى وإن تعلق الأمر بالحكاية ذاتها.وما يجب توضيحه في هذا الصدد أن الأمر ليس من باب الصدفة وإنما يعزى لعدة أسباب،لكن قبل التفصيل فيها حبذا أن نقدم تعريفا بسيطا عن الحكاية من باب المعرفة.

فالحكاية تعد فنا أدبيا يعتمد على الإلقاء الشفهي ؛ وتقوم على تداول قصص خيالية أو حتى أحداثا لوقائع حقيقية، ويكون التشويق والإثارة عنصرين مهمين فيها. كما تتميز الحكاية بطابعها السردي والوصفي، وبأحداثها المتسلسلة والمتناغمة. وتقوم الحكاية على أربعة عناصر أساسية، وجب استحضارها أثناء حياكتها، علاوة على انتقائها بعناية وبشكل يضفي على الحكاية نوعا من التفرد والإثارة، وتشمل هاته العناصر ما يلي: الشخصيات،الزمان، المكان، فالأحداث.

وبالوقوف عند هذا السياق يتضح جليا أن التشويق والإثارة عنصران مهمان في نجاح الحكاية وسرعة تقبلها من الأشخاص سواء كانوا راشدين أو أطفالا، أضف إلى ذلك فطريقة الإلقاء تلعب دورا مهما في التقاط الحكاية وتقبلها، فمثلا تغيير نبرة الصوت عند السؤال والتعجب وتغييره كذلك تزامنا مع تغيير الشخصيات، أو حتى تجسيد حركات تتناسب مع بعض مواقف الحكاية، كلها عوامل من شأنها أن تزيد من جاذبية الحكاية والتعلق بها بل التهافت إلى الاستماع إليها مجددا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالحكاية التي تتضمن شخصيات مميزة وخارقة، وأحداث غريبة متشابكة بحبكة متقنة تتخللها أزمنة وأمكنة مختلفة، هي من تنجح في جذب انتباه المتلقي. أما في ما يخص مسألة تمكن أجدادنا من فن الحكاية دون غيرهم من الأجيال الحالية، فيمكن تبرير ذلك بكون الحكاية وغيرها من الفنون التقليدية كالأسطورة والحكايات الشعبية تعتمد بالأساس على الإلقاء الشفهي وفي غياب وسائل التكلنوجيا في السنوات الماضية، فقد كانت الطريقة الشفهية هي الناجعة أنذاك في تناقل الأخبار وتداولها،إلى أن صار الأمر أشبه بحرفة يتقنونها. بيد أنه ومع ظهور وسائل التكنولوجيا كالتلفاز والحاسوب والهاتف أصبحت الحكاية تندثر شيئا فشيئا، ونادرا ما يتم تداولها. باعتبارها لا تتماشى وتطلعات حاضرنا، ولا تواكب ما وصلت إليه البشرية من تطور وتقدم. دون أننسى انشغالات الآباء بضغوط العمل وانعدام الوقت الكافي من أجل سرد الحكايات لأطفالهم. وحفاظا على هذا الموروث الثقافي الفني من الاندثار، فقد تم إدراجها في البرامج التعليمية المدرسية في العديد من الدول، وفي مقدمتهم : المغرب،لما لها من إيجابيات كثيرة يمكن استثمارها في تطوير شخصية الطفل ومعارفه وقيمه، إضافة إلى أن الحكاية تعتبر مجالا خصبا لتنمية خيال الطفل، وفرصة مهمة لتمرير القيم والمبادئ ومنبعا غنيا لاستقاء المفردات والأساليب.

كما تساعد الحكاية على تقوية التركيز والانتباه لدى الطفل، وتجدر الإشارة إلى أن الاستماع إليها بشكل دائم يعمل على تقوية حاسة السمع والتقاط المعلومات بشكل سريع..و تعتبر الحكاية وسيلة ترفيهية وإحدى العوالم الممتعة التي يجد فيها الطفل متنفسه وملاذه، لذ فإدراجها كمكون أساسي ضمن مكونات اللغة العربية المدرسة من شأنه إضفاء المتعة على التعلمات وتجنب الرتابة التي يمكن أ ن تحول دون مواكبة الطفل سير الدروس.

وختاما، فالحكاية وبالرغم من طابعها الشفهي الإلقائي إلا أنها تقتضي الحنكة والبراعة وقوة الإلقاء، والمحاكاة، وتظل أجمل هدية يمكن أن نقدمها لأطفالنا خاصة قبل النوم.

***

الشاعرة والكاتبة إلهام العويفي من المغرب

في المثقف اليوم