قضايا

اورنيلا سكر: الذكاء الاصطناعي بين الوهم والتوهم

احيانا تصيبني خيبة عارمة أتساءل فيها لمن انا اكتب؟. وما دوري كمثقفة تجاه الجماهير؟. صحيح أننا نعيش في زمن متوحش غير مسبوق من الأنانية والافراط في التمثيل حيث استطاعت التقنيات الذكية بصيغتها الذكية أن تكون محط جذب لدى الجميع بفعالية، تمارس عليها كل اشكال الهيمنة والتحكم والاستحكام. غير اننا حقيقة نعيش في واقع غير واقعي استطاعت الجماهير خلق فضائها ومجتمعها الخاص وتشكيله. لكن ماذا لو كان كل شيئ وهم وتوهم؟

الحقيقة اليوم اننا نعيش في لحظة تاريخية مفصلية كل شيء جديد حولنا. نعم، لقد استطعنا خلق وتثبيت موطئ قدم لنا في هذه الوالم الفتوحة، لكن المشكلة هي في اننا لا نعيش في هذا العالم بشكل منصف ومتساوي بل اننا عبارة عن مجتمع مفعول به، مستهلك يصدر تاريخ من الجهل المستأنف لكن مع فارق بسيط وملحوظ، وهو أن تفاهة الجماهير اصبحت متشاركة مع الجميع وموثقة رقميا وهذه كارثة العصر.

إن هذا الواقع، هو بفعل سلسلة من العبادة الوثنية التي تطورت في وجدان الجماهير دون تفكر والتي استطونت  بحبكة اسهمت استحكاما بليغا في مطارد عقول الناس والتأثير بها عبر تقنيات واختراعات غير مألوفة بلغت حد العبادة الجديدة، لكن من نوع اكثر عنفا وتحكما وعبودية يترتب عليها تمثلات مرضية نفسية وثقافية واجتماعية تشبه الادمان بكافة مفاهيمه، بفعل غياب قوانين وثقافة ترعى هذه التحديات وإمكانية التحكم بها. فهل يستطيع اليوم احدكم الاستغناء عن جهاز التلفون الذكي لدقائق أو ساعات أو ربما شهور بالتأكيد لا لانه، قد يعاني من هوس الاكتئابي والعزلة والاغتراب.

إلى هذا الحد وصل بنا الاستحكام الممنهج بفعل مجتمعات يمارس عليها سياسة القطيع والتجارب البشرية حيث بات الإنسان عبارة عن رقم قيمته هي في الأرباح التي تجنيها الشركات العملاقة. فالسؤال البديهي الذي يفترض الجميع أن يجيب عنه هل هذا التطور خدم البشرية واراحها ام مأسس لنوع جديد من المظالم والاستعباد والعبودية والعنف غير المسبوق؟.

إن ثورة المعرفة والذكاء الاصطناعي يجب أن تريح الإنسان وليس أن تجعله يعيش في متاهات التغرب والعزلة وفقدان القيمة والهوية، وأن تنعم عليه بالراحة الاقتصادية والنفسية والفكرية والإنسانية. فأين الإنسان اليوم من كل ذلك. فالانسان اليوم أصبح مبرمجا شبه آلي ولم يستطع تطوير منهجية تخدم وقعه السياسي عبر بناء مجتمعات جديدة تختلف عما سبق من الاضطهاد والاستغلال والاستبداد والفساد عبر تحقيق العدالة المساواة والحرية.

إن ما نعانيه اليوم خطير جدا بل مدمر لان الإنسان غير قادر على تحقيق هوية تليق به بفعل التفاوت والطبقية والحروب غير المتكافئة في المعرفة وصناعة المعلومات فكل تلك التحديات تحتاج إلى استقرار وميزانيات مادية وانفتاح حضاري وفكري تؤسس لصناعة معرفة وطنية وقوانين تراعي وتحمي المواطن من كافة تلك الجرائم التي تعتري البشرية وتستبيح الخصوصية وتطارد عقل الانسان بالتفاهات والمصفوفات الرقمية التي عجز الإنسان فيها عن خلق واقع جديد بعيد عن الاستعمار والهيمنة والسيطرة ولو افتراضيا.

***

اورنيلا سكر

صحافية متخصصة في الدراسات الاستشراقية

 

في المثقف اليوم