قضايا

عبد الكريم رحموني: النص الفلسفي بين التوظيف والتخويف

أهمية النص الفلسفي في المسعى الديداكتيكي:

ولا يزال أساتذة الفلسفة في مرية من توظيف النص الفلسفي أثناء تدريسهم لهذه المادة، التي تستوجب الإبداع والتفكير والنشاط الحر، وتدعو التلميذ إلى التأمل المنتج وتحفز قدراته العقلية وتحرك إمكانياته الفكرية نحو الإيجاد والخلق لا التكرار والحفظ.

فالإبداع والإيجاد لا يتأتى ويتضح إلا من خلال النص الذي يحتل مكانة بارزة وأهمية كبرى من الناحية الديداكتيكية ضمن حقل بيداغوجيا التدريس بواسطة النصوص الغير مفعلة في تعليمنا الثانوي أو بالأحرى غيبت من طرف البعض من مدرسي الحكمة الفلسفية أو تخويف التلميذ من تناول النص، بحكم أن الطالب المقبل على الامتحان النهائي سينال علامة غير مرضية في شهادة البكالوريا، فعليك بالمقال فهو حشو للأذهان ولا يحتاج منك الدليل والبرهان.

ألم ير هؤلاء أنهم يغيبون العقل والحوار، النقد والبناء، محاورة النص والشك فيما يقدمه الفيلسوف وفي هذا الصدد يقول الغزالي:« إذ الشكوك هي الموصلة إلى الحق، فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والحيرة والضلال»1.

فلا نترك الطالب مبصرا للمقال مغمضا العينين عن النص .

فكيف يتعامل الأستاذ مع النصوص الفلسفية في الدرس ويوظفها؟

أستاذ الفلسفة اليوم الحالم الطامح بتحقيق كفاءة محاورة النص وخلق تواصل علائقي إستطيقي بين تلميذ قارئا للنص، متفاعلا مع عباراته، شارحا للمصطلح، مدركا لمبدعه الذي يضمر الكثير من خلال شبكة المفاهيم.

كيف يمكن تحقيق كفاءة توظيف النص؟

النصوص الفلسفية بين المحاذير والصعوبة:

إننا نعيش مع النص الفلسفي، نميزه عن بقية النصوص الأخرى برمزيته ومفاهيمه، بناءه وأدواته، أفكاره ودلالاته، لغته وأنساقه، وظيفته وكلماته؛في الميزة يؤسس الفيلسوف ملكته الرمزية التي تمتلك دلالات.

إذن النصوص الفلسفية هي حوافز ومثيرات لتحريك حيرة التفلسف لدى التلميذ،تدفع به نحو التحرر الفكري من قيود الرأي السائد،يعي هذه الرمزية وينفتح على لغة الفيلسوف ويشعر بخطورة اللغة وما تحمله من شمولية؛ شمولية التفكير الحر المرتبط بالتساؤل. كما يعتبر النص الفلسفي وجه عملي في تعليمية مادة الفلسفة سواء في التعليم الجامعي أو التعليم الثانوي، فلا يمكن التفكير بطريقة فلسفية، إلا في إطار النصوص التي أبدعها الفلاسفة عبر الزمن.

"كلمة نص في الأصل اللاتيني تعني النسيج"2. فهو إذن نسيج الكلمات المنظمة والمنسقة في خطاب تأليفي، يحتاج من التلميذ خلخلة الخطاب النصي وتفكيك كلمات هذا النسيج.

فهل يستطيع التلميذ التعامل مع النص من خلال تعليمية المادة؟

يحتل التدريس بواسطة النصوص الفلسفية، ركنا أساسيا من أركان الدرس الفلسفي، فبينما يتجه هذا الدرس إلى خلق تواصل فكري بين المتعلم وخطاب الفلسفة، فإنه يجد في النص الفلسفي مادة هذا التواصل؛ تواصل يضعنا مباشرة أمام مشاكل فلسفية، شغلت الفلاسفة، وتمكننا من الكشف عن أفكارهم أثناء معالجة النص.

لكن أثناء معالجة النص وكتابة المقال حول مضمونه في تعليمية المادة، نجد صعوبات ومحاذير في استخدام الطريقة النصية منها:

1- تتطلب دراستها وقتا طويلا يأتي على حساب المنهاج المقرر، وفي بعض الأحيان النص الفلسفي المدروس، لا يوافق المنهاج.

2- تربك المعلم في البحث عنها وانتقائها، إلا إذا كانت قد وضعت من قبل واضعي المناهج، وأدخلت في الكتاب المدرسي.

3- موقف الطلبة السلبي من النصوص، لأنها تحتاج إلى جهد ومهارة بخاصة إذا كان هؤلاء اعتادوا على تلقي معلومات جاهزة مستهلكة.

4- صنم الخوف لطلاب البكالوريا من تناول النص في شهادة المرحلة النهائية، وفكرة الرسوب إذا أقدموا على الموضوع الثالث.

6- مطالبة الطلاب بصياغة النص، صياغة منطقية على شكل قياس استثنائي، لكن بعض الشعب لم تدرس مشكلة انطباق الفكر مع نفسه، على سبيل المثال: شعبتي التقني الرياضي، والاقتصاد والتسيير.

في حين يمكن القول:على الرغم من هذه الصعوبات، فلا يمكن تدريس الفلسفة بعيدا عن النصوص، فهي وسيلة للولوج إلى عقل الفيلسوف والتعرف على طريقته في التفكير، التي قادته إلى بناء نظامه المتكامل الراقي و تجاربه الإنسانية؛ تجربة الفيلسوف المفكر في الإنسانية جمعاء والمعتنق للإنسان أين وجد وفي كل مكان لهذا يقول إيمانويل كانط: "إن الفلسفة الأعلى، بالنسبة للغايات الجوهرية للطبيعة البشرية، ليس في وسعها أن تؤدي إلى أبعد مما تفعله القيادة الممنوحة للحس المشترك"3

***

رحموني عبد الكريم باحث من الجزائر.

....................

1- أبو حامد الغزالي: ميزان العمل ، ص 204.

2- المربي، المجلة الجزائرية للتربية العدد 16 ص 06.

3- جيل دولوز: فلسفة كانط النقدية، ص 37

قائمة المراجع:

1- أبو حامد الغزالي: ميزان العمل، طبعة أولى 1964، دار المعارف مصر

2- جيل دولوز: فلسفة كانط النقدية، تعريب، أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، طبعة أولى 1997، بيروت.

3- المربي، المجلة الجزائرية للتربية العدد 16.

في المثقف اليوم