قراءة في كتاب
خسرت حياتي لغالب الشابندر ليس مسؤولا عن احلامكم
تحدث غالب الشابندر في كتابه خسرت حياتي الصادر حديثا عن الدار البيضاء في بيروت عن نموذج معرفي اسلامي و متتالية فكرية بدأها بتعريف الانسان المتدين فقدم رؤية متقدمة تعلي من قيمة الفعل المرتبط بالانسانية امام الشعائر الدينية الظاهرية، وهو فصل جوهري عميق رغم بساطته الظاهرية، لانه يجمع بين الفكرة وفاعليتها، فلا قيمة تذكر لعبادات ان لم ترتبط بسلوك انساني ورقة طباع ومودة زعم الشابندر بحسب تجربته ان المتدينون يفتقرون اليها وبهذا وسع دائرة الايمان والتدين ليدخل فيها كل فعل انساني مرتبط بالرحمة والمحبة. وهذا ليس سهلا لمنظومة فقهية جامدة تلتزم بظواهر العبادات ولا يهمها الجوهر لقرون مضت وحتى الان، اي ان الشابندر يرسم معالم نموذج اسلامي يعتقد انه قادر على تعبيد الطريق لشباب يؤمن بالاسلام لكنه يجهل سبل تحويله لمنظومة حضارية، فقدم نموذج الاسلام العملي وهي فكرة متطورة لا تنتج الامن عقل قادر على استيعاب تجارب فكرية موسعة اتجتها الحضارة الغربية ونماذج تراثية تشبع بها الشابندر في دراساته الاسلامية المتنوعة. وهذا يقارب ما قدمه الفيلسوف ايمانويل كانت بعده اول من تحدث عن نظرية معرفية لا تقوم على اساس ميتافيزيقي في كتابه (نقد العقل المحض) فدافع عن الاساس الاخلاقي للدين والاعتقاد بالله، فالايمان عند كانت يتأسس على الاخلاق التي يحكم بها العقل العملي. 1.
فالكتاب رؤية شاملة يقدمها الشابندر لمحاولة اصلاح ما يمكن اصلاحة من مسيرة حزب اسلامي امن به وبعقيدته ودفع عمرا في سبيله. ولان فعل العنف حاضر دائما في تقيماتنا لكل شيء فقد قرأت جملة من التعقيبات في وسائل التواصل الاجتماعي تشكك مرة بمصداقية غالب الشابندر، وتصف خيبة الامل التي وقعوا فيها لان غالب الشابندر لم يتخلى عن المنظومة الاسلامية التي امن بها بعد هذا الفشل الذريع للقوى الاسلامية الحاكمة. ولا اعرف لماذا يفترض بكتاب يتحدث عن تجربة في العمل الحزبي الاسلامي ان يلبي مطالب من هم خارج هذه المنظومة؟ .
فعن مصداقية الشابندر فانها تتلخص بشخص غالب الشابندر نفسه، هل يقدر احد ان يقول ان الشابندر اثرى او امتلك شعرة اكثر من غيره نتيجة لانتمائه لحزب الدعوة؟ الم يعش كفافا وفقرا ودفع هو وعائلته ثمنا باهضا من الفقر والحاجة والغربة؟ صاحب المبدا الحقيقي الذي يستطيع ان يقف شامخا انما هو من لم تتلوث يديه لابمال حرام ولا بدم ضحية من شباب العراق، هذا كما ازعم شرف المناضل من اجل فكرة وقضية . والشابندر رجل الصدق الذي يعرف كل من عاشره انه ليس افاقا ولا انتهازيا لذا كان اقصاؤه وابعاده سبيل رفاقه المارقين في سهم المال والجاه الذي لايليق بمثل غالب الشابندر ان يطارده. ومن يمتلك دليلا خلاف ذلك فليقدمه..
اما مسالة ان الشابندر لم يتخلى عن الفكر الاسلامي الذي ثبت فشله فهذا مطلب ببساطة يسقط رغبات الاخرين على الكاتب ولاسيما الاحاديين في التفكير وهم من يرغب في جعل نموذج يؤمن به هو النموذج الناجع الوحيد، وقد شاع الان بين الشباب رد الفعل القائم على الاعتقاد بان اقصاء الدين وتبني النموذج الغربي هو الحل لما نحن فيه من كوارث، ولا يخفى ان هذا النوع من التفكير فيه من الانغلاق القائم على الحتمية المادية ما يقربه للانغلاق الذي تعاني منه المنظومة الدينية التقليدية لانهما ينطلقان من ذات الفكر الاقصائي التبسيطي الذي يمكن ان يقول الحل هو كذا وحسب ا..
ولا باس من الوقوف عند تعليق للصديق علي وجيه في مقاله (هل خسر غالب الشابندر حياته) المنشور في موقع بغداد اليوم، ومناقشة ملاحظتين قدمها الكاتب الاولى ملخصها قوله (لو كتبت كتابا مثل الاستاذ الشابندر بهذا العنوان فسيكون الامر كالتالي: هو ان ارهن حياتي على خيار واكتشف بعد طول نضال او جهاد ان هذه المنظومة فاشلة ومخرجاتها بعكس ما فكرت به، وان هناك منظومة اخرى هي الصواب، وبالتالي سيكون ماذهب من سنواتي فاشوشا لاقيمة له ... لكني لا اخسرها ان كنت مؤمنا بالمنظومة حتى ان كان لدي اشكال ما على بعض مخرجاتها ونتائجها وشخوصها). ثم يقرر الاخ الكاتب علي وجيه ان هذا الكتاب افضل كتاب اعادة انتاج للاحزاب الاسلامية والاسلام السياسي ، صديقنا علي وجيه كيف تم لك ذلك؟ ولماذا تزم الكاتب بخياراتك انت وتضعه اما طريقين لاثالث لهما اما ينكر ما اعتنقه دهرا او ترفض عنوان كتابه وترميه بما قلته؟ هذا الكتاب مراجعة تاريخية لاحداث عاشها الشابندر كحال السير الذاتية التي تقدم تجربة اصحابها، والمراجعة الذاتية انواع منها مراجعة انقلابية ومنها مراجعة تحاول تصحيح المسار ورصد مواطن الخلل وهذه الاخيره هي مايقوم به الشابندر وهو ليس بدعا بين من عمل في جيله في الاحزاب على اختلاف توجهاتها الايدلوجية وقدموا قراءاتهم لاحقا لتجاربهم، ولم يبد الكثير منهم ندما على انتماءاتهم للاحزاب التي خذلتهم، وتظل الخسارة هي ضياع الحلم كما حدده صاحبه لنفسه ولا يحق لاحد ان يقول للاخر انت تنتمي لهذا الفساد ان لم يتلوث به فعلا وانكره علنا.
اما عن وصف الكتاب بتحسين صورة الاسلام السياسي فلست ارى فيه غرابة والرجل يتحدث عن تجربة اسلامية سياسية لكنه بنفس الوقت يصف حزب الدعوة بخلوه من الفكر السياسي المتقدم، وان اعضاءه متورطين بدماء شباب المجاهدين وتبعيتهم لايران وطمعهم الشخصي الذي وصفه بدقة، وينتقد عقلية التقديس العمياء واهتمام الدعاة بابناء الاغنياء ورمي ابناء الفقراء في مجاهل الموت والاغتيالات، و يقول ما يخشى ان يقوله الاخرون عن شخصيات حاكمة هذا الكتاب يقدم تاريخا واقعيا ويتحدث عن حلم صاحبه بخلق نموذج اسلامي انساني اكبر واستشعار الخطر منه دليل نجاح طروحاته لو التفت اليها الاسلاميون السادرون في غي نهبهم لهذه الارض واهلها..
ولا باس ان اختم مقالي هذا باستذكار حديث جرى بيني وبين صلاح عمر العلي منظر حزب البعث في جلسة جمعتا صدفة برفة بعض الاصدقاء في احدى مقاهي بيروت، فقد سالته كيف يثق الشيوعيون ب(س) من الناس ويضعون بيده مقدرات الحزب وهم يعلمون وضاعته وسفالته وبينهم عقول العراق ومفكريها؟، ضحك السيد صلاح عمر العلي وقال: وكيف وثقنا نحن بصدام حسين حتى وصلنا لما نحن عليه الان، وقال ايضا العمل الحزبي مبني على الثقة، ان تثق بفلان وتعمل بصدق وهو في المقابل يحفر لك الحفر لتسقط وتنتهي، هذه خلاصة كتاب الشابندر رحلة الفكر والخيانة وغدر رفاق الطريق وهي خسارة لاصحابها ولم يكن غالب الشابندر متناقضا مع نفسه في كتابه هذا بل التناقض في طلبات الاخرين منه بالتخلي عن الاسلام السياسي... ومن شاء ان يصنع مشروعا فليقم به بنفسه ولا ينتظره من غالب الشابندر.
د. لقاء موسى الساعدي
....................
1 – ينظر مقال فلسفة الدين: رؤية موجزة لمفهومها واتجاهاتها ومباحثها، د. عبد الجبار الرفاعي، موقع مؤمنون بلا حدود...