قراءة في كتاب

نبيل الربيعي: قراءة في كتاب د. جواد بشارة (الكون أصله ومصيره.. نظرات بين العلم والاعتقاد والخرافة)

للكون مفهوم واسع ومعقد، وما نعرفه هو المكان والزمان الموجودين في الفضاء الخارجي والقابلين للمراقبة والرصد والمشاهدة والخاضعين للقياس ولقوانين طبيعية وفيزيائية جوهرية، دون أن يكون فيه عناصر مطلقة، وهو ذلك الجزء المرئي والملموس والمكون من مجموعة من الأكداس والحشود من المجرات الصغيرة والكبيرة، القريبة والبعيدة جداً، والتي تعد بالمليارات، وفي كل مجرة هناك مليارات النجوم والكواكب وغيرها من الأجرام والغازات والأغبرة الكونية. وجاءت نظريات الفيزياء الحديثة لتقدم أجوبة تقريبية ونسبية ونظرية للبت في أصل الكون وعمره ومصيره منذ بدايات القرن العشرين؛ أشهرها نظرية النسبية لآينشتين وما تلاها. وحدثت انعطافه تاريخية سنة 1929م عندما اكتشف العالم إدوين هيوبل Edwin Hubble ظاهرة توسع وتمدد الكون مما يعني أن محتويات الكون كانت قريبة لبعضها البعض في الماضي السحيق الذي يعود إلى 10 أو 20 مليار سنة وكانت كثافة الكون لامحدودة الأمر الذي أعاد موضوع عمر الكون وولادته إلى طاولة البحث العلمي البحت. ومن هنا برز مفهوم أو مصطلح الانفجار العظيم"Big Bang"، عندما كان الكون لامتناهي في صغره ولامتناهي في كثافته.

في كتاب الدكتور جواد بشارة (الكون اصله ومصيره.. نظرات بين العلم والاعتقاد والخرافة) الصادر عن المتحدة للطباعة والنشر في ابو ظبي، الطبعة الأولى 2023، يسلط الضوء على أكثر من (35) سؤال حول الكون، والكتاب تضمن الكتاب (336) صفحة من الحجم الوزيري مع توطئة ومقدمة معتمداً على أكثر من (100) مصدر اجنبي. لكن من المؤاخذات على الكتاب أن المؤلف لم يذكر في هامش الصفحات المصادر العلمية التي استند عليها وفق كل معلومة ليتسنى للقارئ مراجعتها، ولكن جمع المصادر كلها في نهاية الكتاب.

يسلط الدكتور بشارة الضوء في مقدمة الكتاب على الأسباب التي دعته للاهتمام بدراسة الكون؛ اصله ومصيره وفق النظريات العلمية، ووفق النظريات الفيزيائية الحديثة، ليقدم لنا أجوبة تقريبية ونسبية ونظرية للبت في أصل الكون وعمره ومصيره. ذاكراً في ص5 الأسباب التي دعته للاهتمام والولع بمواضيع الكون وعلم الفلك والفيزياء الفلكية والفيزياء النظرية من خلال اطلاعه على كتابين هما (الكون الأحدب، ونقد الفكر الديني للدكتور السوري صادق جلال العظم)، الكتابان قلبا المفاهيم في رأس بشارة آنذاك. ويعقب في ص6 قائلاً: (وبعد أن تبلورت في ذهني بدايات لأجوبة أكثر اقناعاً وعلمية من الاجابات الميثولوجية والثيولوجية الجاهزة والمسلم بها والتي لا يحق لأحد مناقشتها أو الشك بحقيقتها، وأدركت أن للأرض والبشر الذين يعيشون فوقها إله لا يعرفون كنهه وماهيته هو السبب في وجودهم وهو الذي خلقهم أو بالأحرى صنعهم على صورته لأنه يشبه البشر، والذي يسميه اليهود يهوه والمسيحيون رب الكون الأعلى أو ذو الأقانيم الثلاثة ويسميه المسلمون الله، وتارة تسميه التوراة الإيلوهيم؛ هم فريق من العلماء من خارج مجموعتنا الشمسية ولكن من داخل مجرتنا درب التبانة بلغو مستوى هائلاً من التقدم العلمي يسبقنا بستين مليون سنة ويسيطرون تماماً على علم البيولوجيا والاستنساخ والهندسة الوراثية والتلاعب بالحامض النووي DNA. هبطوا على الأرض بمركباتهم الفضائية وأقاموا تجاربهم في مختبر بحجم الكوكب والتي جعلت كوكب الأرض قابل للحياة التي زرعوها فيه وهم الذين أسميناهم الملائكة ومعهم آخرون من أبناء جنسهم عارضوا تجاربهم وعرفوا عندنا باسم الشياطين، وهؤلاء بدورهم مخلوقين على أيدي أقوام ذكية ومتطورة أكثر منهم ما زالوا يبحثون عنهم ويرغبون بلقائهم). من خلال هذا السرد ينقلنا الدكتور بشارة إلى اسئلة واستفسارات كثيرة كانت جميعها خفية علينا، وقد سلط الضوء عليها من خلال كتابه هذا، فهو كتاب غزير بالمعلومات العلمية بسطها الكاتب للقراء كي ينقل الصورة العلمية لهم دون استخدام المعادلات العلمية والرياضية التي تعقد الموضوع، ومن غير الممكن أن انقل للقارئ الكريم خلال صفحات معدودة ما يتضمنه الكتاب، ولكن بكل الأحوال سأستعرض بعض المعلومات العلمية والمهمة.

في ص11 يطرح الكاتب تساؤل (هل يمكن مصالحة العلم مع الدين؟ وهل يمكن التوفيق بين الإيمان بالغيب والعقلانية المادية؟). وكانت الإجابة تقول (من حيث المبدأ والمنهج والفهم والاستدلال والتجربة الحسية والمادية الملموسة والمختبرية، يرفض العلم أي تفسير للعالم والوجود باللجوء إلى قوة غيبية ماورائية وميتافيزيقية لا يمكنه إثبات وجودها علماً). في حين كانت منذ قرون الغلبة للأديان السماوية على العلم، مقدمة للإنسان حقيقة لا تقبل المناقشة أو الدحض أو النقد، أما اليوم أصبح العلم قوياً، فتقهقرت اساطير الأديان وطغى التفكير العلمي والانجازات العلمية منذ غزو الفضاء وتقديم المنجزات العلمية حول اصل الكون والأكوان، وكان لدور اسحق نيوتن الذي رسخ فكرة كروية الأرض تدريجياً في اوساط البروتستانت ثم تبناها بعض الكاثوليك مثل ديكارت وباسكال ومن ثم العلماء الموهوبين ايدوا كروية الأرض.

ويرى الدكتور بشارة أن العقل (ملكة التفكير الموجود في الدماغ البشري، وهي القادرة على الإدراك والاستدراك، والفهم والاجابة، التحليل واتخاذ القرار) ص21. فضلاً عن أن العقل البشري كان يبحث عن حلول لألغاز الموت والظواهر الطبيعية فنسج القصص والأساطير أبان الانسان النايتردال، وقد استندت إليها جميع الأديان السماوية والأرضية ومنحتها القوة والتأثير على عقول البشر منذ آدم وليومنا هذا. كما يرى بشارة أن (الحياة بكل اشكالها وألوانها وتنوعها هي من صنع كائنات بشرية لكنها لا أرضية، أو تشبه البشر وأقدم منا بـ 60 مليون سنة، ومتقدمة علينا بملايين السنين، تعيش في كوكب بعيد جداً، الحياة فيه تشبه إلى حدٍ بعيد الحياة في الجنَّة التي وصفتها الكتب السماوية المقدسة. جاءوا إلى الأرض في بعثات استكشافية عدة مرات، ويمتلكون تكنلوجيا مذهلة تجعلهم بمثابة الآلهة في نظر البشر، ولديهم قدرات لا محدودة، متمكنين إلى حد الكمال من تقنية الاستنساخ البشري الفوري وتقنية الحامض النووي الـ DNA أي الجينات الوراثية والهندسة الوراثية، ويجوبون ارجاء الكون بسفن فضائية متطورة جداً لا يتصورها البشر، تطوي المسافات التي تحتاج لملايين السنين الضوئية، وبرمشة عين... وتسمى تلك الكائنات الإيلوهيم.. بيد أن هناك حضارات وكائنات كونية أخرى زارت الأرض واجرت اتصالات مع بني البشر، كالأوميين  Les Ummites وساعدتهم على تطوير انفسهم وتعليمهم تدريجياً أسرار التكنولوجيا الحديثة) ص24-25.

لذلك ومن خلال هذه الكائنات الفضائية أجد بعض العلماء مدينون لهم بما انجزوا من تطور تقني وعلمي منذ أربعينيات القرن الماضي، وبفضلهم نجحوا في التكنولوجيا الحديثة وكشق شيفرة الـ DNA . لذلك نجد الدكتور بشارة يطرح تساؤلاً (هل سيتحكم العلم بمستقبل البشرية في القرن الحالي وما بعده؟) ص26. لأن العلم في حالة تقدم وتحقيق انجازات ولا وجود لحدود تقدمه وانجازاته العلمية، ويعمل العلماء اليوم على صياغة النظرية الكونية الشاملة بعد التوصل إلى سر المادة والفراغ الكوني والمادة السوداء والطاقة المعتمة التي تملأ الكون ومعرفة سر الحياة والتمكن من خلقها في المختبر، وكشف سر النفس أو الروح. وبالفعل تم فك بعض العلماء أسرار شيفرة الجينوم البشري في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، مما سيعبد الطريق أمام الطب ونسخ الحياة واطالتها بوسائل العلم والتكنولوجيا.

ومن الأسئلة المحيرة للإنسان التي يطرحها بشاره في كتابه وهي (هل نحن وحيدون في هذا الكون؟)، علماً أني سمعت له قبل ستة اعوام من خلال محاضرة في دار الود للثقافة والفنون في بابل حول الكائنات الفضائية، وبدأت البحث والقراءة والاستقصاء، ومن خلال لقاء مع الدكتور بشارة مطلع هذا الشهر حول التخاطر أو التواصل مع كائنات فضائية في كوكب مما أكد لي ذلك، كما تطرق في حديثه بأن بعض العلماء حصلوا على معلومات تقنية متطورة من خلال التخاطر مع الكائنات الفضائية، ففي ص32-33 من كتابه يذكر بشارة قائلاً: (في شهر ديسمبر 1973م ادعى صحافي فرنسي مغمور آنذاك اسمه كلود فوريلون الذي كان حينها في السادسة والعشرين من عمره، أنه شاهد مركبة فضائية "طبق طائر" تهبط قرب بركان في وسط فرنسا وهبط منها اشخاص قدموا من كوكب آخر أخبروه أنهم الإيلوهيم، أي القادمين من السماء، الذين ورد اسمهم في التوراة. وقال الشاب الذي أطلق على نفسه اسم "رائيل" أنه كلف من قبلهم بمهمة تأسيس "سفارة" على الأرض لاستقبالهم بصورة رسمية عندما تحين الفرصة التي سيقررونها هم في وقت لاحق لكي يلتقي البشر بكائنات من كوكب آخر. وأدعى فوريلون أنهُ نبي جديد قام بمرافقة الإيلوهيم برحلات إلى كوكبهم في مركبتهم الفضائية وشاهد بنفسه هناك طبيعة الحياة وتنظيم المجتمع ألتقى بالأنبياء الذين عرفتهم البشرية عبر تاريخها كموسى والمسيح ومحمد الذين تم استنساخهم انطلاقاً من الحامض النووي لكل منهم). والسؤال الذي اطرحه على الدكتور بشارة؛ إذا كانت هناك حضارة كونية متقدمة تكنلوجياً وعلمياً فأين هي؟ ولماذا لم تظهر؟ ولم نحصل على دليل علمي أو شخصي لوجودها؟ مع العلم أنا متيقن من وجودها، لكن لماذا لم تظهر لحد الآن بشلٍ واضح؟

في ص35 يطرح الدكتور بشارة سؤال ضروري ومهم، وهو؛ متى يستيقظ الإنسان من خرافة الكون الواحد المحدود؟ هل نحن وحدنا في هذا الكون الشاسع؟ ويجيب بنفس الصفحة قائلاً: (هناك اطروحة تبناها عدد كبير من العلماء المرموقين في العالم تتحدث عن اتصالات مع كائنات لا أرضية جاءت إلى الأرض من عمق الكون من مسافات بعيدة جداً وهي أقدم منا عمراً وأكثر تطوراً وتقدماً بكثير من الناحية التكنولوجية والعلمية، ومن بين هؤلاء أقوام يسمون أنفسهم بالأوميين Les Ummites؛ يقولون إنهم وصلوا كوكب الأرض لأول مرة في آذار 1950م في منطقة دين DIGNE في أعقاب تلقيهم بالصدفة لرسالة قادمة من الأرض أرسلتها سفينة نرويجية قبل ستة عشر عاماً من ذلك التاريخ. وقد جلبت ثلاث سفن فضائية أومية فريقاً استكشافياً من علماء كوكب أومو UMMO الذي يبعد عن الأرض مسافة 14,6 سنة ضوئية، أي ما يقطعه الضوء بسرعة 3,000,000 كلم في الثانية الواحدة لمدة 14,6 سنة). ثم يتطرق في ص36-40 إلى من تسلم رسائل من الأوميين قائلاً: (أول من تسلم مجموعة رسائل من الأوميين هو الإسباني فريناندوا سيسما وهو ناشط في جمعية روحانية كان سبق أن نشر كتاباً ادعى فيه أنه على اتصال بكائنات سماوية أو كونية أخرى "غير الأوميين". ومن ثم تلقى آخرون رسائل أخرى منهم 34 اسبانياً وعدد من الفرنسيين المعروفين، وكذلك ألمان وأمريكيين وبريطانيين وروس وغيرهم. واستمر تدفق الرسائل والاتصالات عبر هذه الطريقة مع أهل الأرض المختارين بعناية ودقة شديدة لغاية سنة 1994م، وانقطعت لعقد من الزمن ثم عادت من جديد في السنوات القليلة الماضية... لغة الأوميين المنطوقة أو المتكلمة والمكتوبة ذات طبيعيتين تخاطرية وصوتية، مستقلتين ومتميزتين عن بعضهما البعض... وقد تدخلوا "يقصد الأوميين" بوسائلهم الخفية والناجعة عدة مرات لمنع حدوث هذه النهاية النووية الكارثية "يقصد في الأرض"... ومعتقداتهم الدينية والروحانية تستند إلى معطيات ودلائل علمية ولا تحتوي على طقوس وشعار قروسطية أو بدائية أو خرافية... واعطى الأوميون اسم "نظرية الحقل الموحد" لتصورهم لمجموعة الأكوان التي يعرفونها بوسائلهم العلمية المتقدمة جداً... والكون الذي يتحدث عنه الأوميون يوجد في فضاء متعدد الأبعاد ويحتوي على عدد من التحدبات والانحناءات والكتل التي لا علاقة لها بفضاء ثلاثي الأبعاد أو بالمكان الإقليدي.. وكون الأوميين.. كون متعدد الأبعاد حسب النظرية النسبية ونظرية الكم أو الكوانتا... وتجدر الإشارة إلى أن العالم الروسي أندرية زاخاروف كان قد قدم نظرية عن الكون المتوازي وحصل على جائزة نوبل بفضلها ونسبها لنفسه ولم يتجرأ في الكشف عن مصدر معلوماته العلمية، والتي هي في الحقيقة كانت موجودة في رسائل تسلمها زاخاروف من الأوميين وفيها تفاصيل مستفيضة عن مفهوم الأكوان المتوازية، أو الأكوان المتوائمة أو تعدد الأكوان... يعتقد الأوميون بعدد لا متناهي من الأكوان المتنوعة، المختلفة والمتشابهة أو المتوائمة). وقد نقلنا الدكتور بشارة عبر صفحاته هذه حول الأوميين بسياحة علمية ممتعة مما ساهمت في التعمق في الاطلاع والتوسع في هذا المجال، فضلاً عن تفسير الأوميين للروح في ص42 وموقع الروح أو الوعي ونظرتهم للكون والله في ص43، وتفسيرهم للتطور الوراثي في ص44.

وقد سطَّر الدكتور في كتابه الكثير من الأسئلة والأجوبة التي لا نعرفها وغير مطلعين عليها، وبعضها تدور في عقولنا، منها: قصة الوجود الافتراضية كما يرويها العلم، الكون بين الخرافة العلمية والخرافية الدينية، المادة المفقودة في الكون، الكون الغامض، مؤشرات المستقبل نحو حضارة كونية، هل سيكتشف العلم الحديث سر الكون؟، عناق المجرات، هل سيعثر العلماء يوماً على المادة المضادة؟، شهود اللحظات الأولى للوجود، هل سنتصل يوماً بالعوالم الأخرى في الكون، كيف ولماذا، وماذا يعني ذلك؟، الكون وابعاده اللامتناهية، الإنسان بين إله العلم إله الدين والخوف من المجهول. والكثير من الأسئلة سيجد لها القارئ الكريم الإجابة في كتاب الدكتور بشارة (الكون أصله ومصيره.. نظرات بين العلم والاعتقاد والخرافة).

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

في المثقف اليوم