قراءة في كتاب

شعراء من العراق للهلالي

1226 poemعن دار الكتب العلمية في بغداد صدر حديثا للأديب والمؤلف العراقي الراحل عبد الحميد الهلالي كتاب (شعراء من العراق) بمراجعة كريمته عالية عبد الرزاق الهلالي، وإشراف ومتابعة الكاتب والصحفي عاصم جهاد، وبطبعة أنيقة يستحقها مثل هذا الكتاب القيم .

ابتدأت صفحات الكتاب بمقدمة ضافية بقلم المؤلف جاء فيها أنه نشر (تحت هذا العنوان أبحاث هذا الكتاب على صفحات مجلتي (الأديب) البيروتية و(الثقافة) القاهرية في فترات متفاوتة)، وقد دفعه لدراسة هؤلاء الشعراء خمسة دوافع، هي : الرغبة في الكشف عن كثير من صفحات هؤلاء الشعراء، وتعريف القراء بهم داخل العراق وخارجه، وإماطة اللثام عن بعض الوقائع والحقائق الخافية عن بعض الدارسين، وتسهيل مهمة الراغبين في دراسة حياة هؤلاء الشعراء وشعرهم، وتقديم نماذج منتقاة من شعر كل واحد منهم .

تضمن الكتاب سيرا مفصلة لأربعة عشر شاعراً عراقيا، وهم :

1.الحاج محمد حسن كبه (1852- 1918م)

2.أحمد عزت باشا الفاروقي (1828- 1892م)

3.المفتي السيد محمد حبيب العبيدي (1878- 1963م)

4.الحاج عبد الحسين الأزري (1880- 1954م)

5.سعد صالح (1895- 1949م)

6.عبد الرحمن البناء الشاعر الاستقلالي (1881- 1955م)

7.السيد محمد الباقر الحلي (1894- 1971م)

8.أكرم أحمد شاعر الشباب (1906- 1968م)

9.محمد ناجي القشطيني (1892- 1972م)

10.الشيخ محمد مهدي البصير (1895- 1974م)

11.الشيخ علي الشرقي (1890- 1964م)

12.عبد المحسن الكاظمي شاعر الارتجال (1865- 1935م)

13.الشيخ محمد جواد الشبيبي أبو الشعراء (1862- 1944م)

14.خالد الشواف والمسرحية الشعرية (1924- 2012م)

وقد اعتمد المؤلف منهجا شائقا وواضحا في استعراض سير هؤلاء الشعراء يتلخص في تقديم موجز، وتعريف بأسرة الشاعر ونسبها، وبعدها إلى سيرته منذ ولادته ودراسته، ومراحل حياته المتعاقبة، ومؤلفاته قبل الانتقال إلى شعره، واختيار نماذج منتقاة من قصائده، والتوقف عند بعض المنعطفات المهمة في حياته وشعره، وما قيل عنهما من معاصريهم، ولا ينسى علاقاته مع معاصريه من الأدباء والشعراء، وما بينهما من أخوانيات .

ابتدأت فصول الكتاب بالشاعر الحاج محمد حسن كبه، فتحدث المؤلف عن أسرته العربية المعروفة في بغداد (آل كبّه)، والمتصل نسبها بقبيلة ربيعة، وقال إنهم أهل تجارة وعلم وفضل وأدب، وانتقل إلى  تفاصيل حياة الشاعر التي بدأت في الكاظمية ورحلته للحج، وهجرته إلى النجف طلبا للعلم ورغبة في التبحر بعلوم الدين بعد أن وجد مكانه غريبا في العمل التجاري فلم يطق البقاء فيه، ولحق بعد ذلك بالعلامة الميرزا محمد حسن الشيرازي في سامراء ولازمه فيها، وانتقل إلى ملازمة الشيخ محمد تقي الشيرازي بعد وفاته، ويرى أن حياة هذا الشاعر توزعت على صفحتين هما المرحلة الأدبية والمرحلة الدينية .

وتوقف للحديث عن أدبه، وما ترك من قصائد غراء، واختار نماذج من شعره الذي كان السيد حيدر الحلي قد جمع منه الكثير في كتابه النفيس  (العقد المفصل)، ومما اختار قصيدة غزلية نسبت خطأ للسيد محمد سعيد الحبوبي وظهرت في ديوانه المطبوع قبل أن ينتبه لها المعنيون، ومنها :

ما لقلبي تهزه الأشواق    خبرينا أهكذا العشاق ؟

كل يوم لنا فؤاد مذاب     ودموع على الطلول تراق

عجبا كيف تدعي الورق وجدي     ولدمعي بجيدها أطواق

فارحمي يا أميم لوعة صب     شفه يوم ذي الأثيل الفراق

كاد يقضي من الصبابة لولا    أن تحاماه في الوداع العناق

ومما قاله الشاعر متبرما بزمانه :

تتبعت آثار الزمان فلم أجد      هناك إلا الغادر المتلونا

فما لك إلا أن تسيء، فإنما     تسيء إليك الناس ما دمت محسنا

وتوقف المؤلف عند صلاته الأدبية ومطارحاته الأخوانية مع اثنين من أكبر شعراء عصره، وهما السيد محمد سعيد الحبوبي، والسيد حيدر الحلي، وينقل ما تبادل وأياهما من الشعر الجميل .

وبمثل ذلك تحدث عن الشاعر الثاني في الكتاب أحمد عزت باشا الفاروقي (1828- 1892م)، المولود في الموصل، وهو من الأسرة العمرية التي ينتهي نسبها إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رض)، وأمه من السادة الأعرجية المشهورين في الموصل، وكان قد طلبه عمه الشاعر الكبير عبد الباقي العمري، فقدم إلى بغداد عند بلوغه العاشرة من عمره للإقامة تحت رعايته، فبقي قرابة ستة أشهر، أفاد خلالها فائدة كبرى في درس (شرح ألفية ابن مالك)، وعاد إلى مسقط رأسه، واستدعاه عمه ثانية سنة 1845م، فأكمل دراسة فنون الشعر والأدب على يده، وقرأ (شرح الشمسية) و(ابن عقيل) على علامة عصره أبي الثناء الآلوسي، واتقن اللغة الفارسية على يد الشيخ طه السنندجي، وكانت له سفرة إلى استانبول وقونية، وشغل مناصب عالية .

ومن شعره مجيبا أستاذه أبا الثناء الآلوسي :

ما بين قلبي وبرق المنحنى سبب    هذا وذياك خفاق ومضطرب

شتان ما بين خفاق بلا سبب          ليلا وما بين خفاق له سبب

ما لاح برقك يا برق الحمى سحرا   إلا وحن إلى مغناه مغترب

وذكر موشحين جميلين له، جاء في مطلع الأول منهما قوله :

عنبر الليل وكافور الصباح      أشغلاني باغتباق واصطباح

يا نديمي قم فقد هب النسيم      وبدا من عرفه مسك الشميم

وانبرت في الكأس نيران الكليم

وهكذا يمضي المؤلف في بقية كتابه، بمعلوماته الغزيرة وأسلوبه الماتع، ويمكن اعتبار هذا الكتاب ضمن مجموعة خيرة الكتب التي تناولت سير الشعراء العراقيين في القرن الماضي، ككتب الدكتور يوسف عز الدين ومير بصري وغازي عبد الحميد الكنين وأمثالهم .

ومن الجدير بالذكر أن المؤلف عبد الرزاق الهلالي ولد في البصرة سنة 1916م، وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها، وتخرج في دار المعلمين سنة 1936م، وعمل في التعليم، ثم واصل دراسته، فتخرج في دار المعلمين العالية سنة 1941م، وشغل مناصب عدة، منها معاون رئيس التشريفات الملكية، وآخرها المدير العام للمصرف الزراعي سنة 1965م، وأحيل على التقاعد سنة 1969م، وهو مؤلف معروف ورصين، وقد طبع له 29 كتابا، من أهمها معجم العراق بجزأين، وتاريخ التعليم في العراق بثلاثة أجزاء، وتوفي – رحمه الله – سنة 1985م، وقد كتب عنه الكثيرون ومازالت مؤلفاته القيمة تحظى باهتمام الأدباء والمثقفين .

بقي أن نقول إن هذا الكتاب (شعراء من العراق) قد طبع بتمويل مشكور من وزارة النفط العراقية التي رأت أن مسؤوليتها لا تقتصر على الحفاظ على الثروة النفطية الوطنية بل واهتمامها بالثقافة بشكل أكبر وأكثر لأنها الثروة الحقيقية التي لا تنضب .

 

جواد عبد الكاظم محسن

 

 

في المثقف اليوم