قراءة في كتاب

أزمة كتاب "أزمة التنوير العراقي" (3)

علي المرهجعلي حاكم والتوظيف المعرفي للأيديولوجيا: صدر للدكتور علي حاكم كتاب (المُجتمع اللا اجتماعي: دراسة في أدب فؤاد التكرلي، وقد صدر له أيضاً كتابه (الأيديولوجيا وتمثيلاتها الفلسفية في الفكر العراقي الحديث) كنتاج أصيل له، وهذا الكتاب في الأصل هو أطروحته للدكتواره التي تناول فيها علاقة الفلسفة بالأيديولوجيا، وأهم ما تضمنته هذه الأيديولوجيا من أطروحات وتصورات تتعلق بالدولة والأمة والتنظيم الاجتماعي والتربوي للفرد العراقي في ظل هيمنة الحُكم العسكري الذي تمكن من توظيف الأكاديميين والسياسيين وتحويلهم لأدوات ناطقة بإسم السلطة وتوجهاتها العقائدية وتدعيم النظرية القومية وإسنادها برؤى مُستقاة من التراث ومُتفاعلة مع تحولات الحداثة عبر تأصيل العلاقة وتجذيرها بين الدين والإشتراكية.

كتب علي حاكم دراسة عن أدب فؤاد التكرلي بعنوان "المجتمع اللااجتماعي: دراسة في أدب فؤاد التكرلي"، أكد فيه على القول أن "السلطة كل سلطة على الإطلاق، نتاج المجتمع نفسه. إن أخلاق السلطة ليست طارئة ولا مُستوردة، هي (نتاج) المُجتمع نفسه "ولا أروم الخوض في تحليل علي حاكم لنتاج التكرلي الأدبي بكل ما فيه من نقد ووعي لبنية المجتمع العراقي وتأثير قراءته لكتابات علي الوردي وتفهمه لفكرته عن "التناشز الجتماعي".

ظل فلاح رحيم مشغولاً بشرح رؤية علي حاكم لعوالم فؤاد التكرلي في روايتيه (خاتم الرمل) و(الرجع البعيد)، وغياب سؤال "العدالة الاجتماعية" في كتابة التكرلي، ليحضر عنده السؤال عن "مُعضلة المثقف الوجودي المشغول بسؤال الكينونة" (ص228).

 حاول علي حاكم في كتابه "الأيديولوجيا وتمثلاتها الفلسفية في الفكر العراقي الحديث" الذي بيَنت بعض من مُنطلقاته فيما سبق، جعل الأيديولوجيا في خدمة الفلسفة، أو جعل ماهو معرفي يعيش على، أو في ظل رؤانا الأيديولوجية عبر فهمه للفلسفة بوصفها نتاج تجريدي (مفاهيمي) للمُتغير الاجتماعي الذي هو هدف الأيدولوجيا ومسعاها في التفسير والتغيير، وكأنه يُعيد إنتاج مقولة ماركس أن مهمة الفلسفة التغيير لا التفسير، ومحو نقودات الماركسيين للأيديولوجيا وتجاهلها بوصفها "وعي زائف"، "لأن الفلسفة جزء من التاريخ" (ص233)، ولا وجود لفلسفة نظرية بحتة، و"أن تاريخ كل اجتماع بشري له مُشكلاته الخاصة، التي تُميزه عن غيره،...وأحسب أن الفلسفة في العراق،...، هي أولاً وقبل كل شيء آخر تمثيل آيدجيولوجي لحركة المُجتمع الذي ولدت فيه وشكل من أشكال الصراع السياسي" (ص27، علي حاكم: الأيديولوجيا وتمثلاته الفلسفية في الفكر العراقي الحديث)، ولا أبحث لعلي حاكم عن عذر، في تصوره لتمثلات الايديولوجيا في الفكر العراقي الحديث على أنها فلسفة، فالفلسفة، ليست كما يروم تفسيرها لنا على أنها تخص مجتمع بعينه، لأن هذا الفهم يخص الأيديولوجيا، وإلَا ما هي علاقة مقولة ديكارت "أنا أفكر، إذن أنا موجود" بتمثلاتها في المجتمع الفرنسي؟، وما علاقة نقد العقل المحض لكانت بتمثلاته في المجتمع الألماني؟، وما علاقة مفهوم "إرادة القوة" عند نيتشه بصيرورة التحول في المجتمع الألماني؟، وإن كان للفلسفة وظيفة اجتماعية كما يقول علي حاكم فوظيفتها هذه وظيفة كونية، وإن كان فيها بعض من تمثلاتها الفردية أو الوطنية، لكن ما يميز الخطاب الفلسفي بعامة هو صفته الكونية أو العالمية الذي يُخاطب الإنسان بعامة لا يُخاطب جماعة في حدود جغرافية مُحددة.

لا أنكر وجود صلة ما للفلسفة والفلاسفة ببيئتهم الثقافية، ولكنه عرض وليس جوهر، لأن جوهر السؤال الفلسفي وقيمته وحضوره المستمر إنما يكون ويستمر بوصفه سؤال كوني، لا تختص به جماعة ما ولا مُجتمع مُحدد. فمن هنا كان للفلسفة حضورها وفاعليتها الكونية وانتشارها، ومن هنا كان للأيديولوجيا حضورها المُحدد المُقيد في فكر جماعة مُعينة لتحقيق مصلحة ما!. وحينما تكون الفلسفة أداة لتحقيق برنامج مُخطط له، ستتحول إلى عقيدة مُنغلقة أو مُنحازة، ولا يكون للفلسفة كوَن في عوالم الانحياز، ولن يكون لها تأثير أو حضور في عالم التعددية الفكرية الذي هو من فضاء وجودها وتقبلنا العقلاني لها، في حال بقائنا أسارى خطاب الأيديولوجيا المُقيَد، وأتفق مع فلاح رحيم في نقده لعلي حاكم وسعيه غير الناجز لردم الهوة و "سد الفجوة الحتمية بين الفكر والمُجتمع" (ص234)، فالفكر فضاء مفتوح حُر، والمجتمع لا فضاء له سوى محدودية الواقع ومحاولة الكشف عن أسباب مُتغيراته، مما يختص به عالم الاجتماع وعالم النفس.

لم يكن فلاح رحيم مادحاً لرؤى علي حاكم وانحيازه للدفاع عن الأيديولوجيا ونقد الفلسفة، ولن أخوض في تفصيلات علي حاكم ونقد فلاح رحيم لتحليل علي حاكم "الارتدادي"، أي الإنطلاق من الجُزئيات إلى الكُليات، أو (التعميم) في قراءته للفلسفة الماركسية ومُتبنياتها الأيديولوجية عند حُسام الآلوسي وفالح عبدالجار ونوري جعفر وهادي العلوي، ومن ثم نقده لكل الأيديولوجيات الحاكمة والمُعارضة في العراق (قومية، شيوعية، إسلامية) التي جعلت من يوتوبيا الحل (الشمولي) كامنة في الإيمان بالزعيم (المُخلص) = (البطل).

للخلاص من هيمنة الأيديولوجيات الشمولية، نجد علي حاكم يضع بديلاً للخلاص منها هو أيديولوجيا بديلة هي "الوطنية العراقية"، وهي أيديولوجيا مُناضرة لليوتوبيا التي نقدها علي حاكم، فهي من فضاء الحُلم في عراقنا المُعاصر المليء بالصراعات المذهبية والعرقية والأثنية.

عبدالجبار الرفاعي داخل التنوير/ خارج التنوير

مع عبد الجبار الرفاعي، أنموذج فلاح رحيم الأخير في كتابه "أزمة التنوير" نجد مُعالجة ونقد مُغاير، لربما لطبيعة الموضوعات التي إشتغل عليها الرفاعي، فهو من المُشتغلين في منطقة الفكر الإسلامي ممن ينطبق عليهم صفة أو سمة "التجديد" ومن الذين يُمكن لنا ادراجهم من ضمن تيار جديد في الفكر الإسلامي المعاصر تمتد جذوره لمحمد إقبال صاحب كتاب "تجديد الفكر الديني"، وهو من الذين يُفكرون ويُنظرون داخل الفضاء الحُر الذي أتاحه قول الإمام علي (ع) "أن القرآن حمَال أوجه" أو هو، أي القرآن "كلام مسطور بين دفتي كتاب يوؤله الرجال"، فهو لا يندرج ضمن تيار التنوير، لأن في تيار التنوير نزوع نحو نقد أو التشكيك بمصداقية النص المُقدس، لأن الرفاعي مُنتم، يجد في الدين ارواء لظمأه في الوجود، يُدافع عن مُتبنياته في التدين عبر التعقل والحجاج تارة، وعبر الإيمان الفطري (القلبي) = (الروحي) تارة أخرى، فهو من أساتذة الحوزة في قُم، ومن الدارسين والعارفين بأصول الفقه والتفسير، وكان ولا زال من العاشقين لتفسير الميزان للطباطبائي للقرآن الكريم، ومن الذين يؤمنون بالتفسير الموضوعي للسور والآيات القرآنية، واستنطاق بعضها ومُقارنتها بأخرى حسب مُقتضيات الربط من جهة الموضوع وأسباب النزول، وتفسير القرآن بالقرآن.

تأثر الرفاعي بكتابات سيد قُطب لا سيما كتابه "معالم في الطريق" ومن ثم تأثر برؤى السيد محمد باقر الصدر في بداياته، وقد كانت رسلته للماجستير بعنوان "منهج الشهيد الصدر في تجديد الفكر الإسلامي"، والدكتوراه كانت عن "الدرس الفلسفي في حوزة النجف"، لينتقل بعدها للتأثر برؤى علي شريعتي، ونزعته الثورية للخلاص من مُهيمنات السلطة السياسية ومهيمنات المؤسسة الدينية الرسمية (الحوزة)، ولكنه لم يطق البقاء في دائرة شريعتي التي يحار بها القارئ ليُصنفها بين الميل للخروج من سطوة التراث تارة والنزوع نحو نزعة ليبرالية مُستحدثة، وبين تقييده للتراث بتوجه "راديكالي"، بخلطة هجينة مُستقاة من تراث غنوصي مخلوط بنهج معاصر، وبين هذه وتلك وجد في نتاجات بعض من أوحوا لعلي شريعتي في الانفتاح في الرؤية من العرفانيين من أمثال (جلال الدين الرومي) و (ابن عربي) فُسحة للأنسنة، فحط راحلته بعد ذلك في رحاب هذا الفكر المُنفتح إنسانياً ليستلهم بعض من رؤى كثير من المُفكرين الإيرانيين الذين تمكنوا بجدارة فائقة من ايجاد طريقة لهم ومنهجاً في التأويل يعتمد على مناهج التأويل الصوفي بإرثه الصوفي وعلى مناهج التأويل الغربي بأرثه التأويلي لا سيما عند الفلاسفة التأويلين الأمان وجذورها عند الفلاسفة الوجوديين من أمثال (هيدغر) و (كيركجورد).

كان لجهد المُجددين الإيرانيين مثل: عبدالكريم سروش، ومصطفى ملكيان، ومحمد مُجتهد شبستري، وداريوش شايغان، أثره البيَن في كتابات الرفاعي بعد أن غادر منطقة التفسير الفقهي للدين، وبعد تعمق وقراءة مُعمقة لكتابات هؤلاء، كتب لنا كتاب "مُقدمة في السؤال اللاهوتي"، وأردفه بكتاب "إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين"، ومن ثم كان كتابه الأخير"الدين والظمأ الأنطولوجي"، ليجعلنا بين المطرقة والسندان، بين القبول بالدين بوصفه حاجة غريزية وفق قول الوردي "إن النفس البشرية تهوى التدين، فإن لم تجد لها ديناً في السماء أوجدته في الأرض"، ليعرض لنا مقدار صدق تدين أمهاتنا على فطرتهن، لينتقل بنا لـ "تدين عقلاني" موافقاً لرؤية ملكيان في كتابه في العنوان ذاته، الذي ترجمه الرفاعي بمعية حيدر نجف الصادر عن مركزه، مركز دراسات فلسفة الدين، ومن سمات التدين العقلاني، سمة النقد والممارسة النقدية، وطلب الحقيقة دون إحتكارها، ومن سمات التدين العقلاني أنه "فلسفة حياة" تتعدد فيها الرؤية والمُعتقد بحسب الهدف الديني الأنسني بمعناه الأسمى، بوصفه تنوع في إختيار السُبل إلى الله، ( (مصطفى ملكيان: التدين العقلاني، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، ط1، ص6ـ 9)، ليجمع بين العقلانية والتصوف، فمرة نجده يعيش "الظمأ الأنطولوجي" للدين باتباع سُبل الصوفية، والنزعة الوجودية المؤمنة التي بلورها سورين كيركيجارد، وأخرى نجده يتبع الدفاع عن العقلانية وبنيتها الاستدلالية التي تُنمي الوعي البشري وتُحصن العقل الإنساني من الوقوع في الزلل. ستجده مُنحازاً لملكيان في دمجه للـ "العقلانية والمعنوية" معاً، وربط الحداثة بالدين، أو العكس، وهي التسمية الأخرى للـ "التدين العقلاني"، وكأنه حائر بين نزوعه الوجداني و"ظمأه" الوجداني القلبي للدين، وبين مُشاكسات عقله النقدية، فبقيَ ولا زال يروم إمساك العصا من المُنتصف.

ولن أخوض في تحولات الرفاعي الفكرية، وصراعاته الداخلية التي روَاها في سيرته الذاتية في كتابه "الدين والظمأ الأنطولوجي" وفي كتابات أخرى، ولكني أستطيع القول أن الرفاعي بكل تمرحلات حياته في التقوقع الفكري "الدوغمائي" في إنتمائه لحزب الدعوة، وخروجه من هيمنة أيديولوجيا التحزب، للدخول في أيديولوجيا "الحوزة" وسيرة التلمذة والأستذة فيها، وبعد ذلك سعيه لإصدار مجلة "قضايا إسلامية" بمعية الشهيد مهدي العطار، وبعد ذلك تأسيسه لمجلة "قضايا إسلامية مُعاصرة" التي كان جُل همه فيها التعريف بتحولات الفكر الإسلامي الشيعي في أعدادها الأولى، وبعد سقوط النظام البعثي في عام 2003، تحول مسارها في الانفتاح على الفكر الإسلامي بجل تمظهراته، وبعد سنوات قليلة بدأ الرفاعي بلإنفتاح على مناهج الفكر الغربي الحديث وحضوره في كتابات المفكرين الإسلاميين المُجددين من العرب والإيرانيين وغيرهم، إلَا أنه ظل يُخيط و(يروف) فجوات التراث الديني المُنغلق، عبر النفاذ لبعض مناطق التراث الأخرى التي تُتيح للآخر المُختلف الحضور والمشاركة في الحياة والفعل الثقافي فيها، مرة في الدفاع عن فطرية التدين، وأخرى في تبني العقلانية، أو "عقلانية التدين"، وشتان بين هذا وذاك، وعندي قبول لكل ما يروفه الرفاعي لفرط ما فيه من مهارة "الروَاف"، فهو مُتدين الأصل، مدني في المنحى بعد قراءة مُعمقة في كتاباته في مرحلة التحول في كتابه "مُقدمة في السؤال اللاهوتي" وعنده سعي جاد لكشف عن الضامر من التراث بما فيه من فجوات تُخالف التطبع في العيش الأنسني.

سأختم قراءتي هذه بالقول أن فلاح رحيم فتح لنا أفق الكتابة عن موضوع لا وجود له هو "التنوير العراقي" بجرأة غير معهودة في كتاباتنا نحن العراقيين، وتحدث عن "فجوة ثقافية" هي موجودة لا كشف فيها بين مثقفنا النخبوي وبين الجمهور لأنها مشكلتنا الأصل منذ عصورنا الذهبية، كما يُقال،  وسيبقى "التنوير العراقي" الذي كتب فيه وعنه فلاح رحيم كتاباً يشرح ويُفصل القول في أزمته تنوير غائب، ولم تكن كتابته سوى أبحاث كتبها عن أناس قرأ لهم نشر بعضها بأزمان مُتباعدة، ولكنه جمعها بدراية وخبرة كاتب ماهر تحت عنوان مُثير هو "أزمة التنوير العراقي" للكشف عن أزمة ثقافية في المنتج الثقافي العراقي عن كُتَاب لم تُشكل كتاباتهم أزمة بحق، إن لم تكن كتاباتهم محاولة لحل هذه الأزمة وردم "الفجوة الثقافية" التي يدعيها فلاح رحيم بين المثقف النخبوي إن كانت هذه النماذج تُمثل أنموذجاً له، وأشك، لأن في كتاباتهم سعي لكسر هذه الفجوة، لوك عزيزي القارئ أن تُراجع ما كتبه سعيد الغانمي، أو حسن ناظم، أو علي حاكم، أو الرفاعي.ز

ولم يكن عنوان كتاب فالح رحيم هذا سوى سبق في العنونة للإثارة لا إيماناً منه بوجود تنوير عراقي سبق، حتى يتسنى لنا القول أن هذا التنوير يمرَ في أزمة.

ولو كان قد وضع لكتابه عنوان  "الفجوة الثقافية" بين النُخبة والمُجتمع، لكان العنوان أكثر تطابقاً مع المُحتوى، بسبب غياب التنوير العراقي الذي نبحث عنه ونروم الوصول إليه بحسب وصف (كانت) له على أنه "خروج الإنسان عن قصوره الذي إقترفه في حق نفسه من خلال عدم استخدامه لعقله إلَا بتوجيه من آخر"... وتفريطه بحرية استخدامه لعقله، أو في تفريطه بحريته الفردية. ونحن ما زلنا في العراق مجتمعاً ونُخبة لا نزال نُفرَط بحريتنا الفردية، ولا نستخدم عقلنا إلَا تابعاً عند الجماعة، أو ناطقاً عند النُخبة بإسم جماعة، فعقل النُخبة عندنا عقل اتباعي، ولنا في جُل أكاديميينا وأغلب مُثقفينا مثال يُحتذى في التبعية وتسليم عقلهم للغير لقيادته والتحكم به.

بقي الكتاب حتى في خاتمته يدور حول تأكيد "إخفاقات التنوير العربي"، وعلى وجه الخصوص العراقي، (ص297)، وعدَ كل كتابات نماذج دراسته "سعيد الغانمي، حسن ناظم، علي حاكم صالح، عبدالجبار الرفاعي" مع إختلاف توجهاتهم وتنوع مشاربهم، إنما هي كتابات "إبتعدت كُلها عن برامج التنوير العربي" (ص297)، والغريب المُثير، والمُثير الغريب، أن لا تعريف واضح لهذا التنوير العربي أو العراق الذي يقصده فلاح رحيم، ولم أعرف ما هي برامج التنوير هذا الذي إبتعدت عنه كتابات هؤلاء أو غيرهم من الكُتاب العرب أو العراقيين، فأنا أختلف معه حول استخدامه لهذا المفهوم، وأشكك في وجوده، إلَا إذا كان يقصد به ما كتب عنه آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري)، أو ما يُسمى (عصر النهضة الإسلامية)، أو يقصد النهضة في الفكر العربي الحديث، كما جاء في كتاب ألبرت حوراني (الفكر العربي في عصر النهضة)، ولكن لا هذا ولا ذاك مما يُمكن أن يُقال عنه بأنه تنوير، إلَا تجوزاً، ينبغي للمؤلف حين استخدامه له التفسير والتبرير لمرامه وتوظيفه للمفهوم، لأنه مفهم نشأ في ظل حضارة لها تعاطيها البيَن والواضح مع هذا المفهوم ونتاجه وفاعليته على جميع الصُعد، في العلوم الطبيعية والاجتماعية، وفي الحياة السياسة، سواء في الثورة الصناعية أو الثورات السياسية التي حقق من خلالها الإنسان الغربي فرادته وتميزه وشعوره بقيمة الحرية والتخلص من سطوة كل مُهيمنات التراث بوصفها من الماضي ولا سلطة لها سوى أنها مخزون حضاري، لا يطغى على حاضره.

 

ا. د. علي المرهج – أستاذ فلسفة

 

في المثقف اليوم