قراءة في كتاب

درصاف بندحر: نجوم التفاهة

بالرجوع إلى معاجم اللغة نتبين أن كلمة التافه مشتقة من «تفه» و«تفه الطعام أي صار بلا طعمٍ أو ذوق».

"نظام التفاهة" كتاب للمفكر والفيلسوف الكندي" آلان دونو "صدر باللغة الفرنسية سنة 2015.  يعرف "دونو" هذا النظام بكونه "النظام الاجتماعي الذي تسيطر فيه طبقة الأشخاص التافهين على جميع مناحي الحياة، وبموجبه تتم مكافأة الرداءة والتفاهة..."

يقول هذا المفكر الكندي أن التفاهة قد بسطت سلطانها على كافة المجالات فالتافهون قد أمسكوا بمفاصل السلطة، واستحوذوا على مواقع القرار..صار قولهم هو القول الفصل.

يشرح "دونو" كيف طالت التفاهة كافة الميادين حتى الأكاديمي منها. هو يرى أن قطب الرحى في سيطرة التافهين على كل مفاصل الحياة المعاصرة يبدأ وينتهي بالميادين الأكاديمية، وهي الجامعات والكليات ومراكز الأبحاث. فالمنظومة الأكاديمية، في العالم أجمع وحتى في أشهر وأرقى جامعات العالم، قد صارت رهينة التفاهة والتافهين.

في هذا تحدث "دونو" عن تنحى المثقف والحكيم والعالم، ليحل محله الخبير والاختصاصي.  بين أن المثقف (الحكيم والعالم والباحث) يعمل لإعلاء الحق. هو يزن الأمور استنادا على وازع الضمير قبل أن يصدر أحكامه وبالتالي لا يمكن لأي ترغيب أو ترهيب أن يؤثر على مواقفه. هذه المواقف يتخذها وفقا لما يقتضيه ضميره العلمي. فلا يكون للإغراءات والضغوطات أي اعتبار لديه.

في الجهة المقابلة نجد الخبير (الاختصاصي والبروفيسور والدكتور) الذي يبيع كلمته وضميره، خدمة لمصالحه الخاصة وذلك  على حساب الحق فيؤقلم الحقائق العلمية خدمة للفئات التي تحتكر النفوذ. هو بخلاف المثقف على استعداد تام لتضليل الرأي العام.

وقياسا على ما خلص إليه كاتب " نظام التفاهة" في المجال الأكاديمي فنحن عندما نتمعن من حولنا نجد أن كل الميادين تعج بالتافهين. أصبح الأهم لدى كل تافه هو أن "يؤدي اللعبة"، لعبة أنه الاكثر أهمية والأكثر تفانيا، لعبة إتقان فنون التملّق والتزلّف واللغة الخشبية..لعبة تجعله يؤدي دورا قد يبدو ناجعا ولكنه مفرغ من كل قيمة، كالطعام بلا ذوق. إن سيطرة هؤلاء جعلت الأكفاء ينؤون بأنفسهم عن مجالات هم الأحق بها.

صحيح أن نظام التفاهة لم يسحق الأكفاء لكنه جعلهم ينسحبون. هذه النخب تكورت على نفسها لتفسح المجال للتافهين في كافة المجالات.

ولأن عجلة التاريخ تدور فإنه وبالرغم من قلّة هذه النخب وتشرذمها أمام تكتل التافهين وتضامنهم، فهي لا تزال قادرة  على التصدي ومن ثم التغيير.

التافهون موجودون في المدرسة..في الكلية.. في الإعلام وفي الإدارة. ولئن أصبح كل تافه نجما في ميدانه في عصر أصبحت قيمة الإنسان تحدد بما يملك وما يستهلك..عصر لم يعد فيه للفكر أو المعرفة أي قيمة.. عصر يحمل فيه الأغلبية الشهائد العلمية بل ويضعونها في إطار للعرض وهم يفتقرون لأبسط أبجديات الأخلاق واللياقة واللباقة، إلا أن الكلمة، التي يختم بها "دونو" كتابه حمالة لكثير من الأمل.

 هو يقول "كن راديكاليا"..

أن تكون راديكاليا يعني أن تقاوم الرداءة والرديئين..أن تسعى إلى التغيير في العمق ومن الجذور..أن لا تمر دون أن تضع علامة ترمز إلى فعل المقاومة، وإن كره التافهون.

***

درصاف بندحر - تونس

 

في المثقف اليوم