قراءة في كتاب

تحرير الإسلام

1005 تحرير الاسلامعنوان كتاب لفهمي جدعان يحاول فيه نقد فهم الإسلام عند المفكرين على اختلاف توجهاتهم بما فيهم أصحاب المشاريع الفكرية ليطرح رؤيته هو..

تحرير الإسلام من هيمنة القراءات أحادية التأويل والتفسير والعمل على تحرير الإسلام كي يعود لثابته بكونه دين جاء به نبي الإسلام (ص) لتحرير الناس من الوثنية والتقديس المجاني، فلا مقدس سوى الله والوحي، وغير ذلك إنما هي (جاهلية) ورثها العرب والمسلمون بتاثير البنى القرابية والقبلية التي كانت سائدة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، ولم يدعو لها النبي (ص)، بل فصل بين قوله الموحى إليه رسالياً وقوله بوصفه بشر (ما أنا إلّا بشر مثلكم)، وهذا النص فيه ترجيح ودعوة للتمييز بين حياة محمد (ص) كنبي وحياته كبشر!!.

يبني جدعان رؤيته وفهمه للإسلام على وفق مقولة ابن قيم الجوزية:"المقصود الشرعي للإسلام إقامة المصلحة ودرء المفسدة"، وبما أن الإسلام جاء ليكون دين العدل، فهو لا يتعارض مع أي نزوع عند جماعة ما يعمل أهلها بالعدل، لذا فكل دولة تتوخى العدل في سياستها مع أبناء المجتمع إنما هي دولة مقبولة بحسب القيم العُليا التي دعى لها الإسلام، اتساقاً مع "مقاصد الشريعة".

يُقسم جدعان العدل على عدة أصناف:

ـ العدل الكلامي: أي العدل المتعلق بأفعال الله وأنها لاعادلة لا ظُلم فيها، والعدل المُتعلق بأفعال الإنسان وأنها حُرَة على مذهب المعتزلة والقدرية ـ مُكتسبة على مذهب الأشاعرة، مُقيدة على مذهب الجبرية.

ـ العدل الفلسفي الأخلاقي: وهو جماع فضائل النفس عند الفلاسفة، الحكمة، والشجاعة، والعفة، والعدل.

ـ العدل الشرعي: الذي يتقوَم بمبادئ الحلال والحرام، ووتحقيق مكارم الأخلاق وفق قول النبي (ص) "إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق".

ـ العدل السياسي والاجتماعي، أو ما سُميَ في التراث بـ "السياسة الشرعية"، وهي تُعنى باصلاح العلاقات بين الراعي والرعية، وبتحقيق المصلحة العامة وتطبيق "مقاصد الشريعة".

وهنا لا يسعى فهمي جدعان للسير وفق مقولات السلفيين والاصلاحيين الذين يعملون على احياء التراث "الماضي في الحاضر"، وهو لا يعمل على توجيه بوصلة الفكر باتجاه (استلهام التراث)، بمعنى الافادة من القيم الإنسانية والدينية في التراث بما يجعلها في خدمة الحاضر ، وإن كان في هذا الفعل ما يخدمنا نحن المسلمين الذين نهيم عشقاً بالتراث.

في الآن ذاته ينتقد جدعان الكثير من مشاريع (إعادة قراءة التراث) عند زكي نجيب محمود، وتيزيني، والجابري، لذا نجده يكشف عن مجموعة وظائف للتراث أهمها:

ـ الوظيفة النفسية: فالتراث هو تراث أمة وهو يخدم المجتمع والأمة في توظيف الإرث الحضاري فيه ليكون مصداً وسنداً معنوياً ونفسياً لإرادتها المهزومة أو المغلوبة.

ـ وظيفة جمالية: لأن التراث العربي والإسلامي يصح وصفه أنه تراث جمالي، لأنه تراث أدب، وشعر، وفلسفة، وفن.

ـ وظيفة عملية: ففي التراث علوم وأعمال كانت خط سير للغرب كي يُعيد الوعي والتفكير في التنوير، ولا تخلو علوم اللغة والفقه والكلام من فائدة عملية اليوم وغداً.

يُبيَن لنا جدعان أن هُناك "مبدأ أساسياً مُشتركاً بين ما هو "مقاصدي" (إسلامي) وبين ما هو "علماني" مُتصلَب، هو مبدأ رعاية المصلحة، ليكشف لنا عن إمكانية الوصول لما أسماه "الاعتراف المُتبادل" بين حدَي المصطلح الذي يجترحه "علمانية إسلامية"، وهو مفهوم يجد له مسوغاته في الحدود التالية:

ـ اشتراك الفكرين في الدفاع عن العقل، فالعقل أساس المقاصد الشرعية، والعقل أداة المعرفة الأمثل عند العلمانيين.

ـ بناء الشرع على المصلحة وبناء النظام الاجتماعي في العلمانية عليها.

ـ في (الحيادية العلمانية) مقبولية للنزعة الدينية في حدود العقل، وهو أمر يقبله الدين وأصحابه المُعتدلين.

يقصد جدعان بـ "علمانية الحياد" أنها "علمانية مرنة" بعبارة (عادل ضاهر) في كتابه "الأسس الفلسفية للعلمانية"، وهي علمانية "إنسانية" غاية أصحابها تحقيق العدل والحرية والمساواة والالكرامة والحكم التمثيلي وطلب الخير العام، لذا يكون التأسيس وفق ما أسماه جدعان منطق "العقل المصلحي" قد نقترب من مقبولية مفهوم "العلمانية الإسلامية"، أو "الدين العلماني" بعبارة عبدالكريم سروش.

وفق رؤيته هذه يجترح جدعان مفهوم (ابداع التراث)، أي القول بـ "أن التراث دائم التشكل وإن جوهره في حراك مُستمر، أي أنه خاضع لعملية ابداع دائمة"، ليصل للقول أن "الحقيقة النهائية هي أنه لا شيء مُقدس في التراث (خارج الوحي)، لأن التراث قد ارتدَ إلى حدوده الطبيعية، أي إلى حدوده الإنسانية الخالصة".

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم