قراءة في كتاب

أعاحيب في كتاب: قفا نعجب

1301 صلاح الدين الحماديإن اِنطلاق الأصوات قولا وكتابة بعد سنة 2011 في تونس جعل كثيرا من الأقلام تجمع ما تناثر من نصوصها المختلفة وتدفع بها إلى دور النشر مما جعل الحركة الأدبية خاصة تشهد ازدهارا واضحا في شتى أصناف الأجناس وفي هذا السياق ظهر للشاعر والأديب صلاح الدين الحمادي كتاب جديد جعل له عنوانا طريفا هو - قفا نعجبْ - وقد جمع فيه أكثر من ثلاثين مقالة تتراوح من النقد الاجتماعي والسياسي إلى التحليل النفسي لبعض المظاهر والمواقف والأحداث والمناسبات تلك التي رصدها بعين ثاقبة ونقرأ أيضا في بعض الفصول ما يشبه اليوميات والشجون الخاصة فالكتاب إذن متنوع المواضيع شيٌق الأسلوب ولعله يواصل بهذا منهج مقولة أن الأدب هو الأخذ من كل شيء بطرف .

ثمة موضوع كثيرا ما نجد له ظلالا واضحة في هذا الكتاب ألا وهو مسألة المثقفين الذين يتناولهم صلاح الدين الحمادي بكثير من الانتقاد ففي فصل - المثقفون - ينقل لنا حوارات كانت تدور في إحدى الحافلات المكتظة إذ سرعان ما دبّ التآلف بين الركاب وبدأت الحوارات الثنائية والثلاتية تتناول القضايا والأمور التي تدور بعيدا عن العامة ولكنها تشغل بالها أكثر مما تشغل بال رؤوس الساسة والمثقفين حيث سمع أحدهم يقول أنا لا أبكي ولن أبكي على أية دولة من الدول العربية أنا أبكي فقط على فلسطين إنها الوحيدة التي تستحق ذلك فبقية الدول العربية كلها كيانات قائمة ولها جيوشها وثرواتها وما عليها إلا أن  تقوم بواجب حفط كرامة شعوبها والدفاع عن أراضيها أما فلسطين وا أسفي عليها فلا تملك سوى أصوات شرفائها وحجارة قد تكون غير موجودة فقلت في داخلي لله درك أيتها العامة التي ما انفكت الخاصة  تترفع عنها

فيرى صلاح الدين الحمادي وهو القريب من المثقفين بصفته رئيس اِتحاد الكتّاب التونسيين ناهيك عن مسيرته الأدبية والنقابية والسياسية  والتربوية والجامعية يرى أن جماعات المثقفين ليست إلا  - ثقفوت - أحاديثها صخب وتشنج وصراخ وضرب على الطاولات لا غير وفي  فصل آخر بعنوان - عن التضامن وأشياء أخرى - ينقل لنا وقائع ليلة غزيرة الأمطار أدّت إلى محاصرة العمارة بالمياه فتعاون الأجوار جميعا على دفع الخطر المحدق بهم بأن ثقبوا السور المحيط بهم بل وبادروا إلى إزالة الأوحال من محيطهم وكان ذلك في جوّ بهيج من الإخاء والتآزر والتعاون وفي سرده لهذه الحادثة يؤكد الحمادي على أهمية الحراك المجتمعي الذي كثيرا ما يتناساه السياسيون وما شاكلهم ممن يعتبرون أنفسهم نخبة عارفة عالمة وماهم إلا سدنة مصالحهم ومصالح غيرهم

 وللأطفال في هذا الكتاب نصيب من الحكمة أيضا وذلك في فصل بعنوان - درس  المحفوظات - وقد نقل لنا صلاح الدين الحمادي حوارا جرى بين تلاميذ بمناسبة درس المحفوظات وكانت للشاعر سليمان العيسى

أنا ابن النسر مدّ جناحه وحماك يا وطني

أنا ابن النسر حمّلني جناحيه وودّعني

عندئذ تساءلت إحدى التلميذات لماذا ينسب

 هذا الطفل نفسه إلى كسر من الجوارح فإن في ذلك لفظاعة وتنكر للإنسانية ألم يجد ما يتشبه به من جميل الطيور ولطيفها ووديعها سوى هذا الطير

فيدور حوار طريف عندئذ بين

التلاميذ حول رمزية النسر

وفي فصل - هل الثقافة بخير في الجمهورية الثانية؟ - يطلق الكاتب صيحة فزع ويدين بشدة القائمين على الشأن الثقافي في تونس قائلا - لم نر هؤلاء يشركون أهل الثقافة والإبداع في حواراتهم ولم نرهم يستمعون إلى مقترحات المثقفين أو يستعينون بتصوراتهم في صياغة وتنفيذ البرامج الثقافية بل العكس هو الحاصل فقد كُبّل العمل الثقافي في مستويات مختلفة بحزمة من القرارات والإجراءات البيروقراطية حتى وصل الأمر ببعض الجمعيات إلى حلّ نفسهل وببعض الناشطين إلى الانسحاب من المشهد الذي عمّ فيه الفوضى والنفاق والكذب

إن كتاب قفا نعجب للأديب والشاعر صلاح الدين الحمادي شهادة صادقة على معاناة المثقف الملتزم بقضايا الوطن في تفاصيلها الصغيرة وهمومها الكبيرة وهو يصارع التحديات من أجل التقدم نحو الأحسن  والأجمل في جميع المجالات

ففي البدء كانت الكلمة

 

سُوف عبيد

 

في المثقف اليوم