قراءة في كتاب

كورونا وأكذوبة شائعة مخطوطة كتاب أخبار الزمان لابن سالوقيه!

محمود محمد عليمنذ انتشرت جائحة كورونا سادت حالة من الهلع والخوف أصيبت به الشعوب في العالم أجمع، الأمر الذي جعل البعض يذهب إلى الخرافات وبعض حكايات الأساطير، أو تفحص الكتب ومشاهد الأفلام التي تنبأت بنهاية العالم، أو انتشار أوبئة، وأخر هذه الحكايات، ما ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عندما قامت في الساعات الماضية مجموعة من النشطاء الزاعمين بنشر شائعات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن صورة متداولة من مخطوطة كتاب قديم، مضمونها أن كتابا يحمل اسم "آخر الزمان"، لـ "إبراهيم بن سالوقيه"، تنبأ بما يحدث حالياً من تفشي مرض فيروس كورونا المستجد "COVID-19"، وتحدثوا عن وجود تلك الشخصية وسيرتها، وتحدثوا أيضاً عن أعماله وقصصه ومؤلفاته، مُدعين أنه من كُتاب إيران، وهاجر إلى بلاد الرافدين بالعصر العباسي، ليعمل كونه كاتب ومؤلف لكتاب اسمه "آخر الزمان"، لينجح في تأليف أكثر من 30 جزءً من هذا الكتاب بالعديد من الأقسام التاريخية والجغرافية.

النشطاء والمغردون أكدوا لنا بأن الكتاب يوحي بنهاية العالم خلال شهر مارس 2020 الجاري؛ الأمر الذي تسبب في حالة من الذعر الكبيرة التي سيطرت على الكثيرين حول العالم؛ خاصة مع تفشي فيروس كورونا كوباء عالمي، وانتشار الجراد في بعض البلاد الأفريقية، وقرار وقف العمرة وإخلاء الحرم المكي للتعقيم خلال الفترة الماضية وأصبح الجميع يريد قراءة الكتاب بسبب هذا الهلع الذي أدي في الآونة الأخيرة علي فيروس كورونا الذي أدي إلي وفاة الملايين حول العالم في فترة قصيرة.

وقد لفت بعض النشطاء والمدونين، إلى أن اختراع اسم إبراهيم بن سالوقية في كتاب أخبار الزمان بتلك الطريقة، يرجع لاعتقاد الكثيرين إلى أن بعض العلماء العرب كان لديهم القدرة على التنبؤ بما يحدث في الزمان، وقدرتهم على تطويع الجن، وإضافة الغموض على تلك المصطلحات.

من أبرز العبارات التي ذكرها المغردون وانتشرت لإبراهيم بن سالوقيه ويبحث عنها الجميع صفحة في كتابه المشار إليه سالفاً وهو آخر الزمان صفحة رقم 365، قال فيها جملة غريبة للغاية جعلت الجميع يتساءل ألا وهي :" .. حتى إذا تساوى الرقمان (20=20).. وتفشى مرض الزمان.. منع الحجيج.. واختفى الضجيج.. واجتاح الجراد.. وتعب العباد.. ومات ملك الروم.. من مرضه الزؤوم.. وخاف الأخ من أخيه.. وصرتم كما اليهود في التيه.. وكسدت الأسواق.. وارتفعت الأثمان.. فارتقبوا شهر مارس.. زلزال يهد الأساس.. يموت ثلث الناس.. ويشيب الطفل منه الرأس".

هذه المقتطفة عندما نحللها نجد أنها تتحدث عن إذا تساوي الرقمين وهو 2020 العام الحالي سيمنع الحجيج، وتخلو المدن والشوارع، وسوف يصاب ملك الروم لمرض خطير ويموت، وتغلو أسعار البضائع، وتغلق الأسواق، والعباد يتعبون، والأطفال يشابون من الخوف الكبير، وأنه في خلال شهر مارس الجاري سيكون هناك زلزال كبير وقوي يموت خلاله ثلث سكان العالم.. المدونون زعموا بأن سالوقيه كان دقيقاً في تنبؤاته بالأحداث التي تعصف بالعالم اليوم وفي مقدمتها وباء كورونا وقرار منع الصلاة في الحرم والعواصف وأسراب الجراد التي تجتاح معظم البلدان كما قلنا.

بيد أنه ثبت من تحقيق معمق لوكالة (سوا- لندن) أنه لا يوجد مؤلف يحمل هذا الاسم «إبراهيم بن سالوقيه»، ولم يتم ذكر اسم الرجل حتى في أي مجال علمي مرجع أو مؤلف أدبى، سواء فى عصر مقارن لعصره المزعوم أو فى عصر سابق أو تالٍ، ما يعنى أن هذا الرجل غير موجود بالأساس فى أى عصر، وبالتالي فهو اسم مزعوم لا أساس له من الصحة.. حتى لو حاول البعض أن يلفق له نسباً أو يسوق له حججًا أو يدعي أنه عاش في بلاد كذا أو كذا، فهذا الاسم لا يعرفه أحد ولم يرفق اسمه فى كتاب من قبل ولم يذكر أحد أي نص له قبل يوم 16 مارس الجاري 2020 عندما ذكرته صفحة تدعى "تغريدات عراقية".

وهنا أخذ كثير من الباحثين يشككون في مصداقية هذه التنبؤات مؤكدين بأن شخصية إبراهيم سالوقيه، تم اختراعها بما يحدث حاليًا من أحداث، حيث إن اختراع اسم ذلك الشخص بتلك الطريقة، يرجع لاعتقاد الكثيرين إلى أن بعض العلماء العرب كان لديهم القدرة على التنبؤ بما يحدث في الزمان، وقدرتهم على تطويع الجن، وإضافة الغموض على تلك المصطلحات.. وبالتالي فإن شخصية ابراهيم بن سالوقيه ما هي إلا شخصية وهمية، تم اختراعها من قبل أحد من الأشخاص ونُسبت إليه هذه الأقاويل لربطها بما يحدث خلال الوقت الحالي.

وثمة نقطة مهمة وجديرة بالإشارة وهي أنه لو تأملنا النص السابق سوف نجده نصاً غير متسق وغير متوافق مع طريقة العرب فى التأليف.. من ذلك غياب الإيقاع فى الجمل، فإن العرب كانوا عادة مغرمين باتساق الجمل وتقاربها ومساواتها محافظة على الإيقاع كأنها مقطوعات شعرية، لكن النص المذكور ممتلئ بالأخطاء وحافل بالكسور.

وثاني المنكرات وأشدها دلالة علي "خرافة النص" وكذب مدعيه هو استخدام الأشهر في ذلك الزّمن القديم، فمنذ نحو 1000 سنة وأكثر كان العرب والمسلمون لا يستخدمون للأشهر الميلاديّة في ذلك الزّمن إلا قليلًا، وكانوا يستخدمونها بأسمائها العربيّة (مارس)، أمّا الاستخدام الرّسميّ فكان للأشهر الهجريّة.

علاوة علي أن كتاب أخبار الزّمان، ليس لكاتبٍ اسمه إبراهيم بل للكاتب يدعي "أبا الحسن عليّ بن الحسين بن علي المسعودي، حيث يُعد هذا الرجل من علماء العرب في زمانه، لقبه قطب الدّين، ولد سنة 283هـ والمتوفّى سنة 346 هـ "896-957م"، وهو من ذرّية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ولد في بغداد ومات في فسطاط في مصر، وكان مُهتمًا اهتمامًا كبيرًا بالتّاريخ والفلك والجغرافيا، وكتاب أخبار الزّمان، يُسمي (أخبار الزّمان ومن أباده الحدثان وعجائب البلدان والغامر بالماء والعمران)، وهو كتاب تاريخيّ فيه تاريخ الزّمان من أوّله "ابتداءً بقصّة سيدنا آدم"، يحوي قصصًا غريبة، يميل بعضها ليكون قصصًا خرافيّة وبعضها إلى الحقيقة، وليس فيه تنبّؤاتٍ بالمستقبل.. استخدام الأشهر الميلاديّة في ذلك الزّمن كان قليلًا، حيث كانوا يستخدمونها بأسمائها العربيّة "آذار"، أمّا الاستخدام الرّسميّ فكان للأشهر الهجريّة "محرم صفر، والأسماء الّتي تنتهي في اللّغة العربيّة بمقطع "ويه"، هي أسماء فارسيّة في أصلها، مثل سيبويه ونفطويه، حيث أن المعنى الرّاجح لمقطع "ويه" في الأسماء الفارسيّة هو "ذو" بمعنى صاحب، أيّ إنّ إضافة "ويه" لكلمة "سيبي" تجعلها "سيبويه" بمعنى رائحة التّفاح، وهذه قاعدة معروفة في الأسماء الفارسيّة المنظومة بهذا الشّكل.. ولا يصحّ أصلًا تسمية "سالوقيه"، في اللغة إذ يجب أن تكون سالقويه حتّى تكون صحيحة التّركيب، فضلًا عن أنّه لا يوجد أصلًا معنى لكلمة سالوق في الفارسيّة، ولا يجوز التّنبّؤ عند المسلمين، ونشر التّنبّؤات والتّنجيمات لا يجوز أيضًا، فلا يجوز نشر هذه الخرافة إلّا للتّنويه بأنّها خطأ، وأي أخبار تتنبأ بنهاية العالم فهي ليست إلا شائعات تحت مسمى ترهيب وذعر العالم وذلك كما ذهبت آية عادل في مقاله بصحيفة الوفد المصرية بعنوان حقيقة أم خيال؟ .. 10 معلومات تكشف سر تنبؤ كتاب أخبار الزمان بنهاية العالم.

نعم، يرصد الكاتب العديد من عجائب الزمان والبلدان، ولعل أبرزها سحر الكهنة ودورهم فى مختلف الأحقاب، ووصفه المؤرخين القدماء بأصحاب الخيال الواسع، ومدى التقدم الذى كان عليه الفراعنة فى مصر والإسكندرية.. ولكنه لم يأتِ ذكرًا على هذه النبوءة.. ووفقًا للمنشور، فإن المقتطفات من كتاب أخبار الزمان صفحة 365، والحقيقة أن عدد صفحات الكتاب 278 صفحة فقط.. وعن جملة «حتى إذا تساوى الرقمان 20=20»، فالكتاب المذكور لم يكتب الرقم 20 ولا أى رقم آخر.. وعن جملة ارتقبوا شهر مارس، فهذه الأشهر لم تكن معروفة بهذه الأسماء فى ذلك الوقت.. وعن الكتاب فإنه لم يتطرق إلى أى نبوءة عن نهاية العالم، بل اقتصرت كل موضوعاته على رصد التاريخ القديم بمختلف بلدان العصر القديم وذلك كما قال حمدي رزق في مقاله بالمصري اليوم بعنوان " 20 = 20".... وننتظر ما تسفر عنه الأيام المقبلة!!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقل بجامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم