قراءات نقدية

أقصوصة المتنبي وكتاب وشويعر بين تشخيص الظاهرة وجماليات السرد

ahmad alshekhawiالإبداع في أبسط تجلياته أرقى من أن نتوجه ــ من خلاله ــ بأصابع الإتهام أو الدونية أو التجريح إلى جهة معينة أو حالة إنسانية بحد ذاتها.كونه يتنفس شرعيته من مسامات الآراء والمواقف المضادة ويتعايش مع الإختلاف ويتساكن ويتهادن معه قدر الإمكان .

ولا يعترف بإملاءات الأنانية المريضة المروجة لإثنية الأكاديمية والعصامية، والرامية إلى احتكار رخيص ونظرة دوغمائية لمن وما خارج حدود الذات، أول ما يتضرر بها المشهد الحداثي والممارسة الإبداعية في محاولات تمردها على القيود والقوالب القشيبة.

لعل هذه واحدة من أبرز الرسائل الأعمق إنسانية ونبلا، والتي ارتأى الأديب والناقد والشاعر المتمرس الدكتور سعدي عبد الكريم، تمريرها عبر أقصوصة خاطفة خفيفة الظل و أعذب في نفسية المتلقي من شربة ماء باردة على عطش طويل، تناغي الذائقة وترضي الفضول المعرفي ولا تزول نكهتها.

وإذن.. نحن إزاء نص ومضي متشح بشتى مواصفات القصّ الحداثي المغري، ومن الصعب جدا الأحاطة بمدلولاته كليا، لذا سنكتفي بإضاءة بعض جوانبه و استكناهها من زاوية قابلية إسقاطاته، أي النص، على راهننا الموبوء وقد اغتدى أشبه بمسرح للغرائب والعجائب والظواهر، كبيئة خصبة وحاضنة للخطاب السوداوي الساخر و المتشبع بهواجس القفز فوق مرحلة التشخيص و استعجال الحلول.

الأقصوصة الموسومة بوحدة زمكانية، فضلا عن الشخصية الواحدة أيضا، تزيغ عن هذا الطرح، وتتسامى على ما سوى احتواء مستويات الخصوصية والجدّة والتّميز، و الإشتغال على طقوس تأسر المتلقي وتزلزل نفسيته بأسئلة اجتماعية وثقافية ووجودية، تتكئ على استدعاء الموروث وتوظيف الرموز الإنسانية/المتنبي.

فشخصية هذا النص القصصي الومضي المنافقة والمرائية نسبة إلى الرياء والتي تدعي التثقف وحسن الصلة بأجناس أدبية كالشعر والنقد، ما هي إلا حالة إنسانية تتناسل على نحو جرثومي، في زمن استحمار العقول وتمييع الذائقة.

هكذا على الأقل يمكن تأويل الأقصوصة، أو كما تشي لنا به مقاربة تؤمن بحرية التعبير وتأخذ بعين الإعتبار تشابك هذه الظاهرة مع العديد من المعضلات الكارثية التي تتأبط "أمة إقرا"، مثالب جمة كارتفاع منسوب الأمية والجهل والقطيعة مع الكتاب وهلم جرا، إلى الأسوء.

وختاما، نجد القاص وقد برع إلى حد كبير في المزج بين تشخيص ظاهرة بات من الضروري إماطة قناع الطابوهات عنها، وصياغة سردية تحترم الذائقة وترتقي بها.

وكأنه يود لفت انتباهنا إلى هيمنة الثقافة الأستهلاكية، فما كتب الطبخ السريع المحبوبة حد الهذيان، و التي تحضى بشعبية كبيرة متنامية يوما عن يوم، إلا أسطع دليل على العقليات الهامدة والراكدة، المولدة للتطفل على عوالم الكتابة والإبداع برعاية إعلام رسمي زائف مخدر وأبواق سطحية تنفخ في الدجالين.

 

أحمد الشيخاوي/شاعر وناقد مغربي/04/07/2015

في المثقف اليوم