قراءات نقدية

خزعل الماجدي كينونة شعرية مشرعة النوافذ!!

wejdan abdulazizدوما الكاتب والشاعر المبدع خزعل الماجدي يثيرني في كل كتاباته التي تحمل نكهة التجربة والمقصدية، لكني اتهيب من الكتابة في محراب هذا الكاتب الكبير، ورغم هذا ما اثارتني قصيدته (أيها الشعر..هل تراني؟)، جعلتني اتأمل في مساحات الشعر عامة والشعر العربي خاصة، علّني اجد تعريف يريح قلقي، ولم اجد الا ان الشعر من الفنون الاولى عربيا، فقد برز هذا الفن عند العرب في تاريخهم الأدبي منذ أقدم العصور إلى ان أصبح وثيقة يمكن من خلالها التعرف على أوضاع العرب وثقافتهم وأحوالهم وتاريخهم وحاول العرب تمييز الشعر عن غيره من أجناس القول المختلفة، وميزوه بخاصية الوزن والقافية إلى أن أصبح تعريف الشعر عندهم بأنه: كلام موزون ومقفى، وقد اهتمت العديد من الكتب بجمع الشعر وتدوينه، وقد قام المهتمون بتصنيفه في مجموعات معتمدين في ذلك على أغراضه وموضوعاته، وكانت المعلقات وهي المجموعات المهتمة بالقصائد المطولة والمشهورة والتي تمتاز بطول نفسها وجزالة ألفاظها وتنوع فنونها وثراء معانيها وشخصية من ينظمها، والمختارات وهي المجموعات التي تختار الأبيات الجيدة والمشهورة، ثم تدور عجلة الزمن وتكون للشعر العربي اشكالا جديدة والتي عرفها العصر الحديث، مثل الشعر المطلق أو المرسل وهو الشعر الذي يحتفظ بالايقاع ولا يهتم بالوزن، ثم الشعر الحر وهو الشعرالذي يلتزم بالتفعيلة الواحدة دون البحر أي أنه يركز على وحدة الإيقاع ويسمى أيضاً بشعر التفعيلة، وكذلك الشعر المنثور , وهو لون من ألوان الشعر لا يلتزم بلون أو قافية، وكانت للشعر العربي اجناسا عديدة هي: الشعر الغنائي / الشعر التمثيلي / الشعر القصصي أو الملحمي / الشعر التعليمي، هذا عربيا، (ولكن الدعوة إلى الأدب العالمي تمركزت في أوروبا أولًا ثم في أمريكا ثانيًا، وأصبح المقصود بالأدب العالمي ما كتب بالإنكليزية أولًا ثم بالفرنسية ثانيًا، وهو ما يسمى بالمركزية الأوروبية، ورأى الدارسون الأوربيون أن الآداب التي تحقق العالمية هي الأدب اليوناني والروماني ثم الآداب الأوروبية، وربما اتجه هؤلاء الدارسون إلى الشرق قليلًا ليذكروا «طاغور» الشاعر الهندي، ولكن لم يحظ الأدب العربي إلا بالنزر القليل جدًا من الاهتمام من خلال ظروف ومناسبات تخضع للمصادفة، على نحو ما حظيت به «رسالة الغفران» للمعري أو بعض الأدباء المعاصرين الذين عاشوا في المهجر الأمريكي أمثال «جبران خليل جبران»، وربما لأن جبران كتب بالإنكليزية، فقد أقيم له تمثال في واشنطن، وهناك جمعيات أدبية في أمريكا باسمه، وما يزال كتابه «النبي»، وقد وضعه بالإنكليزية، مقروءًا إلى اليوم، وطبعاته تتجدد، وهو دعوة إلى البراءة والسماحة والحب كتبها جبران بأسلوب بسيط عفوي. وإذا كان حظ الأدب العربي من العالمية قليلًا فإن ذلك لا يرجع إلى أسباب خاصة به، ففي الأدب العربي من المؤهلات ما يرشحه إلى العالمية، ولكن هناك أسبابًا خارجية جعلت حظه من العالمية قليلًا، منها ضعف العرب وقوة الغرب، والقوي لا يهتم بالضعيف إلا من خلال مصلحته الخاصة، ولعل هذا السبب هو أهم الأسباب، وعنه تتفرع أسباب أخرى منها غياب الترجمة وتقصير العرب أنفسهم في التعريف بأدبهم، ويمكن القول إن الشاعرين «أدونيس» و«محمود درويش» والروائي «نجيب محفوظ» والمفكر والناقد «إدوارد سعيد» قد حققوا جميعًا قدرًا غير قليل من العالمية.)، فهل ان الشاعر والباحث خزعل الماجدي يعبر الحدود .. ويقول ها انذا شاعر عربي من العراق، ينفرد بصوت انساني تضمخ بألم الانسانية وتعمق بقصدية البحث عن العمق الادمي لكل البشرية بعيدا عن الهويات القومية والدينية .. ليكون الشعر هو الرائي لانسانية الماجدي المحترقة بالاحزان ويكون الماجدي هو المرئي في اتون الشعر بانسانيته السامقة عبر عصور الكون الممتدة من عصور ما قبل التاريخ حتى الالفية الثالثة .. لتبقى جذوره الكونية ضاربة في العمق تتخطى في طريق الخلود على سجية كلكامش الخالد .. ويثبت الشعر انه الهاجس الانساني الاول عبر مراحل الاحتمالية العربية، التي تستند ولا تتخطى ارضية الانسانية وبحار سفنها الماخرة عباب البحث عن حقيقة الوجود، وهنا يتبادر لذهني التساؤلات التي تركها هيدغر، ومن خلالها قد اجد مسوغا لتبريراتي في خضم العالم المهتز في احزانه والمتضارب حتى اسقاط الادمية الانسانية في اتون مصالحه الضيقة وجعل كينونته مهجور، كخربة تعبث فيها الاشياء التائهة، فهل نرجع لوظيفة تعيين الاشياء للغة ونترك الوظيفة الاشارية، كي نستحضر الكينونة في حقيقتها الناصعة، لكن الشاعر الماجدي بقي اسيرا لبرق اللغة الخاطف، الذي ينير عتمات اناه الانسانية، وينفتح على علائق جديدة، يراها هو صافية نتيجة تجربته الشعرية الطويلة، لكن (اللغة في معناها الذي يؤسّس له هيدغر، هي الجوهر الشعري للكينونة. وهي بهذا المظهر، تمثّل الحقل الذي يتساوى فيه كلّ ما هو شعريّ مع كلّ ما هو فلسفيّ، فلا يعود الفكر مجرّد نشاط عقليّ ولا يُنظر إلى الشعر على كونه نشاطًا تخييليًّا واهِمًا.)، يقول هيدغر (الإنسان ليس كائنا حيّا يمتلك، بالإضافة إلى قدراته الأخرى، قدرة اللغة. بل إنّ اللغة هي بيته الذي يسكن فيه ويحقّق داخله كينونته"، لا بل إنّ "اللغة هي بيت الكينونة، في حِماها يسكن الإنسان. والمفكرون والشعراء هم مَنْ يتكفّلون بالسهر على هذا الملاذ، سعيًا منهم إلى استحضار الكينونة وتكشُّفها في منجزات القول.)، من نقطة شروع كينونة الماجدي الساكنة منطقة الشعر، سواء كانت جغرافيا في العراق العربي ام خارجه، ليقول في قصيدته (أيها الشعر..هل تراني؟):

(في حنايا القلبِ وضعتُكَ أيها الشعر

ولم أفرِّط بكَ

لم أضعكَ في الطريقِ لتدوسكَ الأرجل

ولم أضعكَ في الصالات لكي تكون بعيداً

وضعتكَ هنا في دمي

وبينما كان (الشعراء) يدحرجونك في المباغي

وفي قصور الزعماء

وفي ساحات الحرب

وضعتك في دمي

وأقفلتُ عليك جسدي.

أنت من علّمني الحريةَ

أنت من سما بي الى الأعالي

لم أدعك تسقط في التراب

ولم أدع أحداً يقتربُ منكَ ليلوّثكَ

كنت حبيبي الوحيد في هذا العالم

كنت امرأتي الوحيدة

وكنت أبي الوحيد

وكنت أخي الوحيد.

لن ألومكَ أيها الشعر

أنك فعلت بي ما فعلت

لن ألوم أحداً أنه لم يكشف أسرارك الى الآن

أنت مواربٌ وخفيّ

لن ألوم أحداً لأنه لم يمسك بكَ

رغم أنك كنت صيدي الوحيد في هذا العالم)

(وبما أن الشعرية هي نداء التجدد، فإنها من جهة أخرى تمارس فعل سلب الواقع، وتتجاوز مماثلته، بتفعيلها لحركية الانزياح، وهو انزياح لا يتجلى في خرق الشعر لقانون اللغة فحسب، فهو يتعدى المحور الاستبدالي - حيث تتموضع علامات لغوية في مواقع علامات أخرى منحرفة بذلك عن أمكنتها الرئيسية، كما هو الشأن في استعارة المماثلة أو المشابهة - ليصل إلى مرحلة أخرى لا يكتفي فيها بتكسير عمود الشعر القائم على المشابهة / المماثلة، بل يقوم بإنتاج أبنية خطابية تؤسس لشعرية الاختلاف واللامشابهة، لشعرية التعدد الجوهري، حيث الاستعارة لا تغدو علامة نموذجية مثلية لحذلقات الخطاب، بل مشروعا تثويريا تشابكيا مولدا لرمزية عميقة تستمد كثافتها التعبيرية في القطيعة، أي في تلك الهوة الفاصلة بين الدال المستعار له، والدال المجاور له (المستعار منه)، وهو ما يعني إنتاج التوتر الصيروري في الشعر، توتر قائم على لعبة صراع الدوال المشكلة للصورة الشعرية. وهي لعبة تكشف جوهر الصدام بين الرؤية - الوثبة التي تهدف إلى التخطي، وبين الواقع الأرضي واقع الانحجاب،) وقد تخطى الشاعر الماجدي في تركيز رمزية التوتر في علاقة الذات بكائن الشعر، لتتشابك ذاتية الماجدي بذاتية الشاعر، ككائن له حدوده سرعان ما تنفتح لاستقبال الذات الماجدية، لتنتفي واحدة وتتخلق واحدة، تكون معمل منتج لتوتر قائم على لعبة صراع الدوال المشكلة للصورة الشعرية الدالة على طريق التخطي بدليل قوله: (لن ألوم نصوصي لأنها لا تستطيع أن تفيضَ بكَ كما يجب / فأنت مياه سرّية هاربة / لن ألوم أحداً حين لايقبل بالمصير الذي تمنحه له / لأنك حولتني إلى مجنون

وسط أحوالي العاقلة / فتذوقت على يديك كلَّ الفاكهة المقدّسة والمدنّسة منها / وكلّ اللذات الغريبة / أنت وفيّ لي أيها الشعر / وأنا الذي أخونك دائماً بالعطل / أنتَ شاردٌ وأنا مقيدٌ / أنت ملولٌ وأنا قنوع / فمن أين أجيء إذن برجلٍ يشبهك / لا رجل يشبهك

ولاامرأةٌ / إني أراكَ في كل شيئٍ / أيها الشعر هل تراني؟) .. اذن الشاعر الماجدي كم هو مثقل بهذا القلق الانساني والاحزان المرمرية التي تحيط لياليه، ورغم هذا يواصل انهماكه في البحث الجاد عن حقيقة الكون في اتون الصراع العالمي ..

هذه ملاحظة من الشاعر نفسه:

ولأن 21 آذار هو عيد الشعر أيضا مثلما هو عيد سومر وعيد الربيع، قصيدتي (أيها الشعر ..هل تراني؟) اضعها هنا وفاءً للشعر (القصيدة منشورة في مجموعتي: أحزان السنة العراقية).

أيها الشعر..هل تراني؟

خزعل الماجدي*

 

وجدان عبدالعزيز

 

في المثقف اليوم