قراءات نقدية

احمد الشيخاوي: الشاعرة الليبية ريما المبروك في غزْل أيروسي يدشّن القصيدة المشتهاة

ahmad alshekhawiصحيح ألا سمو لسوى الروح، مثل فراشة تطير أبعد ما يمكن، ترتقي رافلة في خلودها صوب المستحيل مكسّرة كل الحواجز ومخترقة للحدود والقيود. كأنما تذكرنا بنواميس فناء الجسد وبلاه المحسوم والمحتوم. هذا الجسد في غموضه وتراكيبه وتعقيدات وظائفه و آليات اشتغاله وجمالياته وهو صلب ما نصبو إليه عبر هذه المقاربة.

إن كتابة تمجيد الجسد كما هو الحاصل مع صوت نسوي نموذجي من قبيل ريما المبروك، ترتكز بالأساس على قلب أوشقلبة المفاهيم وحفر وصول مثلما تمليه خطابات أيروسية غير مكرورة،إلى ذروة جسدنة المواقف من الذات والوجود،كما التقنع باجتراحات للمعاني المواكبة والجدية وذات العذرية، في مغازلة تفاصيل الجسد، والانقلاب المقنع على ثقافة التحفظ واختلاق التابوهات بهذا الشأن.

هكذا تأخذ تجربة شاعرتنا طابع الرعونة والطيش،عزفا على وتر الحيوية والشباب،في مثل هذه المعالجات بغرض الارتقاء بفلسفة جمالية تروم التخفيف من سلطة الروح ولملمة المشهد الجسدي وفق ما يتيح تأويلات وتمثلات ذهنية دافعة باتجاه استحداث ضرب من موازنة على المستوى الرمزي أقله مثلما تشي به متون نصوص عدة لشاعرتنا في هذا المضمار،تحاول أن تحمل المتلقي وتستقطبه إلى عوالم غواية جسدية هي أشبه بضمادات للذات وإجراءات وقائية  ضد ما يمكن أن يولّده هاجس الفناء واستشعار العدمية، من مشاعر للسلبية والانهزامية.

سنتقتصر على نص "أنا امرأة من غمامك يا حبيبي" للتدليل على الفارط، وكيف أن صاحبتنا تتموقع خارج الصورة الجنسانية،لكنها تورط الذات باقتراف تقمص أدوار البطولة فيما يرتبط بأنسنة عناصر الارتباط بمناخات العري الرسالي المكتظ بشفرات تلغيم النص بشتى روافد الثيمة المقدسة للجسد والمحتفية به على نحو فانتازي لافت.

أنا امرأة من غمامك يا حبيي...

تكاد العتبة تستنفذ المضمون النصاني، وتقول كل شيء، تقريبا. كونها انطوت على معلومة وجودية أزلية خطيرة،وتشبّعت بدال جمالي يقود إلى ماهية المانوية وكيف أنها بمثابة رابط القوة بين الجنسين،فضلا عن ألا تمام أو اكتمال لعملية التناسل والتكاثر بل والحفاظ على استمرارية وديمومة النوع البشري والحيلولة دون انقراضه، دونما هذا المغزى المحير والسر المختزل في المانوية كمفهوم وممارسة.

أنا امرأة من غمامك يا حبيبي

أتوحدك اذا ما سرى الليل

وفاتت مناسكي

لتشفع لي

في سعيري ونعيمي

وأخبرك ..

لست ككل النساء يا حبيبي

الرومان أحاطوا ساقيّ برخام معابدهم

والياقوت يعبر جسدي

امرأة  فوق خاصرتها تسكن ظلال النعناع

امرأة  هي الحياة الكاملة

من مهد عطشك إلي مسافة لقياك

سأخلط سمرة غلظتك باحمراري

لأرتد  كزلزال  وأمضي أعمق

لست ككل النساء يا حبيبي

امرأة  لا تنام

لأصابعي مسيرة آلف شمس

لتقطع مدار جسدك

لأنفاسي صيفٌ منسي فوق وسادتك

امرأة يخضر قلبها بقبلة

أمرأة تعرت من ظل قبيلتها

مسكونة بدهشة الموج وأغاني

البحارة المتعبين

وعلى كتفي وشم فراشة

أسهر مع ذئاب صحرائك

وأموء . في نعاسك . ﻭليلك

  في مهب ريحك

أمسد كبرياءك وطغيانك

لتعلن تمرد عريك وتعانق

أمواج الشلالات

لتركض غزلاني  وتشرب من فمك

فتمرح صاخباً .

هنا يا حبيبي

يتشقق فمي لقبلةٌ هناك،

لقمح الصحارى

أنثى عَطِشى بك يا حبيبي

اقتحمُ أفقك

أفك أزرار الليل بصدرك

أتلو أورادك . أرمي على جسدك

سجادة صلاتي

أتشهدُ صدرك 

وأبسملُ نارك

 أقرأ جنون الريح 

أصطادُ، سعتك

وأشرع  بتلاوة، الرعشات

رجفة، رجفة

 أتنفسك

وكجنين يلقف نبع آمه

اركع تحت عتو السماء.

إنها مفاضلة مدبّجة ومنمّقة بنرجسية مخملية مهمومة بطقوس الإسقاط الروحي المفسح في مسافات تنسجها جماليات إيروتيكية تقضم من غوايات الجسد  لتلغي تعاليم استعباده و تتبنى عن وعي وعمق  شعرية الموال كما يرتّله الصلصال في سرمدية تمرّده و بحثه المشوب بأنين الطين، عما يخول له التحرر والخلاص.

لازمة الخيرية هذه ليست تشفع للذات بغير الاستقرار على قناعة وصف المرأة وتفسير وجودها بمقابل أو معادل ما يلغي الغطرسة الذكورية و يذوّب ادعاءات الفحولة الزائفة باعتبارها غطاء وتعتيما على الصوت الأنثوي الدفين والكامن في شتى تجليات الحياة والجمال إجمالا.

تلكم رقة المفردة المنغمسة في تقنيات أسلوبية تتأمم النفس الشاعري الطاعن بنكهة كتابة " إسقاط الروح" لصالح لحن ونبرة الرؤى المغايرة والمختلفة تماما في جحودها للقوالب القشيبة والبالية إزاء تقييم الجسد وسائر ما يسكت عنه من أسئلة محرجة جدا ــ ربما ــ تتنفس انسابيتها وزئبقيتها من تناولات صوفية لا تخدش كاريزما وقدسية وسلطة الروح.

 

احمد الشيخاوي - شاعر وناقد مغربي

 

في المثقف اليوم