قراءات نقدية

مادونا عسكر: أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة.. سلوك (2)

madona askarهل جرّب كثيرون من العرب، مثلاً، أن يكونوا أحراراً موحّدي الوجدان واللّسان؟ هل جرّب أحد؟" (1)

 تجربة الحرّيّة جزء لا يتجزّأ منها، ولعلّ المجتمع العربي لم يسعَ  حتّى إلى التّجربة. وكأنّي بالخوف معشش في عمق كيانه، وكأنّه مجبول بالخوف والرّعب من الانعتاق. وعلى الرّغم من التّمرّد الظّاهر والجموح والاندفاع غير المنضبط، وعلى الرّغم من بذور ثورات أنبتت فوضى من العسير استيعابها، إلّا أنّ هذا المجتمع ما برح متخبّطاً بعبوديّته، منغمساً فيها حدّ الظّنّ أنّه بلغ الحريّة.

 ولكي نحدّد مفهوم الحرّيّة الوارد في  اللّغة الأنسيّة، ينبغي أن ننطلق من الدّاخل الإنسانيّ، أي المراحل التّحرّريّة الواجب تخطّيها قبل الوصول إلى الحرّيّة أو حتّى قبل الحلم بها. الحرّيّة الدّاخليّة أعظم وأجلّ من حرّيّة مبهمة يحياها الإنسان خلف قضبان الوهم.  "يخشى المنتقد الكلام على الصّحافة لأنّها تنتقم منه بمئة طريقة بينها التّعتيم. ويخشى الكلام على القضاء لأنّه ينتقم منه بسجنه أو تغريمه. ويخشى الأجهزة العسكريّة لأنّها ترهبه أو لأنّ القوانين تحميها. ويخشى الدّيانات للأسباب المعروفة. ويخشى اليهوديّة لأنّها تعزله. والمسيحيّة بسبب أهله قبل كنيسته. والإسلام حتّى لا يُهدر دمه. ويخشى الإعراب عن حقيقة مشاعره وأفكاره حتّى لا يرجمه أهل الحيّ."

 إنّه مجتمع يحيا في هيكليّة العبوديّة والفساد، ويرزح تحت نير الخوف والتوجّس والضّعف والارتياب من كسر العادة والتّقليد بحثاً عن الكرامة الإنسانيّة.  بُنيت هذه الهيكليّة على أربع سلطات تشكّل مع بعضها البعض سلطة واحدة. (الصّحافة، القضاء، الأجهزة العسكريّة، الدّين)، أربع سلطات تتمدّد في المجتمع العربيّ لتحول بينه وبين الحرّيّة، وتقمع إرادته، وتلجم طموحاته، وتُخرس مجرّد التّفكير بالكلمة الحقّ.

تخاف فلا تفكّر بالانتقاد، وإن فكّرت تُقمع بالقانون المكلَّف بحمايتك. تخشى الشّكّ والسّؤال والتّعبير عن رأيك كي لا يُرهبك إيمان ظاهريّ يفرض عليك حقيقة مضلّلة. تستسلم للوطن فتخذلك أجهزته.

وكأنّي بأنسي الحاج يتساءل هل فكّر ثوّار المجتمع العربي يوماً أن يتمرّدوا على أنفسهم كيما يعاينوا  سلطة ينساقون إليها مسلوبي الإرادة؟ ألا يعون بعد أنّهم معتقلون في جبّ الفساد حتّى باتوا جزءاً لا يتجزّأ منه؟

"إذا كان بيت الشّرّ في سلطة الظّلم والبشاعة، فإنّه لم تقوَ سلطة كهذه بفعل القدر بل لأنّ عيوننا لا تريد أن تراها وألسنتنا لا تجرؤ على فضحها وقلوبنا أضعف من المبادرة إلى غير المألوف."

فهل فكّر كثيرون من العرب أن يعيدوا النّظر في انتمائهم الإنسانيّ وكرامتهم الإنسانيّة ويكونوا قلباً واحداً منسجماً بالمحبّة، ولساناً واحداً ناطقاً بالإنسانيّة؟

 

مادونا عسكر/ لبنان

......................

(1) سلوك- كان هذا سهواً- أنسي الحاج- ص 96

 

في المثقف اليوم