قراءات نقدية

مادونا عسكر: أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة.. سلوك (5): الحلم المحرّك

madona askarإنسان بلا حلم روح ضعيفة غير قادرة على اختراق اللّاحدود. والحلم في الفكر الأنسي ثبات نفسيّ وروحيّ يدفع الإنسان إلى الحركة الدّاخليّة القادرة على استيعاب حجم الأهداف وتحقيقها.

بين الحلم وتحقيقه مسافة كبيرة يحتاج فيها الإنسان إلى حركة ذهنيّة ونفسيّة تمكّنه من المضي في التّأثير على المحيط. ما نفهمه من مقارنة أنسي الحاج الحلم بالإيمان. فكما أنّ الإيمان لا يؤثّر في صاحبه وحسب وإنّما في سواه، كذلك الحلم الجامد في الظّاهر، المتحرّك في الباطن، يفعل المعجزات لسواه. ففي جموده حركة باطنيّة تحفّز الحالم على الاستمرار والتّفاؤل ما ينعكس على الآخر. وتجدر الإشارة أن ثمّة فرقاً بين الحلم والخيال المفرط الّذي قد يتحوّل إلى مرضيٍّ.  الحلم حاجة إنسانيّة ووعي إنسانيّ لتخطّي الواقع لا للهروب منه. وبهذا التّخطّي ارتفاع عن الواقع ورؤية للتّفاصيل وسعيٌ للأفضل والأكمل.

في سكون الحلم كلّ الحركة حتّى وإن لم يحرّك الحالم ساكناً ليخطوَ نحو الفعل. فالحركة لا تعني الضّجيج والجلبة بقدر ما تعني التّركيز على الوعي الإنسانيّ غير المتفلّت من الحركة الكونيّة. وأمّا الحركة المجتهدة الفارغة من التّركيز النفسيّ فتجنح إلى الفراغ إذا ما اصطدمت بالزّمن، أي إنّها حركة ينقصها الحلم.

الحلم في المفهوم الأنسيّ يظلّ يحرّك، وليس يخيب وإن اصطدم الإنسان بحقائق الحياة. الحركة الكامنة في جمود الحلم رجاء مفتوح على رؤية البشر. وكأنّي بالحالم يزرع ويحصد مع الآخر ما لا تقوى على فعله الحركة الاجتهاديّة الجسديّة.

الحلم حقيقة الرّغبة المرجوّة، يقين يسعى إليه الإنسان بكلّ قوّته، إيمان بأنّ ما له سيكون، وما هو من حقّه سيحلّ يقينيّاً. "الحلم هو للحالم بقدر ما هو لغير الحالم. ثماره عامّة. كالإيمان. الإيمان لا يفعل المعجزات لصاحبه وحده بل غالباً لسواه. الحلم إيمان النّائم، ولو كان صاحياً". (*)

 

............

(*) سلوك- كان هذا سهواً- ص 109

 

في المثقف اليوم