قراءات نقدية

مادونا عسكر: لمحة نقديّة في شذرة للشّاعر التّونسي يوسف الهمامي

madona askar"أنا لم أنته بعد...

مازلت في انتظار القصيدة الأم التي ستَلِدني دفعة واحدة." (يوسف الهمامي)

 

- القصيدة الأم/ باكورة القصائدة ... البدء والمبدأ. 

منذ البدء كانت القصيدة. ذاك أوّل ما نقرأه بل نعاينه في هذه الشّذرة السّرّ الّذي يدعونا إلى التّأمّل بمبدأ كونيّة الشّاعر. والمبدأ في هذه الشّذرة يترادف والبدء من ناحية حضور القصيدة الأزليّة الكائنة. القصيدة أمّ الشّاعر وحاضنة كيانه الشّعريّ. ولدته من فيض كينونتها، وبه ولدت القصائد.  فأمسى الشّاعر جزءاً لا يتجزّأ منها. ولمّا كان الشّاعر مولوداً من القصيدة الأم/ المبدأ، حيا في كنفها وتشكّل كونه الشّعري في ظلّها وقاده وحيَها إليها.  وارتباط الشّاعر الحميم بالقصيدة الأمّ يمنحه القدرة على الإصغاء لصوتها وتلمّس حقيقة حضورها الّذي يخلق الشّاعر كلّ لحظة بشكل مستمرّ، يخرج عن نطاق الزّمنيّة والمكانيّة. (أنا لم أنتهِ بعد...). نستشف من عبارة (لم أنتهِ) بدءاً سابقاً منحته القصيدة الأمّ امتداداً وأبداً  شعريين لا يزولان. بمعنى آخر ولد الشّاعر من القصيدة ويخلص إليها ويكتمل بها. تؤكّد المعنى كلمة (بعد) إذ إنّها لا تحدّد نهاية ما، بل تشير إلى امتداد من نوع آخر، أو بداية النّهايات. كما أنّها توحي بحالة انتظاريّة للمبدأ الأصل، للحالة الأولى ما قبل ولادة الشّاعر. هذه الحالة الانتظاريّة حياة قائمة ترنو إلى الولادة الكاملة، إلى اكتمال كيان الشّاعر الّذي بلغ ذروة الالتحام بالوحي الشّعريّ حتّى بات ينتظر ما بعد الوحي. (ستلدني دفعة واحدة). الشّاعر المنغمس في الوحي الشّعري، المنقاد به وإليه، الملتحم به حدّ التّماهي، ينتظر انبعاث كيانه الشّعريّ من رحم القصيدة الأمّ الأزليّة، أي أنّه ينتظر أن يتحوّل إلى لغة.

وكأنّي بالشّاعر مشرف على النّهايات أو يتلمّسها فينتظر. يحاكي الولادة الجديدة الّتي توقظ رعشة الخوف في قلب الشّاعر. خوف أشبه بخوف الطّفل المستعدّ للخروج إلى العالم، وأشبه بخوف رجل يواجه نهاية العالم.

 

في المثقف اليوم