قراءات نقدية

قراءة في قصيدة: أحدهم كانت يده مضيئة لطالب عبدالعزيز.. فنتازيا فضاءات الأمكنة تؤول الى خفايا دوال الآخر

قد يكون معلوما أن عنوان النص الشعري ــ بوصفه نصا موازيا ــ يحمل ثنائية ما في معنى الإحالة التوصيفية المتبلورة بين ما يشير إليه الشاعر في حالات النص الخارجية وبين حالة اتصاله الأشهارية على نحو من الأنحاء في بنية النص الداخلية وبدرجات تبدو مكينة من قابلية خلق الأحوال والأوصاف التي قد تبدو من جهة هامة شبه مقاربة لجوانية التداخل الضمائري والأفعالي والصفاتي وعلى نحو تشكلات هذه المحاور: (برقية / فنتازيا / مكان / خفايا / تحولات) . ونحن نقرأ قصيدة (أحدهم كانت يده مضيئة) للشاعر طالب عبد العزيز ساورنا الأحساس الاحتمالي بأن عناصر بيئة الموضوعة الشعرية لديه كانت قادمة وموغلة في مفاصل تشكيلات فضائية متعددة منها شعورنا في استثمارية الشاعر في تشكيل دوائره التنقلاتية في مساحة الأمكنة المناخية والطبيعية والفنتازية وصولا الى منطقة الانزياح الاتصالي والإحالي نحو نقطة محورية الآخر ومصدره المبهم في فعالية وتشعبات مدار الصورة المرورية في القصيدة . وعندما نتعامل مع القيمة الفنية الكامنة في ثريا العنونة المركزية في النص نجدها تستفيض بصورة إحالات الشاعر وصولا الى ذلك الآخر الحلمي الذي بات يشكل ارتباطه في دال النص كمحصلة انتظارية ترميزية وفنتازية أو لربما هو الأنا الأخرى للشاعر نفسه . وعلى هذا الأساس نفهم من وراء دلالة عنونة (أحدهم كانت يده مضيئة) بأن هناك دلالة تشكيلية خاصة تشترك وبالمقابل العرضي مع أفعال وحالات الأنا الشاعرة وبرفقة جل تنقلاتها المكانية البرقية التي راحت بدورها تلمح وتنوه بكشوفية ذلك الدال (أحدهم) مما جعل مجموعة اللقطات الصورية في المتن الشعري تتلوى وتنحسر وترتبط بأجواء فنتازية فضاءات حركية تلك الأشياء التذويتية وبحساسية برقية دامغة في محوريتها الأتساعية المقفلة في تمفصلات مساحة بياضات الفاعلان في مسار دوال تمظهرات القصيدة.

الصورة حركية مؤلفة بحساسية المتفاعل المراوي

في قصيدة (أحدهم كانت يده مضيئة) قد نعاين مدى فاعلية حساسية وإجرائية (الفاعل الشعري) وعلى نحو راح يجعل من كل صورة في القصيدة تشكل بذاتها ثمة حركية مستقلة بشفروية ما . أي بمعنى ما أن موقعية الراوي الشعري الأرتباطية وبوصفيته الزمنية والمكانية غدا يشكل دليلا اسناديا وطبيعة اللقطة الصورية المتصلة بإنجاز مفعولية محتوى دلالية مركزة إزاء مستوى وجودها المؤول نحو رؤى الإمكانية التواصلية في عتبات النص:

غطته السحابة الكبيرة

لم يعد في القمر نور يكفي

فأتخذت يدي هاديا ، أتلمس الطريق

الى البيت .

إذ ان فعل القراءة لهذه الأسطر الشعرية الأولى من بيئة النص العتباتية تقودنا نحو مقاربات دلالية / مكانية خاصة فهي تهم بذاتها الى رسم علاقاتها الدينامية بوعي راحت تتكشف من خلاله سيميائية العنونة ذاتها والتي بدورها أخذت تديم علاقة ترابطية دلالة جملة التصدير (غطته السحابة) مع فحوى تجليات دلالة العنونة المركزية (كانت يده مضيئة) وبصرف النظر عما تحمله دلالة (أحدهم) من متواليات اضافية حسية ما في دلالات النص . فالشاعر راح يأخذ قوة الإحالة لديه نحو منطقة الدال المتني بتوجه آخر راح يتجلى بحدود مساحة الصلات الصورية الدينامية الأولى محاولا خلق استجابة توصيفية مرنة مع حيثيات ملحقات المكانية الذواتية بـ (خطته السحابة ــ لم يعد في القمر نور يكفي = هيمنة الدال المناخي = تكريس خطي متقارب الأفق بالمخالف = بث راو ذاتي يتصل على نحو مغيب بالشاعر) وتبعا لهذا تتجه كاميرا الدوال المراوية نحو تماثلات لجوئية أخذت تراوي الى تذويت شخصانية علاماته الحركية الهادية (فأتخذت يدي هاديا) أن دلالة حاصلية هذه الجملة لربما تقودنا نحو مؤول ذلك الآخر (أحدهم) الذي هو يشكل بذاته الدليل الهادي الى (أتلمس الطريق الى البيت) ولربما يكون الأمر بذلك الآخر في النهاية بديلا احتماليا عن وحشة الذات الشعرية في جل توهماتها وأيهاماتها الاقتراحية المفترضة في تمظهرات منطقة وحشية الظلام:

 

قدمي أيضا كانت تعينني على سمت

الأرض

و أمتها ، لكني كثيرا ما

أخطأت موضع الحجارة ، تلك

التي كنت اتخطاها في النهار .

يشتغل الشاعر هنا على بث روح الخيبة الذواتية لتكون مجمل حالات هذه المقاطع ضاجة بالأحالات التوصيفية التي أخذت تعيد لذاتها أحاسيسها ورؤى مسالكها في وضح النهار إزاء ما عليه هي الآن (وأمتها لكني كثيرا ما اخطأت ــ موضع الحجارة ــ تلك التي كنت اتخطاها في النهار)

حلولية دال الأشياء في سياق المروي القصدي

إذ لاشك في أن أفعال دلالات (غطته السحابة / لم يعد في القمر نور يكفي / أتلمس الطريق / لكني كثيرا ما أخطأت / تلك التي كنت أتخطاها في النهار) فهذه التماثلات وصلية ما في أدوات الفعلية والصفاتية جميعها راحت تقودنا قرائيا نحو بؤرة حلولية دال استجابة الأشياء في سياق المروي القصدي الخارجي من زمن (النص / الراوي) وصولا الى جملة حالات مركزة تركيزا شيئيا شديدا يقوم به الراوي نحو مسار عمق احساسه المرهون بالخيبة الظرفية والأحوالية وما تتولد عنه من رؤى وقيم راحت تتجسد على نحو فنتازي / طيفي يلخص حكاية عودته المتشبثة بأشباح وأذيال أعشاش دوال التشكيل المكاني والوصفي في موجهات النص:

أغصان غرب وخيال من سدرة هنا

سعف وزوائد قصب

كانت تجمعها يدي فأمر ، غير واثق ،

مستعينا بالسياج الطيني ، صرت لصقه

حتى أني شممت رائحة العفن

في التراب على قميصي الليلي .

أن الدوال المرتهنة بحكاية عودة الراوي الى بيته تتمثل بـ(أغصان غرب ــ وخيال ــ من سدرة هنا ــ سعف وزوائد قصب ــ كانت تجمعها يدي فأمر غير واثق) أن الرواي هنا لا يتلبث في هذه المنطقة بوصفها دليلا شعريا هادف بل أنه راح يصنع لمشهديته الوضعية قناعا مروريا لدخول هوية ودلالة العنونة المركزية (أحدهم كانت يده مضيئة) ولكن يبقى السؤال مطروحا هنا ، من هو صاحب هذه اليد المضيئة؟ أهو الشاعر نفسه؟ أم الراوي عنه؟ أم تضاريس حركة ضياءات القمر المنفصلة عنه بين الحين والآخر انسحابات كتل الغيوم؟ أم هي عوالم إيهامية فنتازية راحت تغرق الشاعر بتصورات وجود ذلك المنجد الواهم له؟ فيما راح يستجيب المتن النصي لأستجابات تيه الراوي / الشاعر وهو في طريق عودته الى المنزل كما يتضح الأمر لنا في هذه المقاطع الأتية:

قناطر من ظلال تخطيتها ، قافزا

خلتها ترعا ، سواقي تروى في النهار

لم يفزعني طائر الظلمة التي كانت ترين

فتجاوزت الشجر والجداول والظلال

الى الباب .

أن حركية الدال الشيئي التذويتي في هذه المقاطع الشعرية (قناطر من ظلال تخطيتها / قافزا خلتها ترعا) لا يتوقف في حدود ذاكراتية ظرفية ومكانية منسحبة الأبعاد التصورية للراوي بل أنها تتجلى في ذاكرته النهارية كعادته حين مروره بها نهارا ولكنه عندما جاءها ليلا باتت تشكل له (خلتها ترعا) غير أنها تحت شمس النهار كانت تشكل في حقيقتها البيئية الواقعة محض (سواقي تروى في النهار) يبقى الفضاء الحميمي ذات الشكل العلائقي محايدا في انتاج رؤى وتوهمات بين حالة الكشف اليقيني والتباس أملاءات حكاية ظلمة الذاكرة وطبيعة دلالة تلون الأشياء بحالات الطابع اللحظوي من مشاهدات عين الراوي وهو في جوف الظلمة: (لم يفزعني طائر الظلمة / فتجاوزت الشجر والجداول والظلال) .

تعليق القراءة

أن فاعلية محاور الحالات اللقطاتية في مشاهد القصيدة أخذت تؤول لذاتها نحو انموذج المستكين بين حضورية (أنا الشاعر) وبين مشاهد تصويره وتصوره الذي راح يختط لنفسه ذلك الأطار الحيوي من علامات رؤية الأمكنة الليلية وفي مشهد من الاستعادة الذاكراتية لذلك الحيز من فضاءات المخيالية الواهمة في منطقة احالاتها للأشياء الماثلة في روح سيناريو المشهد النصي:

ظل النور هامدا هناك .. في الأعالي

لا أعلم كم سحابة غطت القمر الليلة تلك

قبل أن يصحبني أحدهم ،

كانت يده مضيئة بما يكفي

لأتبين طريقي الى السرير .

من هنا تنفرج اللقطة الختامية الكاشفة بقول الشاعر: (قبل أن يصحبني أحدهم / كانت يده مضيئة بما يكفي / لأتبين طريقي الى السرير) بديهي أننا نقول بأن ذلك الآخر لربما هو (الفانوس) أو لربما هو آلة (المصباح اليدوي) حيث تنتهي عندها معطيات الدافع الأساس لخفايا ذلك الآخر (أحدهم) بالتصنيف المتآتي من لهب شعلة الفانوس أو من خلال شعاع ضوء المصباح . أن الواقع الأفتراضي المتواتر في مباحث تمفصلات شروحات مقالنا قد تبدو لنا وللقارىء محض رؤية مؤولة باحتمالية وجود هكذا معنى خاصة وان الأحداث والوقائع والحالات والصور الكامنة في المتن الدلالي تشير الى وجود ثمة مخيالية مراوغة لقارىء القصيدة .و الحال لربما يكون في حقيقته محض صورة فنتازية أخذت من كنية الآخر لذاتها بالتوالد التمويهي بعدا لخصوصية رؤية أخرى من شأنها الأحتجاب في مواطن حلمية فضاءات الشاعر والأمكنة الذاكراتية المقيدة لديه تحديدا في دوال خفايا ذلك الآخر الشعري . 

 

حيدر عبد الرضا

 

 

في المثقف اليوم