قراءات نقدية

قراءة في قصيدة: في حضرة فاطمة لعبد الرزاق الربيعي.. النص يتوالف وتنافذية الحالة المرجعية

haidar abdullradaأن النظام الشعري في عوالم قصيدة (في حضرة فاطمة) للشاعر الحبيب عبد الرزاق الربيعي يتزامن بين مستويين الأول ــ خارجي (فعل) والثاني ــ داخلي (انفعال + حسي) والمستويان الأول والثاني كائنان في زمن حدود تكمن في احوالية حال الآني الزمني فيما تكمن آفاقه الدوالية المستوعبة داخل شيفرة أحساسات الشاعر بذلك المؤثر الاستدعائي في مجالية انتقاله الحضوري الى منطقة معطيات المماثلة الشعورية والخزين التوصيفي المتراكم في آتون الذاكرة وفي أزمنة المحور الدال بــ (فاطمة) . أن المثيرات الحسية / المرجعية في قصيدة (في حضرة فاطمة) تدرك عبر انتقال تأثيراتها العلامية والمدلولية عبر مسمى المخزون المرجعي المتصل ومقامية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) . غير أننا وعلى حد غير محاط بكشوفية شواهدية ثابتة في دلالات محور مصدرية دال (فاطمة) سوف نتعامل وتلك الواقعة الأحوالية في العتبة العنوانية وفي البنية المتنية على أساس من أنها منظومة غير محددة سلفا . وتبعا لهذا الأمر أخترنا أن تكون عملية قراءتنا لقصيدة الشاعر بموجب علامة زمنية غير قارة فيما تكون بالمقابل منها دلالة فاطمة بمثابة ذلك المدلول المرجعي المستوعب لكافة معطيات الحالة المرجعية لمقام السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) . وهذا السلوك الكتابي منا قد جاء على أساس من إدراكنا الحسي الإنطباعي بأن الواقعة الاحوالية في قصيدة الشاعر لا تعبر بشكل حاسم عبر هوية ذلك الترابط المرجعي بين فاطمة قصيدة الشاعر وبين تلك السيدة السماوية العظيمة . ونحن نقرأ تمظهرات الدوال القصدية في مقاطع قصيدة الشاعر بات فيها ما يذكرنا وبشكل انطباعي ما بأن علائقية واقعة هذا النص مرتبطة بقصيدة (أصابع فاطمة) للشاعر نفسه .. تلك القصيدة التي قام بكتابتها الربيعي عن أحوال شخصية جدته فاطمة تحديدا ولربما هذا النص الذي هو الآن بحالاته التوصيفية المتماسكة ما هو إلا تلك الصورة المراوية لشخصية جدة الشاعر فاطمة . وعلى هذا الأساس وجدنا أفعال ومواقف ومطابقات ومشخصات هوية نص الشاعر مطابقة لما افترضنا له من حلوليات احتمالية ما في كتابة مباحث مقالنا هذا وقد جاء عنوان محورنا المركزي في المقال تحت عنوان (النص + يتوالف = تنافذية الحالة المرجعية) . ونعني بهذا بأن جميع علاقات وشواهد وزمن (الحاضر / الماضي) ظلت في نص الشاعر داخل حدود توالفية تسعى في الوقت ذاته نحو خلق حالة تنافذية محتملة إزاء موضعيات ومشخصات ومواصفات دوالية تلك المرجعية السياقية لشخصية فاطمة السماوية والتي هي تقع ما وراء آنية أحوال وشواهد وعلامات ومعالجات كنية دال فاطمة في قصيدة الشاعر.

قصيدة فيها من المرجعية والأنتاج الرؤيوي

أن الشاعر الربيعي يحاول في مشروعه الكبير (قصيدة النص المرجعية) ان لا يقع انتاجه بين حالات مرجعية قارة ومؤكدة بل هو يذهب عادة في كتابة هذا النوع الشعري نحو منطقة (التوالف) أو على حد تقديري الى منطقة (المابين) التي تتيح للشاعر حرية استثمار دواله الشعرية القصدية أو اللاقصدية ليخلق في مسارية نصه ثمة مجاليات خاصة ترتبط وأخرى لا ترتبط . إلا أنه كشاعر راح يقدم في مشروعية مجال (قصيدة النص المرجعية) رؤى الشاعر الإيحائية كما ويقدم بالمقابل عوالم مليئة بيقينية وأحتوائية صورة ذلك الإطار المرجعي دون التوغل فيه تقويميا وتوقعيا وخطيا . أن الشاعر في قصيدة (في حضرة فاطمة) يعمل وبجهد متميز على الابتعاد عن الواقعة المرجعية في حال ذاتها غير انه لا يقطع من عند دلالات نصه أزمنة وأمكنة واطلاقية محورية ذلك الدليل المرجعي ولو في مسلمة خاصة من خاصيات صفاتية واسمية وفعلية ومؤشرية الى حد بعيد .

قولي للواتي يسألن عني

أنه هائم في فيافي فاطمة

فإذا خير بين القارات

فلن يختار سوى قارة

تعيش على يابستها فاطمة .

يذهب منهج الشاعر التكويني هنا الى بث عوامله الوظيفية انطلاقا من عاملية (حدث / وصف / لغة / إيحاء / زمان / مكان / حوار) بوصفها مكونات فنية وانطلاقا من تخصيصات التنصيص (فواعل / وظائف / صيغة / منظور / تبئيير) لذا فإن القارىء لبلوغيات الصورة الشعرية الأولى من قصيدة النص المرجعية وهي تحيلنا نحو معالجات احتمالية من شأنها إدخال عملية التلقي والقراءة نحو مساحة حصولية الإخبار الخارجي السارد (قولي للواتي يسألن عني / إنه هائم في فيافي فاطمة) ويوغل سؤال الشاعر الأحوالي في هذا المسار وعلى نحو أكثر عمقا وتكثيفا بعد أن تبلغ العين الساردة جل توافقها اللحظوي الخاطف برد لفظية المساءلة عنه من قبل فاعلية الآخر الجمعي وبصيغة جولة التمهيد العتباتية والمدخلية في النص وصولا الى جملة (إنه هائم في فيافي فاطمة) وبهذا التركيز الوجداني / الحسي تتحول مثيرات دال (فاطمة) الى معادلة جذبية خارقة بمعنى إنها أصبحت تشكل بذاتها قيمة انتقائية خاصة دون انفصالها عن حدود الخارج الاختياري للشاعر(فإذا خير بين القارات / فلن يختار سوى قارة / تعيش على يابستها فاطمة) يصل الشاعر الى أدق معطاه الخارجي المرتبط بالتجربة الروحية والتأملية وما يتمخض عنه من طاقة لا اقتراحية في التمسك الشواهدي بالمركز الدال (فاطمة) فهو يرفض كل الحالات الموقعية والجغرافية والنفسية إزاء ثبوتية أنفاس البؤرة الدالة في المركز (فاطمة) .

و إن زلزلت البلدان زلزالها

و أخرجت الأرض ...

فلن يجد بلدا يرضى

على وسادته

سنواته الأخيرة

سوى بلد فاطمة .

يتمثل الاشتغال الشعري في هذه المقاطع من القصيدة نحو مساحة الاستثمار الناتج عن معطى السورة القرآنية المباركة (الزلزلة) غير أن الطاقة المعالجة هنا جاءت مرتبطة وحدود توالفية حيوية لالتقاط وأتمام الواقعة الشعرية وبصورة أخذت تدعم من صيانة تجاذبات الدوال الواقعة بين البديل الاحتمالي وبين كائنية القيمة المرجعية في الخطاب القرآني . وأن كان المعطى الإحالي فيها لا يجسد قدسية النص القرآني على وجهه المكتمل . إلا أننا ونحن نتجه الى قراءة تلك المقاطع الشعرية لربما نجدها بمثابة المساحة التناصية والناصة بين فاعلية شعرية التخييل وبين الانشغال بألتقاط الصور والمشاهد التي تصلنا بالتجربة الروحية في مشغل دوال القصيدة . كما ولا ننسى بأن الكاميرا المرجعية لمثل هكذا تجارب شعرية تكون بمثابة الجسر الموصل الى طاقة تذهين المعطى الشعري وعلى نحو راح يتمكن فيه الشاعر من تحقيق استجابة موضوعية مقنعة ومؤثرة : (وأن زلزلت البلدان زلزالها / وأخرجت الأرض ..) أن الراوي الشعري يستدرك هنا مثالية وقدسية الصورة القرآنية مما يفضي به الأمر الى التوقف عند دال (أثقالها) جاعلا الجملة الشعرية من عندياته عدولا فراغيا في ظل نصاب المخالفة والاختلاف التوصيفي مما جعل حالة التشكل القصدي لديه تبدو وكأنها إعادة إنتاج لمرجعيات رؤيوية خاصة . (فلن يجد بلدا يرضى / على وسادته / سنواته الأخيرة / سوى بلد فاطمة) وأمام هذه الجمل التصويرية يقودنا الشاعر باستنتاجاته عن دال فاطمة نحو فاصل يستحدث فيه فسحة تأملات أخرى يتوقف فيها المستوى الابعادي المرجعي ليستكين التلاحق التواصلي الاختياري بتفاصيله الحيرة والمترقبة .

و إذا حدث أن ضاقت به المدن

و بحث عن مدينة تحذو على أنفاسه الحرى

و تسقيه من ضروع جداولها

فلن تكن سوى

مدينة فاطمة .

أن الفاعلية الشعرية المتآتية هنا من خلال هذه المقاطع التوصيفية تبدو اساسا لفاعلية تمظهرات صورة دال فاطمة والتي راحت بدورها تشكل بعدا متناسبا في الابعاد والاشكال والى حد راح يغطي بخلجاته البوحية كافة أقسام شعرية القصيدة .

تعليق القراءة

من هنا وبعد قراءتنا لأهم وحدات الصورة الشعرية في مبنى قصيدة الشاعر أجدني ميالا الى القول : لا أريد لكلامي عن هذه القصيدة أن يتحول الى عملية إطراء للشاعر وعوالمه التي هي لربما تبدو بالنتيجة محض مجاملات رخيصة مني تحديدا فقط أود القول بأن الشاعر في قصيدته راح يطلعنا على نموذج شعري متميز في مقصودية دلالاته المرجعية والموضوعية الشعرية ولو بشكل مرتبط ارتباطا ذاكراتيا في وصوله الى منطقة القول المركز في بنية المعنى الشعري .

وأن صعد الى السماء

فسيرمي نفسه

من الأعلى

حتى يطأ جنة فاطمة .

من هنا تتضح سمات جوهرية العلاقة الذاتية / الموضوعية بين ذات الشاعر ودال جدته الأرضية فاطمة ــ وليس فاطمة السماوية ــ لتكون سابقية الدلالة الفاطمية تسالما للشاعر مع أجزاء قصيدته الموصولة بخصوصية مجتمع أسرته وأسلافه وحكاياتهم العائلية الخاصة . وبهذا الأمر فالنص إذن يبقى في حيز حيوات الشاعر بمثابة المقابلة الكشوفية المحفوفة بقيامة (الحضور / الغياب) كما ويشكل في ذاته ارتسامية تلك الواقعة التي راحت ترتفع بدال فاطمة الى مصاف الاشتغالات الحسية الاستثنائية المثقلة بمشاعر التشكيلات الإثارية والقرائية لخطاب النص الشعري الذي راح يتوالف وتنافذية الحالة المرجعية المشبعة بحواس ومخيلة الشاعر الحيوية والممكنة .

 

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم