قراءات نقدية

تجديد الخطاب الشعري وازمة الخطوة الى امام.. قراءة في سيسيولوجيا الشعرية

ali mohamadalyousifمن النقطة غير المركزية التي طبعت كلاسيكيات خطاب التجديد الشعري والقصيدة العربية منذ النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي نبدأ بظاهرة (الغموض – المتلقي) الظاهرة التي صاحبت بنية القصيدة العربية الحديثة شعريا وفنيا وجماليا لخمسة عقود من انبثاق حركة التجديد، يلاحظ اليوم انها خفّت حدتها، وتلاشى الهوس المحموم في توظيفها للتدليل على عمق التجربة الشعرية غير الاصيلة اغلب الاحيان ومحاولة اثبات الشاعر تفرده الاستعراضي في التقنية والتجريب الفني المعاصر غير المنضبط المفتوح بلا نهايات. وبات التراجع عن توظيف المفردة واللغة الشعرية ذات الاشكالية التوصيلية في نص عصّي على الفهم والتلقي والاستيعاب واضحا في الكثير من نصوص الشعر العربي المطروح اليوم مع بقاء استثناءات لايزال اصحابها متشبثين فيما يعتبرونه خاصية النص الشعري الجديد في ظاهرة (الغموض - المتلقي) علامة صحة وعافية في القصيدة ومنجز تقني معاصر يجاري السائد عالميا. رغم كل ذلك نلمس بوادر عودة شعرية معتدلة لدى عديد من الشعراء تستمرئ الارتداد عن الغموض التجديدي والعودة إلى احياء ادامة مستقبل التجديد ومستقبل الشعر غير المتطرف المتوازن في بنيته الفنية والجمالية بما يعيد للشعرية العربية والقصيدة اسلوبيتها البلاغية السلسة ومناخها النفسي الوجداني والبيئي الطبيعي، وتخليص حاضر ومستقبل الشعر العربي عموما من الاحتضار في انتظار رصاصة الرحمة التي سيطلقها (الكومبيوتر) على شعر وقصائد بني ادم، اذ يطمح اهل الذكاء الاصطناعي الى ما هو اكثر بأكساب الآلة القدرة على تشكيل الرسومات التجريدية وتأليف المقالات والروايات وقرض الشعر (1)، التي تطلقها وسائل الاعلام المرئي والثقافة غير المقروءة بكافة اشكالها. لذا توجه بعض الشعراء المجددين إلى معالجة الكساح وتخاريف الشيخوخة المبكرة التي اصابت ظاهرة التجديد ومستقبل الشعر. وعمد بعض شعراء الارتداد عن ظاهرة (الغموض - المتلقي) في مراجعاتهم النقدية لتجاربهم الشعرية في تلافي بعض عيوب التجديد في محاولة اعطاء نوع من المشروعية في العودة إلى نظام الشطرين او إلى النصوص القريبة منه، (شعر التفعيلة وتكرار القافية والايقاع الموسيقي) والتأكيد على وضوح المعنى المراد توصيله. وتحت وطأة الاستجابة لذلك وصل اقتراب بعض النصوص الشعرية من النثرية المعيبة والمباشرة الخطابية وتناثر تماسك وحدة النص الشعري، وغياب الايقاع الموسيقي والقافية،  وغياب الصورة الشعرية الجميلة لتحل محلها المفردة اللغوية المفككة، والسرد الباهت السقيم،وهي سمات ظل النقد الشعري يعيبها ويعيب كتابها لعقود طويلة. ولم يعد يهم شعراء التجديد كثيراً التهويم الطلسمي التعبيري الغامض. الذي كان موضة استهوت الكثير من الشعراء المجددين بل بدأ (هَّم) عديد من الشعراء اليوم العودة إلى كسب المتلقي واحتضانه في المشاركة العاطفية والوجدانية والمسؤولية في ادامة تواصل الشعر واقتسامه بينهما، (الشاعر والمتلقي)، ولم تعد تصدمنا كثيرا اليوم القصائد التي كانت  مليئة بتقعرات اللغة المبهمة وتهويمات النص المتناثر في اللامعنى فلا نجدها ظاهرة في نصوص التفعيلة الحرة ولا في قصائد النثر، لكن لا نعدم في هذا المجال من استثناءات ايضاً. وبتنا نجد عودة الشعر إلى محاولة توظيف حضور (المتلقي) من اجل بعث الدفء والتواصل الحميمي والحداثة التجديدية في تقاسم القصيدة بين اثنين هما الشاعر والمتلقي، بعد ان بقيت القصيدة الشعرية الجديدة لدى عشرات بل مئات من شعراء العربية لا تقبل القسمة على اثنين او اكثر لاكثر من خمسة عقود، اذ كانت القصيدة هي للشاعر وحده ومن اجل بناء نجوميته الثقافية الاعلامية فقط قبل أي اعتبار اخر، متجاهلة اهمية حضور المتلقي في النص الشعري. إلى ان جاءت الدراسات اللسانية الاجنبية في اللغة الشعرية والنص الادبي في اعطائها حضور المتلقي ابعاداً فلسفية ومعرفية جديدة كما هي عند ليفي شتراوس، جاك دريدا، رولان بارت، ناعوم جومسكي وغيرهم في تأكيدهم تأويل النص وتداوليته البراجماتية واعتبار حضور المتلقي في النص اكثر من ضــرورة. كما ان رولان بارت يحدد مصطلحي اللذة، والمتعة ايروسياً ويبين ان الفرق بينهما : ان نص اللذة هو ذلك الذي يأتي من صلب الثقافة، ولا تقطع صلته بها، هذا النص مرتبط بممارسة مريحة للقراءة، اما نص المتعة فهو ذلك الذي يضعك في حالة ضياع الذي يتعب الى حد الملل، ويزعزع ذوق المتلقي، ويؤزم علاقته باللغة .(1)

وقد وجد العرب القدامى ان التنسيق والارتباط بين اجزاء ومكونات النص، والكلمات الدالة على ذلك هي: الارتباط، الاتساق، الانتظام، المناسبة، الاتصال، النظم، التعلق، الانسجام، وحسن الموقع، وقد تأثر الفيلسوف الفرنسي رولان بارت واخذ عن العرب اعتبارهم النص (متناً او جسداً) .(د.محمد وهايبي- مفهوم النص، عالم الفكر مج41،ع2،ص210)

اليوم لا جديد في القول ان العودة إلى نظام الشطرين او ما يناظره في قصيدة التفعيلة والى حد ما قصيدة النثر العربية لم يعد يعتبره الشعراء المحافظين الجدد ان صح التعبير ردة وتراجع عن المضي في تجديد الشعرية العربية بل من اعتباره عودة الابن الضال والرجوع إلى بيت الطاعة الذي تفرضه الاصالة التراثية واوان مراجعة الذات والموضوع. في ان يكون حضور المتلقي دالة حداثية مهمة في دراسة تأويل النص وتلقيه وفي رفض تبني الغموض الشعري العربي في القصيدة والغاء فاعلية حضور المتلقي الذي بدا الان بعد مرور خمسة عقود التراجع عنه تقريبا، واصبح وضوح المعنى ميزة تطبع خارطة الشعر العربي المعاصر الى حد ما،وهناك من استمرأ هذا الإرتداد عن (الغموض- غياب المتلقي) تحت ذريعة حماية توظيف الشعر ضمن شعبوية مؤدلجة  .

تسنده في مسعاه العودة الى النظم العمودي باعتباره رجوعا تمليه الاصالة التراثية وتتبناه الطبيعة الشعرية التراثية الكلاسيكية الموروثة من جهة، ومن جهة اخرى تحميه وتشجعه ميزات الذائقة الشعبية المطبوعة على سليقة تلقي الموروث وسهولة استيعابه لما يمتاز به من الغنائية العالية والمنبرية الخطابية التي يحملها نظم الشطرين (العمودي) مغربلا بلاغيا من شوائب الغموض التي تسم وتطبع في العادة نظم قصيدة التفعلية ونص قصيدة النثر العصية على الاستقبال لفقدانها الميزة الغنائية العالية والانشادية المتوفرة بغنى لامحدود واكتناز في النظم الكلاسيكي الذي تطرب له الاذن، واعتادته سليقة التلقي الشعري القديمة.

وهي بهذا المعنى تعتبر القصيدة العمودية في اتكائها على نظم الشطرين بمثابة الاعلان السري او العلني على قناعة ان الطفرة الشعرية الحداثوية التجديدية التي اصابت شكل الشعر العربي التقليدي منذ النصف الثاني من اربعينيات القرن العشرين اثبتت ان لم يكن فشلها (التعبوي) القرائي في استقطاب الذائقة الشعرية شعبيا فهي قادت ايضا للوصول بمستقبل القصيدة العربية  الى مراتب العقم التجريبي الفني .

ان ارتداد الخطاب الشعري في عودة معاداة قصيدة التجديد الشعرية التي تعاني من امراض العقم التجديدي، واعراض عيوب طريق الحداثة المسدود الذي يرافقها ومنها (غموض النص – غياب المتلقي) في المعادلة الشعرية المعاصرة. وان لم يكن سهلا على الخطاب السلفي الشعري العربي قدرة الحجر الكامل على استمرارية وديمومة التجارب التجديدية التي دام عمرها الزمني لاكثر من خمسة عقود، او في استطاعته غلق نوافذ الانفتاح والاستقبال للكثير من السائد المعاصر عالميا في مجال الادب والفن. معلوم جيدا ان احياء النظم العمودي الشعري بفيض يستطيع تحجيم دورة التجديد والتجريب المستمرين، يقوم على سند معطى تاريخي بمشروعية ان النظم الكلاسيكي للشعر تمتد جذوره العميقة القديمة إلى متراكم شعري موروث لازال حياً. وهذا جعله يكسب المتلقي القارئ، والمتلقي السامع، والمتلقي المشاهد في التعاطف والاستقطاب حول نص نظام الشطرين.

واذا ما تأكد لنا اليوم وجود نص شعري تجديدي يقوم على الوسطية والتوازن بين نمطين واسلوبين من النص الشعري المتداول حاليا، هذا النص الشعري الجديد يروم الخلاص من تبعية تطرف تجديد قصيدة النثر بفضائها التجريبي المفتوح بلا حدود من جهة، واستمراريته على التمرد والخروج على وصاية النص الكلاسيكي (نظام تفعيلة العروض العمودي) من جهة اخرى، في اللغة والشكل والصور الشعرية والمخيال المخصب. عندها تكون الشعرية العربية بجميع اشكالها وتنوعاتها الفنية التجديدية ومعها ايضا النمط العمودي الشعري قد ركبوا قارب غرق او نجاة مستقبل الشعر مجتمعين، ويبقى مأزق الجميع في تسابق من يستطيع منهم القدرة في تجذير مفردات هوية شعرية ثقافية مميزة معاصرة، ذات مكونات خصوصية محلية تؤصل النص الشعري الحالي وتطبعه بميزة التواصل الحداثي المجتمعي المتداخل معها. حين ذاك فقط نطمئن إلى دخول الشعرية العربية صالات العالمية بإبداعات أكثر من شاعر عربي واحد.

نحن بحاجة اليوم إلى نص شعري تجديدي يعتمد الوسطية ويبتعد عن التطرف، ويستطيع اثبات وجوده في صراعه على جبهتين، جبهة رفض وممانعة الرضوخ لشد النظم العمودي القديم شكلا ولغة معاً، وجبهة التخلص من عيوب التجريب الشعري والتقنية الفنية المتطرفة التي تنادي بها وتمارسها من دون مسؤولية بعض النصوص الشعرية المتحررة ونص قصيدة النثر تحديدا.

على حد تعبير دكتور عبدالفضل ادراوي فالقارئ ربما يغدو احيانا هو المسؤول الحقيقي والفعلي عن بعث الحياة في النص، ونقله من حالة الموت والركود الى حالة الحياة والوجود، ابتداءا من اول لفظة يتحقق له فهمها وادراكها، والعلاقة المتحققة بين القارئ والعمل هي اساس الوجود الفعلي لهذا العمل.

خطورة الخطاب الشعري السلفي انه يتعدى ساحة التنافس المشروع على الصعيد الشعري في طموحه المتطرف الذي ينشد الهيمنة الكاملة باكثر من اسلوب ووسيلة على مرافق الحياة في السياسة والثقافة والاجتماع، وفي سعيه المستميت تجفيف ينابيع الابداع والحداثة والتجديد المتحقق منها او الذي هو في طور الصيرورة والتحقق القادمين، ومحاولته تجذير القيم والسلوكيات الدخيلة البالية كي تنهض الاموات من قبورها وتحكم حياة الاحياء.

كما ان نزعة الشعرية المتطرفة السلفية في محاولة الوصول إلى زعامة ثقافية – اجتماعية في تسطيح الخطاب الثقافي واعدام المعنى الحقيقي لقيم الحياة الانسانية وفي تغييبها الوعي المعرفي الجاد بتنوعاته واشكاله المعاصرة، بذلك تكون قد كسبت الشعر والمتلقي بحكم العادة والتخلف المتوارثين، وبحكم وصول الخطاب التجديدي الثقافي والشعري إلى طريق متعثر لايحسد عليه.

ليس مبررا كافيا للثقافة المجتمعية الجادة الحقيقية ان المتلقي العربي بتركيبته الاجتماعية والثقافية والسلوكية والنفسية هو تحصيل حاصل ان يكون منتظما في الصف الكلاسيكي مع القديم في جميع اشتمالاته. معظم شعرائنا من العرب المجددين يعلنها صراحة انه لايهمه ابدا ان يقف إلى جانبه متلق متخلف يبهره الخطاب الشعري العالي النبرة المباشر الكسول، ويستمتع جدا بالالقاء الخطابي الانشادي للشعر الذي يقترب فيه مع الغناء الهابط والرقص الماجن الذي تبثه شاشات التلفزيون وبعض القنوات الفضائية، فهكذا متلق بحسب رأيهم  هو عبء على الشاعر المجدد وليس نصيرا له. ولا يعتبر شاعر التجديد اليوم خسارة المتلقي المتخلف ثقافيا انتقاصا من قيمة الشاعر والشعرية الجديدة، بل هي مفخرة ان تكون اصالة الشاعر التجديدية معيارها نخبوية الاستقبال ومحدودية التلقي. عذرهم بذلك ان كل معرفة ثقافية او فنية جديدة تلقى صعوبة كبيرة في طريق ترسيخ اقدامها وقبول تمثلها الاجتماعي. كما ان بعض شعراء التجديد عندنا لا يترددون من الافصاح ان كسب متلقي قارئ يجري توظيف حضوره في معادلة (الشعر - المتلقي) هو نوع من استغفال شعبي وابتذال وسيلي رخيص ربما يشكل طموحا مشروعا عند شاعر النص العمودي لكنه يبقى بعيدا عن اهتمام ان يكون له حضور في معادلة التجديد – المتلقي لدى شاعر الحداثة والتجديد.

هذا التناظر والتناقض في كسب المتلقي ثقافيا يخرج احيانا عن دائرة العلاقة الثقافية والفنية بالانسان العربي إلى المتلقي (المجموع الشعبي)، وبالتالي يكون استغلال انظمة الحكم الاستبداية غير الديمقراطية هي المستفيد الاكبر من هذا التوظيف التدجيني لشعوبها في تغييب وعيها المعاصر وهيمنة ثقافة التجهيل والتضليل والازداوجية في السلوكيات والقيم وترسيخ اعتقادها بجبرية تجعل من هذا التوظيف التجهيلي الشعبوي العام اهم وسيلة في ادامة الحكم المنحرف وتوارث الكرسي من الاب للابن كما في السلالات القديمة.

ومن بديهيات مواكبة القصيدة العربية الجديدة تاكيدها ان صخب العاطفة الافتعالية الموظفة لاغراض خارج اطار التجريب الفني الرافض لاية وصاية لا تمثل (كل) المنتج الشعري المعاصر، ولا الجنوح الفوضوي ايضا  المضاد يمثل تعويضا لستر عيوب رداءة النظم العمودي وترسيخ التكرار الايقاعي الممل لدى المتلقي النبيه .

ان الشعر اليوم كما هو معلوم لم يعد وظيفة تاكيد حضوره على وفق آلية كتابية مفلسة اجتماعيا تجمعها قصائد جمالية فنية ذات ذائقة تواكب استيعابها، وهذه المسالة يجري الان ومنذ مدة في مجتمعات اوربية متقدمة سبقتنا في مجال التجريب والتقليعات الشعرية وبلدان من العالم الثالث التنبيه الى خطورة هذه الظاهرة الشعرية الادبية في التاكيد على ضرورة العودة الى نوع من الاعتدال في خلق موازنة (واقعية –اجتماعية) شعريا تمنح القصيدة الشعرية حيوية ودينامية افتقدتهما زمنا طويلا واكدوا ضرورة الاهتمام بان قطبي العملية الابداعية المبدع والمتلقي هما طريق الوصول الى قناعات نفسية وعوالم فنية تقود المتلقي لبلوغ الامتع والافضل في الحياة وتنقذ الانسان العربي من وهدة السقوط في متاهات العجز وامداده بثراء فكري يمثل (موقفا) ايجابيا متفائلا من الحياة في جميع مناحيها واشتمالاتها .

مازال العديد من شعرائنا ونقادنا وبعض المهتمين بشؤون وقضايا الشعر العربي ومستقبله يجدون باصرار غير مسوغ في (غموض) القصيدة المعاصرة وفي ابهامها القاصر وطلاسمها المعيبة ونخبوية التلقي القرائي المحدود جداً ظاهرة عافية شعرية فنية وضرورة عصرية تحمل مقومات السير في ركب الحداثة وما بعد الحداثة والبنيوية وما بعدها عالميا .

كما يجد بعض مثقفينا ان عصرنا الذي تحكمه عولمة السوبر تكنلوجيا والاقمار الصناعية والانترنيت والحاسوب وتفاقم تاثيرات الكارتلات الاقتصادية والابتلاعات السياسية والهضم والقضم الثقافي والضم الحضاري لشعوب غابرة في مدنيتها وقيمها الانسانية التي افادت منها البشرية في سابق عصورها وعهودها لايمكن، الا ان يكون لكل هذه المؤثرات بشكل او اخر بصمات على انماط الابداع الفني والادبي وتأثيرا مباشراً. فلهذا ولغيره من الاسباب والمؤثرات غير (المؤصلة) يمرر تبرير مشروعية فصل (الحداثة) الشعرية الابداعية وما يعقبها عن الارتباط والشد في تواصلها كبنية فكرية فوقية مفروزة عن واقع اجتماعي متردٍ ضمن سياقات اشتراطاته الذاتية –الموضوعية المتخلفة التي من ابرزها على الصعيد الثقافي عدم امكانية واستطاعة القارئ العربي حاضرا مواكبة ظاهرة التحديث الفني والجمالي ليس على صعيد تلقي الشعر المعاصر وحسب ولكن  على صعد كافة ضروب الابداع الاخرى في القصة والرواية والنقد والمسرح والفنون التشكيلية. فالمسايرة للتجديد العصري وهضم مستقبليته هي برأي ملتزميها نتاج ابداع متحقق لا يتوخى استحضار (غائية) ذات خصوصية محلية او تأصيل هوية حضارية وابراز تميزها وفي هذا الطرح ينطوي تمرير خفي واحيانا معلنا محكوما بدرء وطاة الشعور بالنقص والتخلف الابداعي السائد على الساحة العالمية ممثلا ذلك في:

1. الرغبة العربية (شعريا) مجاراة العصر والسعي لاستحصال قدرة امتلاك فعل عصري على صعيد الانتاجية الادبية والفنية الابداعية حتى لو تم ذلك على حساب اهمال السعي المطلوب لتحقيق الشعر والقصيدة العربية الجديدة فعل من نوع واقعي – تاريخي يقوم على ركيزتي التنوير والتثوير الاجتماعيين او على الاقل في عدم التخلف من الاسهام بتحقيقهما مجتمعياً. هذا الفعل يمتاز بشمولية جماهيرية، ينبجس/يتخلق عن عطاءات فكرية شعرية فنية جمالية تشمل وتمثلها مضامين ابداع القصيدة العربية الجديدة الجمالية والمضمونية في محاولة تثبيت قيم وسلوكيات ومفردات حياة تعيشها الناس،عصرية،تحديثية حضارية شاملة. صحيح جدا ان هذا ليست من مسؤوليات الشعر الجديد المعاصر لوحده مباشرة – لكن من المؤكد ان الفعالية الابداعية – الفنية ليست معفاة من الاسهام الكبير في تحقيق ذلك،ولن يكون الابداع الشعري الجمالي غير اهم الافرازات الفوقية التي تواكب مايتحقق من تقدم مادي واشباع روحي للانسان العربي في مواكبة الاساليب الحديثة المتجددة التي ستؤثر حتما في مجمل حياته اليومية واتخاذه موقفا متحضرا منها .

2. الرغبة (الثقافية) لدرء تهمة تخلف تقنية بناء أدبنا الابداعي والفنون العربية عن مواكبتها المدارس والاساليب والصرعات الحديثة الجديدة عالميا ودرء تهمة العجز المتصورة عن قصور استيعاب تركيبات مجتمعاتنا العربية بامراضها المستعصية الميئوس من شفائها للتيارات الثقافية الادبية والفنية وامكانية الافادة منها.

ان التشكيل الحضاري القائم لمجتمع ما او شعب او امة او التطلع العربي لبلوغ مشروع نهضوي كل ذلك يمثل وحدة كلية متكاملة من القيم والدلالات والافكار والممارسات التي تنظم حياة المجتمع وبالتالي تنظم علاقة الدولة اية دولة بالدول والمجتمعات الاخرى على اسس من الخصوصية والاستقلالية الحضارية تقطع بها امتدادات أي نوع من التبعية التي تذيب وتصهر تدريجيا مميزات مجتمع ما لتسهيل ارتباطه او اندماجه بحضارة اخرى ارقى تستوعبه... فالحضارة في ابسط تصور ثقافي لها هي مجموعة اشتراطات علمية وانسانية ومكونات ومواقف وقدرات ونظم اخلاقية وسلوكية عالية وليس من الصحيح ان تقاس حضارة مجتمع ما، او عصريته لامتلاكه بتفرد – ان صح التعبير- لجانب مبرز معين منفرد في جانب من جوانب  الحياة وعلاقاته،يكون هذا الجانب قائما منعزلا لوحده ولذاته فهكذا افتراضية لا وجود واقعي حقيقي لحصول حدوثها ولا وجود لاسباب منطقية تقود لتحقيق مثل هذا النوع من التمايز الحضاري او التمديني المفتعل ... فمثلا حين ازدهرت لدى الاغريق اليونانيين والرومان الفلسفة ازدهارا عظيما (سقراط، افلاطون، ارسطو، هرقليطس) وغيرهم نجد إلى جانب ذلك الازدهار تقدمت المفاهيم والسلوكيات في تنظيم الحياة الاجتماعية بغض النظر عن التركيبة الطبقية العبودية التي كانت بمثابة دستور انذاك، فظهرت اولى الممارسات الديمقراطية البرلمانية – مجلس شيوخ – كما كانت القدرات العسكرية القتالية الحربية عالية في تنظيم الجيوش والانضباط بينها، والى جانب ذلك برزت اعمال هوميروس الملحمية الشعرية التاريخية، كما ازدهرت الموسيقى وفنون النسيج والحياكة والحرف اليدوية الاخرى، كما وبرزت لاول مرة في التاريخ الانساني الالعاب الرياضية الاولمبية منذ زمن الاغريق.

الحداثة الابداعية عموما او الشعرية منفردة هي رافد حضاري لبناء تاريخي متميز احدى اشتمالاته الاسس القائمة التي تنظم حياة الافراد في كل تفاصيلها وينفرز عنها مجموعة قيم ثقافية فكرية سلوكية ادبية جمالية ومستوى جيد من الرفاهية الاجتماعية تتناغم وتستكمل باقي الاشتمالات في الميادين الاخرى...

القيم الهجينة في لبوسها الحداثة الفوقية ثقافيا ادبيا فنيا لا تتخلق ولم تنبثق عن الواقع العربي كضرورة تاريخية – حضارية في استحضار فعل تحديثي يعالج او يسهم في ازالة التخلف من المجتمع العربي ... ونحن هنا نقف على نباهة وحذر شديدين في ان لا نغفل الفارق الكبير بين خصوصية الفن والإنتاجية الإبداعية - الثقافية بكافة اشكالها كتعبير جمالي – أنساني من جهة... وبين خصوصية الفكر غير المؤطر فنيا في سمته (المباشرة) – كالأيديولوجيا والإعلام المقروء (الصحافي) –والمرئي دونما حاجته الى توصيل ما يريد الى المتلقي في (شكل فني) وجمالية تعبيرية تؤطر المضمون، وهو ما يقتل الفنون والاداب جميعها اذا ما اتسمت واعتمدت الخطابية والسرد النثري المؤدلج وتخلت عن شكلها الجمالي الفني ... المباشرة عدو الابداع الفني والجمالي والادبي الاول.

مرجعية طرح ان النقص والعيب والقصور يكمن في تطبيقات الايديولوجيا السياسية المسخ للافكار تملي على الفعالية الابداعية الجمالية امام الاصطدام بواقع يأس المعالجة (الوهمي!) امام الفنان اللجوء الى الامساك بانواع من التعويضات الفارغة الغير مجدية والتي لا معنى لها في غير اطار مظهريتها الفنية الزائفة.

تمسك الفنان او الاديب في سعيه تحقيق (فعل) تحديثي باطر ثقافية ابداعية ادبية وفنية معزولة تماما عن مهمة تاصيل الهوية وتأكيد فاعلية المتلقي وخصائص المحلية والمحيط والمجتمع، واقامة مرتكزات مادية صلبة لها يكون بذلك لا ينتسب الى (العربية) الا في شكل اللغة التعبيرية ... واكتفاء المبدع الفنان باحلال هذا الفعل الجمالي محل صيغة الفعل التعويضي الذي تضطلع تطبيقه برامج  سياسية ربما تكون صحيحة وتخدم طموحات شعبية وفي وسائل السرد المعرفي والمرئي الاعلامي السليم في مختلف الاختصاصات والفعاليات الديمقراطية العصرية الذي يتوخى تبديل كل (بنى) المجتمع واهتراءاته لكنه يؤشر قصور اسهامات الادب والفنون فيه. والفعل الجمالي التعبيري الفني او الادبي النخبوي فوقيا وان كان ضرورة في المقاييس والمعايير الجمالية النقدية الابداعية الا في (سيسيولوجيته) انه فعل يعالج قشرة الاختلالات، وسطحية التخلفات الاجتماعية بمعنى أخر انه فعل لا يتعامد رأسيا ولا يحتدم بمشكلات المجتمع الجوهرية في سعي عميق للقيام بدور تاريخي.

فعل الإنتاجية الإبداعية غير الأصيل لا يتعدى تأثيره في الأخر – النحن اكثر من رد فعل انفعالي يتخذ من الاسلوب والشكل الجمالي التعبيري ممارسة سياحية تجاه هموم المواطن وتحفيزه الى الاستثارة وقدرة المجاوزة فالفعل الجمالي التعبيري هنا هو فعل تخديري ناقص ثقافيا، اجتماعيا، وتغريبيا للمتلقي لا يؤدي الى نتيجة يعتد بها في خدمة اهداف مجتمعية ونصفه بالتخديري لانه يستهلك الذات الثقافية والحضارية ان تكون مطمحا قابلا للتحقق في التطبيق العملاني في نواحي الحياة غير الثقافية ويسعى الى ارجاء ان يصبح للهوية الحضارية المنشودة اسساً مادية تقوم عليها مستقبلا وانما يكفينا الاستهلاك الحضاري للغير الاجنبي كي تغدو التبعية الأجنبية بمرور الوقت الطريق الوحيد ان لم يكن الاختيار الوحيد لوجودنا المعاصر لعلاقتنا بالآخرين. وانتاج فعالية جمالية فنية شوهاء مزيفة انما هي انتاجية (فعل) تحديثي شكلي فقط ناقص حضاريا – ثقافيا (سيسيولوجيا تمدينياً) كونه يخرج الانسان العربي عن دائرة الهوية الحضارية الاصيلة في محليتها في مجتمع متكامل يطمح تحديث وعصرنة كل جوانب حياته حتى بوصفه وازدرائه الواقع العربي ولغته العنينة !!؟ العاجزة عن التخصيب الطبيعي المطلوب. بالامعان في او / وراء هذا التهميش الحضاري غير الجاد على صعيد الحفاظ التعويضي بفعل الانتاجية الابداعية والجمالية الشعرية المهجنة التي تروم هي لوحدها تهديم قناعات فكرية ثقافية قديمة موروثة في انجازها- ان استطاعت- مواكبة تطورات العصر الثقافية الفكرية الجمالية فبامكنها على افضل الوجوه تشكيل تعويض وهم نفساني لمجتمع عربي او اكثر لسد (عقدة) النقص التي  يستشعرها المثقف في داخله وينوء بحملها كما هو حال المجتمع العربي في المرحلة الراهنة فهو لا يمتلك أدوات مجاوزة واقعه التاريخي – الحضاري المتخلفين ورفضهما وبالتالي لا يعيش عصره . شجعت الوقوع في هذا (الخطأ) قناعة تبدو صحيحة حاضراً بحكم رداءة مناحي اوضاع المجتمعات العربية في مجملها يجعل التذكير في امكانية صحة وقابلية تحديث اخر في الانتاجية الابداعية الشعرية والفنية عموما ممكن ان تتم بمعزل عن أي نوع من الفعالية التحديثية التي يمكن ان تضطلع تحقيقها فعالية انتاجية اخرى خاصة على صعيد السياسة، الاقتصاد، الاجتماع .

ان فعل التهديم وتأسيس مرتكزات تحديث وعصرنة امتلاك انتاجية اخرى متطورة ادبيا وفنيا لن يغير من واقع التخلفات الاجتماعية شيئا اذ ما اعتبر بديلا او تجاوزا لفعل التهديم المطلوب في تغيير انماط واشكال نواحي الحياة العربية الاخرى المتخلفة التي من المفروض ان تقوم بها مؤسسات سياسية اقتصادية تربوية ديمقراطية في نقلة غير استهلاكية بالامكان استيعابها، والفعالية الادبية الجمالية والفنية ليست معفاة من الاسهام في تحقيقها.

ثمة خيار ثان فارغ يمارسه المبدع الذي يستسهل الامور هو تطاوله الوهمي والتعلق الزائف الغير جاد غير الأصيل بقناعة البعض الخاطئة لدى الكثيرين من مثقفينا وفنانينا ان استحضار انتاجية جمالية مهما تكن نواقصها وعيوبها كفيل بسد النقص الثقافي – الفني المتفاوت الغالب المتقدم غربيا نسبة الى معطيات الحداثة والتجديد في الادب والفنون الغربية الاجنبية المتقدمة يمثل انجازا كبيرا بحد ذاته على حد فهم متبنيه.

 هذا الاختيار ليس مهما مناقشته لانه باختصار شديد يضع العربة امام الحصان وبذلك يضعنا نحن في مجال دائري مستمر داخل متاهة مغرقة في التقليد والتجريب الفوضويين . مطلوب منا وعلى الدوام اذا ما سرنا مع هذا التيار ان نتحسس فيه على الدوام مواقع اقدامنا وارضية وقوفنا مخافة الانزلاق اكثر في قرارة الهاوية التي ما بعدها صعود.

ثم اذا كان التجريب التغريبي يمثل لدينا اصالة يتوجب اعتمادها لانها سمة عصرية تحكم المجتمع البشري بمجموعه بالقلق والخوف وفقدان الاستقرار .......الخ.

فان اول ما يتبادر الى الذهن ان استعمال (المجتمع البشري بمجموعه) تعبير غير دقيق علميا واجتماعيا في اضفاء الصفة الاطلاقية الشاملة عليه بهذا المعنى لوجود اختلافات لاحصر لها من اشكال القلق واشكال الخوف وفقدان الاستقرار والضياع والفقر والتخلف والجهل والقمع والاضطهاد وامتهان كرامة الانسان وبيع حقوقه في مزاد المضاربات السياسية بانواعها واشكالها ...بين مجتمع واخر او بين مجموعة مجتمعات وأخرى وهذه المآسي اشبعت تنبيها لها من قبل العشرات من مفكري العرب ودول العالم الثالث... فهذه الاختلافات لا يمكننا اغفالها حتى داخل المجتمعات العربية كلا على حدة وتأشير التفاوت الكبير في مابينها ... فمثلا عند دراستنا مقارنة او ملاحظة قلق وخوف وفقدان استقرار وضياع وتمرد ورفض انسان اوربي مثلا لا رابطة له ولا وجه مقارنة معه من خوف ورعب رجل الشارع العربي البسيط من بطش شرطي الحكومة والنظام...ان لم يكن الباسه تهمة معدة سلفا يقتضيها التحقيق او يحتمها استشراء الفساد الاداري والرشوة !! وبين خوف الرجل الغربي من امكانية خطأ- وسوء استعمال الاسلحة النووية وانتشارها – هنا اقصد خوف الانسان العادي – وليس برمجة الدول النووية لخدمة اهداف سياسية عسكرية لكيفية الهيمنة والاستئثار بها برعب البشرية وتهديد مستقبلها بالفناء، وكذلك خوف وقلق الانسان الغربي من تلوث البيئة وشحة المياه العذبة، وارتفاع درجات حرارة الارض وكوارث طبيعية وامراض مستعصية ...الخ ومثال اخر ايضاً لا تصح المقارنة من عواقب ظاهرة البطالة لدى الاوربي المكفولة بطالته بمساعدة الرعاية الاجتماعية في ان تجد لها مشابهات عندنا من خوف وقلق وقتامة النظرة الى المستقبل لدى صاحب الشهادة العلمية الجامعية من البطالة او البطالة المقنعة حين يعمل سائق تاكسي مثلا، ومتى يكوّن اسرة او يتزوج ...وامثلة اخرى لا حصر لها.

من جانب اخر نحن ننطلق من افتراض التأزم الحضاري الاوربي الامريكي على وفق مقاييس ومعايير فرض خصوصيات ما نتمناه ان يتحقق مستقبلا ونحن عزّل من اية مؤهلات علمية حضارية تنافسية توازيها او تسبقها. .. ورفضنا لازمة الحضارة الغربية لاسباب خاصة بنا ليست كافية لتحقيق رغباتنا من جهة، ومن جهة اخرى فان رفضنا السلبي الاعزل هذا لا يطابق الرفض او القبول من لدن الانسان الاوربي تجاه ازمته الحضارية كونه ينطلق في تازمه الحضاري من معطيات واصول ثقافية واجتماعية واقتصادية تختلف عنا جداً... وهي ايضا معطيات مجتمعية او قيمية او معيارية وطرق واساليب تفكير ترفض او ربما تتقبل ذلك التأزم الحضاري الذي يعيشه الانسان الاوربي تفصيلا ويعرف مسبباته التي يدركها عموماً ان لا تقصير لحكومته في معالجتها... كما انها خارجة عن يدها من الامساك بمسبباتها لذا فهو يتقبل وطأة أزماته المنوعة كنتيجة حتمية لابد من وقوعها وهذا القبول يكون تعويضاً لامتيازات عالية في قيمتها الانسانية في مناحي اخرى لمكونات حضارية غربية متقدمة فالازمة المالية العميقة التي ضربت امريكا والعالم بدايات القرن الحادي والعشرين وتداعياتها على جميع دول العالم فهي لم تلغ ولن تلغي النموذج المعيشي الامريكي والاوربي من حياتهم.

كما ان هناك إدانتنا لظواهر ليست مفروزة او ناجمة عن واقعنا الذي نحياه الا بمقدار استيرادنا لبعض تلك الظاهرات وخلعها وإلباسها مجتمعاتنا العربية... ثم تأتي بعد ذلك ادانتنا لها مجاراةً لمنطق العصر في ادانته لها... ومن التنويه او الاشارة التي ليست في تلك الضرورة المهمة كونها بديهية وسمة يومية في حياتنا ان هذا لايعني ابداً ان ليس لدينا خوفاً او قلقاً ولا عصابا نفسانيا ولا بطالة بكافة اشكالها ولا تخلفا بشتى مستوياته وانواعه، ولا مستقبلا مجهولة نتائجه...فهذه مسألة اخرى اشبعت كتابة عنها من لدن مفكرين عرب فضحوا فيها المحرمات في تبيان مظالم مجتمعاتنا العربية التي وصل بعضها حد الاشباع والاحباط الميئوس منه ...

فأزمة الانسان الاوربي المعاصر المسكون بالقلق المصيري عن معنى الحياة والوجود الانساني الذي استوردنا الحداثة  عنه وتحمسنا له اكثر منه ونظرنا اكثر مما هم كتبوا عنه... انما كان ذلك القلق ازمة مجتمعات بكل مفرداتها و أفصاحاتها ومعانيها وتياراتها ماديا ومعنويا (نفسياً) اجتماعيا وثقافيا انما هي افرازات مجتمعات في مراحل متقدمة جدا من التطور التقني المرعب – لا اقصد مرعب عسكريا فقط – والاغتراب الوجودي والقلق والضياع والسأم والإحساس بتفاهة الحياة اليومية ولا مغزى ولا غائبة الحياة برمتها... جميعها مفردات إنسانية تختلف كليا عن ظواهر الخوف والقلق من المستقبل التي يتحسسها الإنسان العربي والبلدان والمجتمعات العربية... وهذا لم يعد عليه اختلاف ولا وجود لاجتهاد جديد فيه... فالإنسان المأزوم حضاريا في المجتمعات الغربية هو غيره الإنسان العربي المأزوم عصرياً في المجتمعات العربية من حيث اختلاف المعيارية والقياس، والأسباب، والدرجة، والنوع، وليس مسألة ذات أهمية كبيرة الاختلاف حول وجود تأزم حضاري أو عدم وجوده... فالأزمة الحضارية تضرب كل مجتمعات العالم اليوم تقريباً.

 

علي محمد اليوسف

.....................

الهوامش:

(1) د.نبيل علي، العقل العربي ومجتمع المعرفة، سلسلة عالم المعرفة، ج 1،ع369، ص 211

 

في المثقف اليوم