قراءات نقدية

البعد الإسكاتولوجيّ في نصّ للشّاعر التّونسي يوسف الهمامي. لمحة نقديّة

madona askarعندما نهض ..

ترك نصف بسمته على الطّاولة

خبّأ النّصف الآخر للقاء لن يأتي ..

"وجهك طليق ملامحي" (يوسف الهمامي)

يستخدم الشّاعر في هذه السّطور القليلة ذات الدّلالة العميقة على لقاء قائم، ضمير الغائب (هو) الّذي يعود إلى الشّاعر نفسه. وإن لم يلجأ الشّاعر إلى ضمير المتكلّم (أنا) فليروي حالته بمعزل عنه، أي بمعزل عن الواقع. فالشّاعر لا يروي حدثاً خارجاً عنه، أو ينقل واقعاً يساعده. بل هو يدلّ القارئ على رؤاه الشّخصيّة في حالة يدور في فلكها. دلّت عليها (نصف بسمة) العبارة الّتي شكّلت الحالة الرّؤيويّة الّتي تدلّ على النّقص من الكمال. وستكتمل هذه العبارة بـ (النّصف الآخر للقاء لن يأتي).

إن دلّ فعل النّهوض على أمر، فهو يدلّ على القيامة، من التّعب، من الألم، من الانتظار، من الموت... لكنّه، بأيّ حال من الأحوال، يشير إلى لحظة حركيّة تنبئ بتحقيق إرادة الكمال. (ترك نصف بسمته على الطّاولة).

إنّه اللّقاء الأوّل المفترض الّذي ينقصه اللّقاء الحتميّ الكامل. والبسمة عنصر الرّجاء الّذي يظهر فرح اللّقاء من جهة ويحجب من جهة أخرى حزناً لطيفاً يترقّب لقاء لن يأتي. وبين عنصر الرّجاء (البسمة) وعنصر الحزن (لقاء لن يأتي) تتبيّن ملامح اللّقاء النّهيويّة. فالشّاعر يخبّئ كمال البسمة للقاء حتميّ غير محصور بالزّمان والمكان، إنّما بالحالة العشقيّة الّتي تبدو أكثر واقعيّة من الواقع.

نصف بسمة هنا، ونصف آخر هناك. النّصف الأوّل متروك على الطّاولة كإشارة للقاء يتّسم بتباعد مكانيّ وزمنيّ يشهد قرباً بالقوّة. وأمّا النّصف الثّاني فمحفوظ للانصهار الحتميّ في لقاء بالفعل له بعد إسكاتولوجيّ، يشير إلى نهاية الواقع العشقيّ الحاليّ والتّوحّد بالمحبوب.   

 

في المثقف اليوم