تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قراءات نقدية

رومانسية الخطاب الشعري في مجموعة: على قيد حب للشاعرة لمياء الطائي

1206 taeiإنَّ اللغةَ الفنيَّةَ أداةُ توصيل، وتعبير، وتحديد هوية، فلا يتفكَّر بها من تعتملهُ هواجسُ الشعر المُترفة بالأحاسيس والمشاعر، أو يستحضرها عن قصد وطبيعة، فهناك بنية خفيَّة تحكم ظاهرَ الكلام، وتجعل منه نشاطاً فرديَّاً ذا صفةٍ جماعية قادرة أنْ تؤدي رسالةً محددةً ومفهومةً للآخَر .

واللغة الفنيَّة لا ترتبط بالواقع ارتباطاً وثيقاً، أوآلياً، إنَّما ترتبط ارتباطاً جدلياً بين الذاتِ والموضوع، إذ لاتفاضل بين العمل الفني واللغة، فدور الفن " أنْ يرميك في أتون الحياة لحظة يحدِّثكَ عن الموت، أو يكشف عن واقعٍ أفضل وأبهى، فيما يحدّثكَ الأليف لا دوره وحسب بل سِرَّهُ أيضاً، السرّ الذي يميِّز الأعمال الأدبية والفنيَّة العظيمة ويطبعها "، وهذا هو معنى الإرتباط الجدلي بالواقع مع لغة الفن .

وشاعرتنا لمياء الطائي تعبِّر في مجموعتها الشعرية (على قيد الحب) عمَّا يعتملها بلغتها الأدبية التي امتازت بسلاسة المفردات ورقرقتها، فقد مثَّلتْ صورةً صوتيةً لشعورها، فتزيَّنَ شعرها بصورٍ تنسجم والمعاني التي حملتها مفردات قصائدها، وهي تقدمها ترانيمَ عشقٍ، تخالج أرواح وأذواق متلقيها .

ولعلَّ في قصيدة (شهلاء)، نجدها تمازج بين الصوت والصورة، واللفظ والمعنى، بشهادة الحروف التي منحتْنا أنْ نقرأ ذلك الانسجام الخميل، فهي تقول :

كلّ النساءِ

حين يكتبنَ لك حمقى،

كلّ امرأةٍ تدخلُ مزاجَك

تخلِّفها ذكرى،

أمَّا أنا لي مزايا التغزُّلِ

بصوتِكَ، بوسامَتِكَ، بحضورِك .

نراها في تلك السطور تعكس صورة الحشرجة في صوت الكاف، حينما تتحدث عن غيرها من النساء المنافِسات لها في الاستيلاء على قلب الحبيب في الأسطر الأربعة الأولى من النص، إذ تبتدأ به، بوصفه صوتاً يتعايش مع ألفاظ الكدر، والكذب، والكفاف ...، ثم  تكرره ؛ لتمنح المعنى تأكيداً، وحينما تصف ذاتها في السطرين الأخيرين من النص نجدها تهمس بسلسلة من الأصوات ذات الوقع الشفيف، فصوت الميم وردَ خمس مرات، وصوت التاء وردَ أربع مرَّات، وهما من أصوات الهمس، وتخللتهما أصوات الصفير (السين والزاي والصاد) ؛ لتمنح دلالة التغني بأنوثتها، وترف حضورها الجاذب للحبيب . بينما صوت الكاف أوردته بنهايات كلمات التغزل (صوتك، همسكَ، وسامتك) ؛ لتعلنَ نصرها على منافساتها اللاتي اتسمن بدلالة الكاف، مومئةً لمواقعهن في نهاية الركب .

ويبدو أنَّ شاعرتنا خبرتْ لعبةَ الشعر، إذ نراها تزاولها بعذوبة أحاسيسها، وجمال مشاعرها، فالشعر لديها " لايتشبَّه بالواقع سواء أكان ظلاماً أو نوراً، أي إنَّه لايرتبط به آلياً، إنَّما تأخذهُ ككل، وتنفذ من معانيه ودلالاته وأبعاده، حيث تتشابك " الكبوةُ والصحوةُ، العتمةُ والضوء، الجمود والخلخلة، السكون والحركة، الحب والكره في حركةٍ دائمةٍ من التحوِّل الدائم، وعلى الرغم من وضوح دلالاتِ قصائدها، لكنَّها أخذت معانيها من موفور أحاسيسها التي شاعت برومانسية عالية من العشق الأنيق، وهي تتطوَّف في عوالم باذخة بالسحر والجمال ؛ لتجعل من متلقيها يعيش نشوة الحب مع طيوف محبوبته التي صوَّر طيوفَها له خيالُ شاعرتنا أنيقة المشاعر .

وقد نجد الشاعرة قد اتكأت في بعض قصائدها ؛ لتمازج بين رموز الحبِّ عبر التاريخ، ومنها قصة ليلى ومجنونها قيس ؛ لتفيد من عمق تجربة الحب الذي دهمهما، فهي تقول :

فأنا طالعةٌ من سلالةِ

ليلى العامرية .

لا أُهدي قلبي إلَّا لرجلٍ

يحترفُ عشقَ قيس

وروحَه الجنونية .

فنراها تربط حب ليلى الذي يمثل صور السلام والحياة الحرة الكريمة بامتداده إلى يومنا هذا ؛ مؤكدةً ذلك بقولها : (فأنا طالعةٌ من سلالة ليلى العامرية) .

كما نجدها تتناص مع القرآن الكريم لاسيما سورة يوسف، مستحضرةً قصة زليخا، لكنها تعكس مراودة زليخها ليوسفها، فهي تراود قلبها؛ كي لايشتط كثيراً وإنْ كان حبُّها قاتلاً، فهي تقول في قصيدتها (حصحص الشوق) :

أم ما زلتُ في السُلَّمةِ الأولى من العشق ؟

بصوتٍ خفيٍّ همسَ لي :

حصحصَ الشوقُ

فراودْتُهُ عن قلبي

لأنَّ من الحبِّ بي ماقَتل .

ويبدو أنَّ حبَّها تشكَّل بمرموزات متنوعة لاسيما للوطنِ، فهي تنتقد السياسيين وهم يزرعون شتلات الحزن في القلوب الذي جعل النفوسَ الحزنَ نفسه ؛ لما يحصل من فتن وحروب أهلكتْ الحرث والنسل . إذ تقول في قصيدتها (سيناريو جميل) :

نحن لَسنا شعباً حزيناً

نحن حزنٌ يسافر داخلَ قلوبِنا،

غربةٌ تغفو داخلَ أرواحِنا،

ساسةٌ يمزّقون أوصالَنا،

مستقبلٌ يتخاذلُ مع شهواتِنا،

ياسمين يُذبح على عتباتِنا،

ومازالتْ اللعبةُ قائمةً

وما زالوا يفتّشون عن سيناريو جميل .

إنَّ شاعرتنا في مجمل قصائدها، نراها قد توشَّحت بوشاح الحياة التي ترفل بعذوبة الجمال والانبعاث، وهي ترقى لقلوب الناس أملاً وحبَّاً وسلاماً،

فمجموعتها الشعرية تمثل دعوةً للسلام ؛ لأجلِ أنْ يشعر الإنسان الحاضر بإنسانيته، فيوجِّه مشاعره وأحاسيسة تجاه الآخرين، وشاعرتنا آثرت أنْ تزرع بذارَ الحبِّ في منعطفات الأدغال .

 

بقلم د. رحيم الغرباوي

 

في المثقف اليوم