قراءات نقدية

قراءة في رواية: المخبر السري لسالم بخشي المندلاوي

في رواية سالم بخشي المندلاوي ستجد لؤلؤ الإبداع ثم المخبر السري

"الحرية فقط لا غير تَخَيَّل ذلك يا له من طبق رائع للمحرومين!"١٤

المخبر السري رواية التقطت صورها وكتبت حروفها بكاميرا وأقلام الفنان والكاتب والصحفي الكردي سالم بخشي المندلاوي

رواية من القطاع المتوسط في ٢١١ صفحة صدرت طبعتها الأولى عام ٢٠١٤ عن دار الثقافة والنشر الكُردية - بغداد

أهداها إلى كل من حُبس أو عُذب أو قُتِلَ ... أو جرت عليه بعض أو كل هذه الأدوار ،بوشاية المخبر السري البغيض ... أينما كانوا وفي أي زمان عاشوا.

الرواية انقَسَمَت على ثلاثة فصول وكل فصل على أرقامٍ وشخصيات مُتَعَددة بالتناوب ما بين أهم شخصيات الرواية وهم ثائر الطويل الذي كان يبحث عن المخبر السري الذي تسبب في اعدام والده وعمه سابقًا في الثمانينات من القرن الماضي، وعفاف الانكليزية والدة ثائر لقبت بذلك لجمالها المفرط ، وأخيرًا منخي مطشر عم ثائر تَزَوَّجَ عفاف الإنكليزية ليتكفل بتربية ابنها بعد أن قام بإجراميات متعددة من التسبب بقتل زوجته الأولى فضة ليكون قدرًا ينهي حياتها كما فعل مع والده مطشر كل ذلك للاقتران بعفاف أرمله الأخ المتوفي قاسم بحجة الاعتناء بابنها محاولاً احتلال قلبها لكنها أبت وبقت مخلصة لحبيبها الأول والأخير قاسم والد ثائر المتوفي.

كان الروائي سالم بخشي في الرواية أقل معرفة من الشخصيات للأحداث فلم يعرف ما يجول في نفوسهم ولم يمكنه النفاذ إلى أعماقها بل وكل عملية سرد الأحداث لشخصيات روايته وهو ظل كعين الكاميرا المتحركة ينقلنا من شخصية إلى أخرى وهو بذلك كان شاهدًا لا أكثر دون تدخلات وتحليلات وتأويلات لما يجري ترك مساحة للقارئ ليتفاعل مع الأحداث.

إذن تعددت الرواة ابتداءً بثائر الطويل فعفاف ثم منخي.

وقضية تعدد الرواة تأخذنا لمحور آخر وهو تعدد البطولات في الرواية فهو لم يكتفِ ببطل واحد كما هو المعتاد في أغلب الروايات العراقية بل الشخصيات الرئيسة كل منهم أخذ دور البطولة بإتقان ثائر ومنخي وعفاف الانكليزية.

وتعددت الشخصيات الثانوية حيث كانوا يعملون لخدمة الشخصيات الرئيسة وسد الفراغ في الرواية مثل آزاد الكردي و سعدي الثرثار وجبوري والحاج شوكت ونبيل الكربلائي وشيماء ووالدتها وغيرهم.

عنصرا التشويق والفضول كان لهما حضور في سرد الأحداث بحيث لا يقرأ القارئ صفحة إلا ويزيد فضوله وتشويقه للأحداث أكثر.

كثرت الاسترجاعات في الرواية عند الشخصيات الرئيسة فكل منهم كان يسترجع ماضيه البعيد والقريب بطريقته واسلوبه الخاص.

يقول منخي الادبس:

صبيحة خانم هكذا كان يُناديها أبي يشبهها بالسيدات الأتراك الجميلات.

لازلت أتذكر يومها الأخير معنا قبل أن تفر إلى المجهول وتترك كل شيء خلفها بلا رجعة! ١٢٠

لجأ أيضًا إلى تمهيدات أو استشرافات خادعة والتي تكون غايتها تضليل القارئ مفاجأته وانموذج لذلك:

أستاذ خالد هذا كان أحد أساتذة إعدادية قتيبة التي كُنّا نُدَرّس فيها ورغب في الارتباط بي حال ما شاهدني غير اني فَضَّلت قاسم عليه ،الأمر الذي أثار حنقه فكاد المكائد ضدنا حتى أنني أشك ،بل أجزم قاطعة بأنه هو من يقف وراء مأساتنا في فقدان رجالنا. ١٠٣

ذهبت كل التوقعات لذلك فالقارئ بانتظار ذلك حقًا هذا الأستاذ هو الفاعل إلا أن الراوي لعب لعبته وخدع القارئ بطريقة ذكية ليفاجأه إذ ان المخبر السري ليس إلا "المسخ" أو "الشيطان" كما كانت تنعته أم شيماء وهنا كانت المفاجأة كبيرة غير متوقعة.

أما عن الخلاصة فلها مكانة كبيرة في الرواية تلخص لنا عفاف حياتها بأسطر:

لقد مر على زواجي من منخي الآن أكثر من ثمانية عشر عامًا وقد تَزَوَّجَني بعد مرور عامين على اعتقال واستشهاد أخيه قاسم.٣٧

كثرت الحوارات ما بين الشخصيات منها الحوار الخارجي وانموذج لذلك حوار ما بين عفاف وجارتها:

- مساء الخير أم ثائر.

- أهلاً حبيبتي أم شيماء ....مساء النور

هي باستغراب:

-أجدكِ باكية؟!

ثم واصلت بنبرة مزاح ملاطفة للتخفيف عني:

-من هذا الشقي الذي تجرأ وأبكى جارتي الحلوة وجعلها تذرف الدموع من عينيها الزرقاوين الكبيرتين؟

-ومن يبكيني غير ولدي ثائر.٢٩

والحوار الداخلي ((حوار احادي الإرسال تُعَبّر فيه شخصية واحدة عن حركة وعيها الداخلي)) كما في حوار ثائر مع ذاته:

رباه هل يعقل إني أزمت حياتي وحياة أهلي وأحبائي وأصدقائي طوال السنين المنصرمة دون فائدة هل كنت أعيش أكبر أوهامي ...هل كنت أخدع نفسي أم نفسي هي التي تخادعني وقد كنت معتقدًا بل متيقنًا بأني سأعثر على الواشي خلال أيام من سقوط الصنم أيام معدودة ليست إلا؟!.............١٣٠

للمناجاة والدُعاء حضور في الرواية وإن كانت بعض الروايات الحديثة العراقية تحاول ابعاد الطابع الديني في روايته واهمًا بأنه نقطة إيجابية لنجاح الرواية ولكن -برأيي- لابُد منهم مراجعة روايات العمالقة ولاسيّما دوستوفيسكي الذي كان يحرص على تزيّن رواياته بأبعاد إيمانية روحانية

كما حرص الروائي سالم على ذلك فنقرأ في الفصل الأخير من روايته:

اللهم بحق حرمة صاحب هذا المقام الرفيع سَيّد شباب أهل الجَنّة إلا ما فرجت هَمّي وكشفت ضري ودليتني على الواشي الذي حطم حياتنا... ١٤٩

أو في كلام عفاف تناجي ربها :

إلهي أنتَ تعلم ماذا يعني لي هذا الصبي.. إنه النفس الذي أعيش به أنه بقية الحب الذي أعيش من أجله فإذا ما أصابه مكروه فسأموت جزعا عليه.٢٨

كما انه كثر الوقفات الوصفية في روايته كما في المثال الآتي في قول عفاف:

كان منخي بشع الخلقة بشكل لا يمكن تخيله إلا في شخصية المسخ الواردة في رواية فرانكشتاين!

كان عظيم الجثة كأنه مخلوق بدائي يظلع في مشيته نتيجة حادث عمل قديم يحمل رأسًا كبيرًا قد نفر منه شعر قنفذي كثيف رمادي اللون رست في وجه الادبس ملامح عشوائية لا تناسب بين أجزائها فملامح الجهة اليمنى منه تبدو أضخم من ملامح الجهة اليسرى واعتم سحنة وكأنها قد اقتطعت طوليًا من وجه شيطان رجيم والتحمت بوجهه لتزيده قبحًا وشناعة على ما فيه أصلاً من قبح فبدا مسخًا رهيبًا! ٣٧

نستنتج مما سبق إن الرواية كاملة فكرة ومضمونًا وسردًا فالقارئ سيجد فيها لؤلؤ الإبداع قبل المخبر السري.

 

آشتـــي كمـــال

 

 

في المثقف اليوم