قراءات نقدية

كيفية نسج النص الكتابي؟.. قراءة في لذة النص لـ(رولان بارت)

يكون النص الكتابي بمثابة هوية ناطقة لكاتبها اولاً، ومحاكاة قضية معينة ثانياً، وتختلف ذائقة كل كاتب وروائي وقاص وشاعر ...الخ، تبعاً للظروف المحيطة بذاته، وبموقعه الجغرافي، فالفضاء الكتابي يمثل احد العوامل الأساس في تميز المتن الكتابي، وقراءة نفسية مؤلفه، فاذا اصابه متلازمة نفسية بسبب اضطرابات ذاتية (داخلية) وخارجية، تكون سيميائية مباشرة لفهم الخلل النفسي في مشاعر وعواطف كاتبه.

نهض (بارت) لكتابة مؤلفه ونسج سلسلة افكاره، عن طريق المتلازمتين (الداخلية، والخارجية)، وفسر المتلازمة (الداخلية) ترتبط بالكاتب فقط من دون مؤثرات خارجية، اما (الخارجية) ترتبط بالظروف الداخلية والخارجية، واضطرابات الوضع البيئي والسياسي، والأزمات التي تحيط بالشعوب، هذه عوامل تؤثر بصورة طبيعية على نوعية الكتابة؛لأنها-الكتابة-تكون في مثل هذه الظروف خادمة لغايات عدّة، وتنتقل من كتابة شخصية الى كتابة عامة؛لأن النص" لايقع تحت الوعي الحسن (والنية الخبيثة) للسخرية (للضحك الخارجي، ولا للهزء) الذي يثير الضحك..."، اي بمعنى أن النص خادم لامخدوم، وظيفته تصدر بوعي ويقع على عاتقه حل ومناقشة قضايا تبتعد عن مسوغات لاتنتج فائدة، وهذا مااكد عليه-بارت- مراراً عندما نادى بقضية (موت المؤلف) التي انحصرت في مفهوم تحرر النص من مؤلفه.

ركز ايضاً على قضية جوهرية وهي توفر عامل اللذة والمتعة في الكتابة، وركز على قضية (اللذة)؛ لأنها جوهرية في جذب القارىء وازاحته عن الملل؛ لأن " نص اللذة : هو النص الذي يرضي، فيملأ، فيهب الغبطة .أنه النص الذي ينحدر من الثقافة، فلايحدث قطيعة معها، ويرتبط بممارسة مريحة للقراءة. وأما نص المتعة: فهو الذي يجعل من الضياع حالة، وهو الذي يحيل الراحة رهقاً ولعله يكون مبعثاً لنوع من الملل"، ولايحكي نص اللذة الملذات.

وناقش قضية النص المفتعل الذي لايحمل لذة" فإن النص المحبر(أي اللسان الذي ينتج نفسه وينشر تحت حماية السلطة) انما هو لسان مكرر دستورياً. وعلى هذا، فإن كل مؤسسات اللسان الرسمية، انما هي الات لتكرار القول مراراً: فالمدرسة، والرياضة، والدعاية، والكتب، والاغنية، والاخبار، تعيد دائماً قول البنية نفسها، والمعنى نفسه .كما تعيد غالباًقول الكلمات ذاتها: ذلك لأن القالب القولي المكرر إنما هو صنيعة سياسية، وهو الصورة العظمى للإيديولوجيا"، بمعنى تحرر النص من القوالب الجاهزة؛ لأنها زوايا ضيقة لاتفتح افق النص لمناقشة الواقع، أنما تفرض قيودها-القوالب-على النص وغلقه، ومن ثم يتحول الى اسير كخطابات (السياسة، والمدرسة...الخ).

وحصر (نص المتعة)، بإنه ليس النص الذي يروي المتعة، أي بمعنى أنه يبحث عن نص يحمل معنى وهدف وغاية، بشرط أن لايكون مقفلاً يحتاج الى وعي نقدي عالي لفهمه وفك شفراته، انما نص يستطيع القارىء بنوعيه (العادي، والمثقف) فهمه، وبشرط أن لايكون سهل ممتنع ايضاً، انما تتخلله اشارات هادفة بلغة ايديولوجية مفهومة، تبتعد عن المعجم اللغوي لفهما، وهذه كلها ترتبط بشرط توفر(اللذة، والمتعة)، لجذب القارىء الى اكماله، وازاحته عن الغموض والتورية المثقلتين.

مما تقدم يمكننا تلخيص فكرة (بارت)، في انه نادى الى توظيف الكتابة بلغة تبتعد عن الرتابة والتعقيد، وفي المقابل توفر كتابة مثمرة تحاكي قضايا وتناقشها وتقدم تحليلات لها بشرط مزجها باللذة والمتعة، بغية عدم الملل ؛لأن الحشو في النصوص من دون توفر عامل اللذة مؤشر لترك المؤلف وعدم اكماله، وانا انظم الى بارت في هذه القضية ؛لأنه في الكثير من الأحيان اقرء مؤلف بكمية مثقلة لكنني لااشعر بالملل ؛لأن مؤلفه وظف الذكاء في كتابته عندما مزج اللذة لأكماله ومزجها بالمتعة، وهناك مؤلفات صغيرة الحجم لكنها مبعث لـ (الملل) مما يضطرنا الى تركها وعدم اكمال قرائتها.

 

بقلم: وسن مرشد

 

في المثقف اليوم