قراءات نقدية

ماهية القوة فى شعر منير مزيد

احمد عزت سليمعندما تنطلق الروح المبدعة بعمق واتساع تاريخها وفاعلياتها فى الحاضر لتشكل لحظتها الكلية الحاضرة بجماليتها اللغوية والدلالية والإيقاعية والخيالية وجماليات المفارقة، وهذه الحركة الشاعرية الدينامية الآتية عبر التاريخ والمتراكمة والتى لا تتوقف فى الحاضر ولكنها تتشكل معه بصورة كلية تعبر عن رؤى الذات المبدعة، وتسير نحو المستقبل لتساهم فى تشكيل الواقع الجمالى الجديد والمتجدد وتلك الخصيصة هى من أهم ما يتمييز به إبداع الشاعر المقاوم منير مزيد الذى امتلك بقوة ذاته المبدعة سحر الكلمة والصورة والرمز الكلى المركب فشكل بهم تمرده الفكرى ومغايرته الإبداعية وتفرده الدينامى الذى اتصف بامتلاك ديمومة التغيير ورفض التكرارية والتبعية بكل جوانبها المتعددة أجتماعيا وسياسيا وسلوكيا والمركبة راسيا وأفقيا، ولتنطلق البنى الكامنة بكونها ماهية القوة فى إنتاجه الإبداعى كتيار حى وليس كوحدات منفصلة عرضية جانبية أو هامشية بكونها آتية عبر تراث عميق دافعة ذاتها نحو التطور ونحو المستقبل باعتبار انها تمتلك الدافعية التى تسير ذاتها عبر تاريخ الإنسان السحيق بعلاقاته وعناصره وعملياته المعقدة الأنساق والمتشابكة النظم والمتداخلة الإشارات والمشتعلة الأمل والتطلعات والهواجس، وهذه الدافعية التى لا يمتلكها فحسب المبدع الشاعر منير مزيد ولكن شكلها وكونها من تاريخه الإبداعى والفكرى المقاوم للتردى المحيط به، إنها الوعى السائر والمنطلق من هويته بتاريخها الميلادى والوراثى والتجربة الذهنية بتاريخها المتوارث وبكونه ناشطا ونشطا وسائرا ومنطلقا بدينامية لا تنقل فحسب الأصوات والصور والأفكار والحركات الأحجام واللون والضوء والرائحة والإحساس والشعور واليقظة والزمن والمكان والمسافة والامتداد واللذة والألم والسبب والاحتمال والعلاقة فحسب لكنه أيضا يخلق التفاعل بينهم فى علاقات لا متناهية ومن خلال الدماغ البشرى الذى تسيطر ميكانيزماته على الأنماط السلوكية المعقدة مثل الانفعالات، وبكونه مجسم الأبعاد والمحتوى والإنتاج منحفر فى الذاكرة المبدعة يتمييز بالديمومة معبرا عن نفسه ومن خلال إبداعه المتمييز ليشكل خصيصة وعيوية تتمييز بالإستباقية والاحتمالية وكقاعدة للوعى البشرى، وبكفاءة فى مواكبة التطور واستباق المستقبل وما يمتلك هذا الوعى لدى الذات المبدعة من انطلاقية تتمييز بامتداد عميق له جوانبه الجوانية الباطنية الخفية والمطمورة والمكتومة والمستورة والخاصة داخل الأعماق السحيقة للذات البشرية وللذات المبدعة لتمتد الانطلاقية إلى تحقيق الذات المبدعة بروحانية قادرة على علي التحدي والجدل والحدس والاستبقاق والتحرر والإبداع والاستشراق والاستشراف والإنارة ليشكل الوعى بهذا التركيب البنائى ماهية القوة المبدعة، وبمقدار كون هذا الإبداع متجدداً ولا مجال به للنقل والاتباع فلا يفرض علينا شعوراً بالضيق أو الزهق أو إحساسا بالرجعية وإنما تتحرر أنظمته الدلالية والصوتية من إسارها القديم وتجربتها السحيقة القدم لتصير بكل هذا حية فينا كما تصير بكراً وهى تلامس الواقع من جديد فتنشأ إنتاجية جديدة للقراءة فى واقع مغاير، وهكذا يتفوق النص على المعتاد الشعرى بكليته الصوتية الإيقاعية والدلالية التصويرية وكما نرى فى قصيدة " وُلِدَ الْمَسِيحُ فِي أَرْضِ كَلِمَاتِي" وحيث تتشكل الجدة المبدعة فى العنوان الذى يمثل الأرض/فلسطين التى عليها الميلاد وبها ومنها الكلمات/الرؤى التصويرية الكلية والفكرية المضمونية للذات الشاعرة والتى يتدفق منهما المغايرة المبدعة :ــ

إِنِّي أَرَىٰ سَمَاءً حَمْراءَ مِنْ دَمٍ وَطِينٍ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الْبَحْرِ

تَقُصُّ عَلَىٰ الشَّجَرِ الأَزْرَقِ أَسَاطِيرَهَا الْمَيْتَةَ

سُرْعَانَ مَا تَلْتَجِئُ إِلَىٰ صَوْتي

يَتَدَفَّقُ صَوْتي مِنْ يَنَابِيع الإِلْهَامِ مَاءً يسْقِي عُشْبَهَا الْأَبْيَضَ

يَجْتَاحُ أَعْمَاقَ الْغَيْبِ وَيهْدِمُ أَسْوَارَ الْخَيَالِ

وَبِتَعْوِيذَةٍ مِنْ تَعَاوِيذ النُّورِ تَفْتَحُ لَهُ الحَديقَةُ السِرِّيَّةُ أَبْوَابَهَا

وليمثل هنا حضور النص المغاير من خلال البناء الدلالى والتركيبى الجديد للكلمات المستمدة من الواقع وتراكماته السحيقة زمانيا ومكانيا رؤى جديدة متحررة من الواقع بمركباته البنيوية السائدة ومعبرة عن حريته التى يمتلكها فى التغلب الركود والسكون سعيا وراء الكشف والنبوءة نحو تحقيق الحلم بالثورة على الواقع وكما يتفجر المشهد الدلالى فى قصيدة " رقصة البجع الأزرق الأخيرة ":ــ

حبيبتي

تتقطرُ موسيقى الحلمِ الصامت من زهرة الخلق

على أجنحةِ الغروب

يعبر الطوفانُ إلى فمِ الرغبةْ

تتهدم الأرض والسماء في جسد حكايتنا

ولتشكل النصوص الشاعرية "الحرية الإبداعية" لدى الشاعر المقاوم منير مزيد من مقدرته على الانتصار على الأضداد والمتناقضات لتحقيق دلالات ومعانى النصوص فالصورة الشاعرية رغم جدتها الفائقة المغايرة للسائد الشعرى المتداول إلا أنها تؤكد على أن يكون الأنسان حرا مقاوما شديد الوعى بالواقع وبتراثه المقاوم ليخلق منهما المغايرة الجمالية التى تستحوذ الواقع وتقاومه وكما يبين النص الجمالى المغاير :ــ

آه أيها الضوء العابر بيني وبين الله

لا تزال حكايات السحر تذرف دموع الرغبة في قلبي

وخيالي لا يكف عن سرقة النار المقدسة

حتى تصبح القصيدةُ حديقةً سماويةَ

أكبر من الكون

أعمق من الصمت

أكثر تمردا من الماء والخيال

وأشهى من الأنوثة

ومن هذا النموذج الشاعرى يتضح كيف للذات الشاعرة المبدعة البناء والصوت والدلالة فى علائق بنائية جديدة بحيث تكشف عن مزيد من العلائق التى تفكك قوى البقاء والتشبث واستمرارية النمطية، وتبنى قوى التغير والتجدد الإبداعى المتكاثر والمتوالد بإنتاجية إبداعية بعلائق وظيفية جديدة تعبر عن إبداع الذات الشاعرة وعن ديمومة التغير .

ومن هذا المنطلق تقف ماهية القوة الكامنة فى النصوص الشاعرية للشاعر المقاوم منير مزيد لترد الإنسان إلى قوته وتجعل من الناص والنص ترسانه معرفية مسلحة بالإبداع بقيمتها الخاصة والفريدة التى يشكلها الانزياح الكلى والمطلق عن الواقع إنطلاقا نحو المقدرة على التغاير فى العلاقات والاحتمالات القائمة والممكنة سعياً إلى المستحيل وهو الحرية بإطلاقها وبكونها حرية ـ وإدخالها فى علاقات جديدة واحتمالات جديدة تشكل واقعا مغايرا ممتدا من حاضر سابق إلى حاضر قادم ينتصر للإنسان المقاوم، وكما يتضح من النص التالى :ــ

يا لها من لذةٍ ترشفُ عسلَ السحرِ الصامت

حين ينزفُ الصمتُ عطشَ الحديث

لا تحزن أيها الغروب

لا تزال براعمُ النورِ أقوى من جنون العدم

تنضجُ ثمارُ الرؤيا تحت حجاب اللهب

ومن منطلق ماهية القوة يصل الامتداد والتواصل الربانى الإلهى وفى ديمومة لا نهائية للقائم المبدع بداخله ليعبر بشاعريته عنها وإلى درجة الحركة الإنبعاثية وكما فى قصيدة :ــ أعمدة الخلود المحترقة:ـ

أراني أصعد من السماء إلى صوتك

أقطف لآلئ الغيب....

وفى قصيدة :ــ رقصة البجع الأزرق الأخيرة

أنا طفل الله المدلل

يعلمني احاديث الماء و النار

لغة الطير و غناء الشجر

.......

يصعد الكون سلالم الغيب إلى نداء الماء

ومن حرية الذات الشاعرة التى يتمتع بها تمتعا كاملا والتى تتفجر ماهيتها ليس فحسب من حريته هو ولكن أن يحرر الآخرين من السراب والوهم، وأن ينتصر بهم على علائق الواقع وهذا الانتصار على علائق الواقع ليس هو أن تهجر زمان ومكان الواقع بل أن تستكشف العلائق " الديناميكية " الظالمة المتنامية، وأن تحقق استكشافاً فى الإنسان والمجتمع، وهذا هو التحدى الأبدى للإنسان الذى يسعى إلى تحقيقه دائماً، الحرية الفنية ليست فى فوضى التهويمات الأدبية، أو فى نصب سيركا من التعبيرات اللغوية المستغلقة، أو الدخول فى معارك الشكل والمضمون الوهمية وهذا ما تحققه الذات الشاعرة/ منير مزيد بوعية الشديد الحساسية والذى يتمثل فى الغزارة المتدفقة بقوة اتساع مداها التعبيرى الدلالى والبناء اللغوى ومن خلال خصوصية أسلوبية رؤيوية تقتحم الآخر المتلقى، وكما تبدع الذات الشاعرة فى هذا الإطار :ــ

حبيبتي

الموتُ لا يعرفني..!

تهللي...!

أنا طفل الله المدلل

يعلمني احاديث الماء و النار

لغة الطير و غناء الشجر

بعطرِ نهدِك تتوضأُ ذنوبُ شفاهي

و نغمات أناملك المخملية في مرايا جسدي

تجدد زنابق ميلادي

ولتشكل الكتابة ذات مذاق خاص بمضامينها المتفجرة من إيقاع النص ومحتواه ومن الجمع بين المتضادات الكلية والخاصة وعلى سبيل المثال (الماء والنار) و(الألوهية والإنسان) و(الروح والمادة) ومن خلال هذه الخصيصة البنائية الدلالية المركبة تنكشف ماهية القوى لدى الذات الشاعرة فى رفض التبعية ورفض الترددية إلى تأكيد أن تحرر الذات الشاعرة هى تحرر الإنسان وتحرير المتلقى بقوة لا تثتأثربه ولا تحاصره ولا تخضعه لمحتواها بل لتحرره كما تحررت الذات الشاعرة ولا ان تقنعه بمضامينها بل تدفعه إلى الحرية والتحرر من القيود الفكرية، ولتتمايز سردية النصوص بالصيغة المضارعة لتأكيد الاستمرارية بأن الفعل مستمر ولم ينقطع ياستمرارية حضوره واستحضاره كشاهد حدثى ومرئى وكونه حالة غير ماضوية ويما يفيد الاستمرارية الغالبة من الحال نحو المستقبل وهذا ما يشكل ماهية للقوة للتصوص الشاعرية للذات المبدعة منير مزيد

 

دراسة: أحمد عزت سليم

......................

http://anfasse.org/index.php/2010-12-30-15-40-11/2010-12-30-15-36-49/2625-2010-07-13-15-45-44

http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:Kro7Rao3IL0J:www.raya.com/home/print/f6451603-4dff-4ca1-9c10-122741d17432/0321dc1a-9050-479d-b483-3089db9761c5+&cd=2&hl=ar&ct=clnk&gl=eg

http://m.ahewar.org/s.asp?aid=569732&r=0&cid=0&u=&i=0&q=

 

في المثقف اليوم