قراءات نقدية

توظيف التراث الشعبي وأهميته، قراءة في رواية "نبوءة فرعون"لـ (ميسلون هادي)

يعد التراث الشعبي السمةالمميزة للكثير من الأعمال الأدبية والرواية واحدة منها، وهو من مكونات الشعوب وثقافاتهم الأصلية المتجذرة في ذاتهم اولاً وذاتنا ثانياً؛ لأننا نفخر بإن نكون سلالة هذه الثقافات العريقة.

ويمثل عمود هام من اعمدة الشخصية العربية الأصيلة (البدوية)، وأن صح الجزم بإنه قاعدة مركزية تستلهم منه الشعوب ثقافاتها ووعيها الأيديولوجي؛ لأنه ذخيرة وافية .

واخذ القاص، والروائي، والشاعر، استلهام هذه الثقافة وجعلها خزيناً استراتيجياً يؤسس عن طريقه متنه الكتابي.

وظفت(نبوءة فرعون) للروائية (ميسلون هادي)، التراث واهميته؛لأنه يتعلق بالماضي، واجد المقصدية في هذا الربط لأبراز معنى التواصل بين الماضي والحاضر، وكشف نور القداسة وروحها، وعالجت الحاضر بلغة الماضي، عن طريق التورية والترميزوالأبتعا د عن القناع.

حشدت الروائية خلفيتها التراثية الثقافية، إذ وظفت جُل حكايات (الماضي، التي سمعناها من جداتنا ومازلنا نسمعها من امهاتنا- لنقلها عن طريق الحفظ والتوارث بين الأجيال الجديدة- )، وهو امتياز يحسب للروائية؛لأنها قدمت مادة مجانية بلغة سردية مشوقة بعيدة جداً عن الرتابة والملل، وبهذا تكون روايتها خير خزين ومصدر لطالب التراث الثقافي العراقي .

وتنوعت المصادر التراثية التي أغدقت وسقت روايتها، منها مصادر(دينية عن طريق عرض وتقديم كرامات الأولياء والصالحين وأل البيت ومدى ايمان الإنسان بها وتقديسها،  وتاريخية، واسطورية، وشعبية عن طريق عرض اغاني الطفولة، والأمثال التي سمعناها من جداتنا، وفنية أدبية ...الخ)، بلغة الماضي وموروثه البعيد وقصصه ومعتقداته، وبأمثاله الشعبية، والأيمان بكرامة الأماكن المقدسة، ليبحر خيالنا ويسافر بعيداً عن هم الحاضر المتعب.

ويمثل التراث احد التيارات المهمة في عملية التجريب الفنية في الرواية العربية المعاصرة.

ويتكون الجزء الأكبر من التراث الشعبي والحكايات الشعبية، مثل الأشعار والقصائد، وقصص غناء الأطفال، واناشيد الأحتفالات، والأعياد الدينية.

فضاء هذه الطروح، حفز الرغبة الداخلية لي بقراءة الرواية ومعرفة مقصديتها.

قرأت وإذا بخيالي ينزاح بإزاء الماضي البعيد، بلغة سلسة مفهومة لاتحمل الجفاء ولاتحتاج الى اعمال ذهن لفهما، وهدف السردية جاء بصيغة مباشرة وهي محاولة معالجة الحاضر بلغة الماضي وحكمته.

نسجت الرواية اغلبها على لسان النسوة، بلغة تراثية وامثال شعبية معروفة، تبتعد عن الغموض.

واستدرجت السردية الماضي بأتقان عن طريق لغاته وثقافته، واحداثه السياسيةوغيرها، حملت وظيفة زرع الأمل في وطن مجروح.

واذا ماانتقلنا الى المتن السردي نرصد جملة من التراث الشعبي وثقافته، قد وظف بلغة سردية.

من كرامات الائمة القول: "لاعليك ...نجمه خفيف...سنأخذه وندور به على الائمة والأولياء الصالحين".

ومن المورث ايضاً: " ارضعت بلقيس ابنها يحيا لبنها مراً وهي مغثوثة فراح يتقلب في فراشه من الوجع ولايكف عن الصراخ ليل نهار إلا عندما تأخذه الى حضنها وتمشي به قليلاً بين الحجرات، فيهدأ لحظات معدودات ثم يعاود بكاءه العالي وهو يتلوى الماً من جديد"، وهذه صيغة سردية مفهومة، لأننا سمعناها وعايشناها من جداتنا وامهاتنا.

والقول: "- سقيته فوح التمن ودرت به على الشيوخ والأولياء الصالحين، ويوم أمس فقط أخذته الى شريعة النهر في خضر الياس ومن هناك الى عين ماء علي في جامع براثا..يقولون انها تشفي الأطفال من الخرس.

- ترى لماذا تأخر إذن في الكلام؟

فقالت بلقيس

- أرضعته وأنا مغثوثة..يقولون أن هذا هو السبب".

ومن أغاني الطفولة وبرأتها، القول:" –ياعين الشمس ..خذي سن الحمار وأعطنا سن الغزال"

ومن اغاني الطفولة ومرحها" طلعت الشميسة على وجه عيشة، عيشة بنت الباشة..تلعب بالخرخاشة، صاح الديك بالبستان الله ينصر السلطان"، " ياعين الشمس .. خذي سن الحمار وأعطينا سن الغزال

فتابع يحيا السن بنظره ورآها تستدير عن قرب وتسقط في شجرة الآس ..فارتعد قلبه وكاد يبكي أسفاًلأن السن قد ضلت طريقها الى الشمس، فنبه أمه على ذلك وقال:

- ماذا فعلت؟

فقالت بلقيس:

- لايهم، فالشمس ستعطيك واحدة أفضل

فغضب..يحيا وثار وقال...والخسارة تملأه

- بل رأيتها تسقط وفي بطن الشجرة"، لغة سلسة مفهومة بعيدة عن جفاء البلاغة، صاغت عن طريقها بناء هذا النص السردي وغيره، وهذه اللغة المفهومة تسيطر على الرواية اغلبها.

ومن تنغيمات جداتنا وامهاتنا"- ديللول يالولد يابني ديللول

عدوك عليل وساكن الجول

فيسمعها يحيا ويبتسم، ثم تغفوعيناه رغداً وراحة"

ومن بساطة الفلاح وسعيه للحفاظ على بذوره، كان يلجأ الى أن يضع " في وسط الحديقة خيال مآته ليخيف العصافير ويذود عن بذورها التي لم تنبت قط"

ومن اغاني كاظم الساهر" عبرت الشط على مودك..خليتك على راسي"

أضيف، قد أغدقت الروائية ثقافتها التراثية والشعبية، في بناء متن سردي يحاكي قضية الماضي والحاضر، لنجد أنفسنا أمام واقع يومي لاسردي؛لأنها وظفت تنغيمات الماضي لمعالجة الحاضر، ولأنها أم وأمرأة أجدها نجحت في رسم حدود فضائها السردي في هذه الرواية؛لأنها اقرب من الرجل الى هذه التنغيمات والأمثال الشعبية.

بقلم: وسن مرشد

في المثقف اليوم