قراءات نقدية

وقفة "عواء" مع رواية: كيف ترضع من الذِّئبة دون أن تعُضّك لعمارة لخوص

صدرت الطّبعة الأولى لهذه الرِّواية في عام 2003، والنُّسخة التي بين يدي هي الطّبعة الثّانية 2006 الصّادرة عن دار الاختلاف – الجزائر. في 151 صفحة من الحجم المتوسط.

"أنتَ رضعتَ من ثدي الذِّئبة، لذلك تستحق أن تتوسَّط التَّوأمين رُومُلُو ورِيمُو في حضن روما يا أَمِدِيُو!". ص 109.

تدور أحداث الرِّواية حول جريمة قتل في مصعد عمارة في ساحة فِيتُورْيُو في روما، القتيل هو الشّاب الإيطالي "لورانزو مانفريدي" المدعو "الغْلادْياتور"، الذي كان دائم الاعتداء على المهاجرين وإهانتهم. والمُتّهم المُشتبه به في هذه الجريمة هو المدعو "أَمِدِيُو"، والذي يكاد يُجمِع على براءته من ارتكاب هذه الجريمة كُلّ من عرفه من سكان العمارة، كانوا يعتقدون أنه إيطالي من الجنوب لإتقانه الحديث باللُّغة الإيطالية أفضل من الكثير من الإيطاليين أنفسهم. حيثيات التَّحقيق في هذه الجريمة تُظهِر الواقع العنصري وصراع الهويات الذي يعيشه المهاجرين - خاصة غير النِّظاميين - في الغرب وفي هذا النَّصّ السَّردي إيطاليا مثالٌ عليه.

في هذه السَّردية الشَّيّقة تتماس حقيقة شخصيات مختلفة الانتماءات والهويات والثَّقافات والمستويات الاجتماعية، يُقابلها "عواءات" الشَّخصية المحورية في الرِّواية "أَمِدِيُو":

* الشَّخصيات والعواءات:

- بارْوِيز منصور صمدي؛ لاجيء سياسي إيراني من شيراز. يعمل طبَّاخاً ويكره البيتزا كُرهاً لا نظير له. هو صديق أَمِدِيُو. يقول: "تعرفتُ عليه في إحدى المدارس المجانية لتعليم الإيطالية للأجانب في ساحة فِيتُورْيُو، كان ذلك عقب وصولي إلى روما بقليل. كان أَمِدِيُو متميزاً عن الجميع بمداومته على دروس سْتِيفَانْيا دون أن يُفوّت درساً واحداً... بعد شهور قليلة قرر أَمِدِيُو الانتقال للعيش مع سْتِيفَانْيا في شقتها المطلة على ساحة فِيتُورْيُو... كنا نلتقي يومياً تقريباً في بار سانْدْرُو لتناول الكَابُوتْشِينُو والشّاي." ص 15. " أَمِدِيُو كالمرفأ الجميل، نُبحر منه لنعود إليه دائماً. عندما أُطرد من العمل أجد نفسي كالغريق،وحده أَمِدِيُو يمد يد المساعدة." ص 18. "هذا مستحيل أَمِدِيُو قاتل! لن أُصدق أبداً ما تقولون... أنا متأكد من براءته. ما علاقة أَمِدِيُو بذلك المنحرف المقتول الذي يبول في المصعد؟ ". ص 22. "أنصحكم بالبحث عن الحقيقة. أَمِدِيُو ليس القاتل، لا يُمكن أن تكون له علاقة بهذه الجريمة. أَمِدِيُو بريء من دم الغْلادْياتُور. أنا حزين لغيابه، لا أعرف ماذا حدث له بالتّحديد لكني متأكد من أمر واحد: من الآن فصاعداً لن ينتبه أحد عندما أبكي في ساحة سانْتا مارِيا ماجُورِي... روما دون أَمِدِيُو لا تساوي شيئاً. أَمِدِيُو هو الملح الذي يُعطي لطعامنا المذاق الطّيب." ص 25.

- عواء أَمِدِيُو...

- بِنِدِتا إِسْبُوزِيتُو؛ نابوليتانية من نابولي، بوابة العِمارة التي اُرتكبت جريمة القتل في مصعدها، "ماذا تقولون؟! السِنْيُور أَمِدِيُو أجنبي! لا أُصدِّق أنّه ليس إيطالياً." ص 34. "حسناً ، إذا كان السِنْيُورأَمِدِيُو أجنبياً كما تدّعون، فمن هو الإيطالي حقّاً؟ بدأتُ أشك في الجميع حتّى في نفسي... إنه يتكلّم الإيطالية خيراً من ابني جِنَارُو بل أحسن من الأستاذ في جامعة روما أنْطُونْيُو مَارِينِي" ص 35. "يجبُ أن تعرفوا أن السِينْيُور أَمِدِيُو هو الوحيد الّذي يمتنع عن استعمال المصعد في هذه العِمارة" ص 36. "جاء للإقامة مع سْتِيفَانْيا. كم كنتُ سعيدةً بهذا السّاكن الجديد. هذه الحياة ليستْ عادلة على الإطلاق. قولوا لي: هل تستحق سْتِيفَانْيا مسّارو شاباً وسيماً مثل السِينْيُور أَمِدِيُو؟! هذه الشّيطانة تكرهني كأنني قتلتُ والديها، أنا أيضاً أكرهها، أتحاشى قدر الاستطاعة التّحدُّث معها." ص 37... "لا! السِينْيُور أَمِدِيُو لا دخل له في هذه الجريمة البشعة. أنا لا أعرف مَن قتل لُورَانْزُو مَانْفرِيدي؟ وجدته في المصعد مقتولاً يسبح في دمه. لم يكن "الغْلادْياتور" شخصاً محبوباً في ساحة فِيتُورْيو، أنا متأكدة أن سبب انحرافه هو البطالة. ما أكثر الشُّبّان الإيطاليين الذين لا يجدون عملاً شريفاً فهم مجبرون على السَّرِقة والكسب غير المشروع. يجب طرد العُمال المهاجرين وتعويضهم بأبنائنا المساكين." ص 38. "أنا متأكدة أن قاتل الشَّاب لُورَانْزُو مَانْفرِيدي هو واحد من المهاجرين." ص 40.

- عواء أَمِدِيُو...

- إِقْبَال أمير الله؛ من بانغلاديش، بائع في محل للمواد الغذائية. "السِّينْيُور أَمِدِيُو من الإيطاليين القلائل الذين يأتون عندي لشراء بعض المواد الغذائية. إنه زبون مثالي يدفع ثمن السِّلع نقداً ولم أسجِّل أبداً اسمه في دفتر المديونين... السِّينْيُور أَمِدِيُو إيطالي متميّز؛ إنه ليس فاشياً أي عنصرياً يكره الأجانب مثل الغْلادْياتور الذي كان يتعدّى على المُهاجرين ويُهينهم بِشتّى الوسائل. لقد نال هذا الحقير جزاءه. البوابة بِنِدِتا عنصرية كذلك، إنها تكرهني بلا سبب ولا تردّ على تحيتي بل تتعمّد إهانتي.." ص 49. "السِّينْيُور أَمِدِيُو الإيطالي الوحيد الذي يمتنع عن إحراجي بالأسئلة المتعلِّقة بالحجاب وحقوق المرأة والمُحرمات." ص 50. "السِّينْيُور أَمِدِيُو مُجرم فار من العدالة؟ لا أستطيع تصديق هذه التُّهمة. الشَّيء الذي يُحيّرني هو الخبر الذي تناقلته نشرات الأخبار: السِّينْيُور أَمِدِيُو ليس إيطالياً وإنما مهاجر." ص 51. "أنا لا أعرف أين هو الآن لكني متأكد من أمر واحد: السِّينْيُور أَمِدِيُو ليس أجنبياً ومجرماً! أنا واثق من براءته من دم الشّاب الإيطالي الذي لا يبتسم أبداً." ص 54.

- عواء أَمِدِيُو...

- إِلِزَابِتَا فَابْيانِي؛ مواطنة إيطالية من روما مُقيمة في العمارة. "إِلِزَابِتَا فَابْيانِي مُدمنة على شيئين إثنين: حُبّ الكلاب والتّعلُّق بالأفلام البوليسية." ص 69. "السِّينْيُور أَمِدِيُو هو الشّخص الوحيد المتسامح في هذه العِمارة. لم يتضايق من فَالِنْتِينُو عندما كان ينبح بل كان يُعامله بعطف وحنان." ص 61. "من قتل المسكين لُورَانْزُو مَانْفرِيدي؟ أنا لا أعرف، اسألوا الشُّرطة. أنا أعرف تمام المعرفة القتيل المأسوف عليه، كان صديقاً لابني ألبرْتو أثناء الطُّفولة والمُراهقة، كانا لا يفترقان كأنهما أخوين. جاء لُورَانْزُو للعيش مع جدّته العجوز بعد طلاق والديه اللذين خاضا صراعات قضائية محمومة من أجل اقتسام الميراث والحصول على حضانة الولد. لم تكن الجدّة قادرة على تربية حفيدها مما دفع لُورَانْزُو إلى التّخلِّي عن الدِّراسة مبكراً ومخالطة بعض المنحرفين. لا شك أنه ذهب ضحية تصفية حسابات بين عصابات المخدّرات." 66.

- عواء أَمِدِيُو...

- ماريا كريستينا غُونْزالِيز؛ مهاجرة دون وثائق قانونية من البيرو، تعمل في شقة السِّنْيورة رُوزَا ذات الثَّمانين عاماً ومصابة بالشَّلل. "السِّنْيُور أَمِدِيُو هو الوحيد الذي يعطف عليَّ ويقف إلى جانبي في أوقات المحن. أنا شقية وغبية لا أنكر ذلك، تدعو حالتي إلى الحيرة والتّعجب: ... أنا أبكي كثيراً من شدّةِ الخوف: الخوف من ضياع العمل، الخوف من الفقر، الخوف من المستقبل، الخوف من الشّرطة، الخوف من كلِّ شيء." ص 73. "أريد أن أشعر بالاطمئنان لكن المصيبة أنَّني بلا وثائق، إنَّني كالقارب الصَّغير الذي تحطم شراعه وصار تحت رحمة الصُّخور والأمواج." ص 76. "السِنْيُور أَمِدِيُو قاتل! هذا شيءٌ لا يقبله العقل. أنا متأكدة من براءته. ثُم كيف يتهمونه بأنه مُهاجر؟ هل الهجرة جريمة؟ أنا لا أفهم لماذا يكرهون المُهاجرين بهذا الشَّكل." ص 78.

- عواء أَمِدِيُو...

- أَنْطُونْيُو مَارِينِي؛ أستاذ جامعي من ميلانو يُدرس في جامعة روما، يُقيم في نفس العِمارة التي وقعت فيها جريمة المصعد. "أنا من ميلانو ولست متعوِّداً على هذه الفوضى... لم يكن ترك ميلانو والقدوم إلى روما قراراً صائباً... قبلت بمنصب معيد في معهد التّاريخ بجامعة روما." ص 84. وهو يجسد صورة النّظرة الدُّونية التي ينظر بها أهل الشّمال إلى أهل الجنوب في إيطاليا: "هكذا أهل الشّمال يعملون ويُنتجون ويدفعون الضّرائب وأهل الجنوب يستغلون هذه الأموال في إنشاء العصابات الإجرامية مثل المافيا في صقلية ولاكامورَّا في نابوليس ولانْدراغِتا في كلابْرِيا وعصابات الاختطاف في سَرْدِينْيا. المصيبة أن الشّمال عملاق اقتصادي وقزم سياسي! هذه هي الحقيقة المُرّة." ص 85. "أَمِدِيُو مُهاجر! بالنِّسبة لي لا فرق بين المهاجرين وأهل الجنوب. لا أفهم علاقة أَمِدِيُو بالجنوب... سمعته مرّة يقول: أنا من جنوب الجنوب!" ص 86. "هناك فضيحة لا يمكن السُّكوت عنها: هل تعرفون أن سكان عمارتنا يبولون في المصعد! إنه أمر مؤسف حقّاً. لم نكتشف الفاعل بعد، الأمر الأكيد أم أَمِدِيُو بريء لأنه لا يستعمل المصعد ويُفضِّل السَّلالم." ص 87. "يجبُ أن أعترف أن امتناع أَمِدِيُو عن استعمال المصعد والأوتوبيس والمترو وتعلُّقه بالمشي جعلني أشك في انتمائه إلى تيار سياسي يفوق النّازية والفاشية والستالينية خطورة ألا وهو تيار "الخضر"." ص 89. "لا تسألوني عن القاتل، أنا أستاذ جامعي ولست المفتش كُولُومْبُو !بالمُناسبة هل تعرفون كيف كان يُلقّب الشّاب المقتول؟ "الغْلَادْياتور"! هذا دليل كاف على تخلف أهل روما وتعلقهم المرضي بالماضي. من المستحيل أن تجد في ميلانو من يُطلق على نفسه هذه الشُّهرة! هذا يحدث في الجنوب فقط." ص 90.

- عواء أَمِدِيُو...

- يُوهان فان مارْتَن؛ شاب هولندي يقيم في نفس العمارة التي وقع بمصعدها جريمة القتل. مولع بالسِّينما الإيطالية ويرغب في تصوير فيلم واقعي عن سكان العمارة: يقول "جئتُ إلى روما لدراسة السِّينما وتحقيق الحلم الجميل الذي راودني منذ الصِّغر. أنا مُعجبٌ بالسِّينما الإيطالية كثيراً، ولا أخفي تعلقي بالواقعية الجديدة التي أحدثتْ قفزة نوعية في صناعة السِّينما وطرحتْ نفسها بديلاً لسينما هوليود. أُحِبُّ أفلام روسِليني ودي سيكا. "روما مدينة مفتوحة" لروبِرْتُو روسِليني و"سارق الدَّراجات" لفيتوريو دي سيكا هُما مِن أحسن الأفلام في تاريخ السِّينما، وقد صوِّرتْ بعض مشاهد الفيلم الثَّاني في ساحة فِيتُورْيو. هذا هو السّبب الذي دفعني إلى اكتراء غرفة في العمارة التي يقيم فيها أَمِدِيُو في ساحة فِيتُورْيو." ص 96. "أَمِدِيُو أجنبي! هل يُعقل أن يكون الشّخص الذي يُمثِّل إيطاليا العظيمة أجنبياً؟ إنه الوحيد الذي يُجيب على أسئلتي المتعلِّقة باللغة الإيطالية والسِّياسة والمافيا والطّبخ والسِّينما، إلخ. ثُمّ لا يمكن أن أفهم اتهامه الغريب بمقتل الغْلادْياتُور. أنا أعرف هذا الأخير معرفة جيدة لأنني كُنتُ أتقاسم معه شُقته. كان يعشق الكلاب كثيراً، يكفي أن تُلقي نظرة على أرجاء بيته لِتشاهد مئات الصُّور الخاصّة بالكلاب. إنّ مَن يُحِبّ الكلاب بهذا الشّكل لا يستحق ميتة الأشرار بطعنة سكين قاتلة. أعرف أنه لم يكن محبوباً من طرف سكان العمارة بسبب تصرفاته الغريبة.كان يقول لي دوماً: "أنا كلب متشرِّد لا سيد لي!"." ص 98. "هل كانت هناك عداوة مسبقة بينه وبين أَمِدِيُو؟ لا أملك الجواب. أنا متأكد من شيء واحد: العثور على القتيل في المصعد يحمل دلالة معينة. أغلب المشاكل بين سكان العمارة سببها المصعد ... المصعد هو أساس المشكلة، ليس ثمَّة إجماع بين سكان العمارة لاستعمال المصعد... هذا المصعد سفينة يقودها أكثر من قُبطان!". ص 99.

- عواء أَمِدِيُو...

- سانْدْرُو دَنْدِينِي؛ صاحب بار دَنْدِينِي في الأربعين من العُمر: "أنا صاحب بار دَنْدِينِي لمقابل لسوق فِيتُورْيُو، أغلبية زبائني أجانب، أنا أعرفهم جيداً،... ليس من السّهل أقناعي أن صديقي أمِدْ (Amed) ليس إيطالياً. أَمِدْ (Amed) هو أَمِدِيُو (Amedo) من عادتنا في روما حذف الحروف الأولى أو الوسطى أو الأخيرة من الأسماء، أنا مثلاً اسمي سانْدْرو لكن اسمي الحقيقي ألِسانْدْرو." ص 105. "أَمِدِيُو بريء من هذه الجريمة البشعة. أَمِدِيُو طيب وكريم، فهو طيب كالخبز كما نقول نحن في روما". ص 108. "أجدُ صعوبة في تصديق ما تقولون! أَمِدِيُو مهاجر مثل بارْوِيز الإيراني وإقْبال البنغالي والخادمة السّمينة ماريا كريستينا وبائع السّمك عَبَدُو والهولندي الأشقر..." ص 108. "أنتم لا تعرفون أَمِدِيُو كما أعرفه أنا، إنه يعرف تاريخ روما وشوارعها أكثر مني بل أكثر من ريكاردو نارْدِي الذي يفتخر بأصول عائلته التي تعود إلى العهد الرُّوماني. ريكاردو سائق تاكسي... ذات مرّة قال له ريكاردو ضَاحِكاً: "أنتَ تعرف روما كما يعرف الرَّجُل ثدي زوجته، بل أنتَ رضعتَ من ثدي الذِّئبة، لذلك تستحق أن تتوسَّط التَّوأمين رُومُلُو ورِيمُو في حضن روما يا أَمِدِيُو!". ص 109. "نعم. لا أنكر أنني تشاجرتُ مع الغْلادْياتُور كما تشاجر معه كُلّ سكان العمارة. كان يستفز الجميع بتصرفاته السّيئة... أنا أقول وأكرّر: لا دخل لأَمِدِيُو بهذه الجريمة. أنا مقتنع تماماً ببراءته ومستعد لأضع يدي على الجمر." ص 112.

- عواء أَمِدِيُو...

- سْتِيفانْيا مسّارو؛ تعمل في وكالة سياحية في روما، ومعلمة للغة الإيطالية، أحبّتْ أَمِدِيُو وأحبّها: "مَن هو أَمِدِيُو الحقيقي؟ يا له من سؤال غريب. لا يوجد أَمِدِيُو حقيقي وأَمِدِيُو مزيّف. هناك أَمِدِيُو واحد فقط: أَمِدِيُو المُدهش الذي عشقني وعشقته. قرأتُ ذات يومٍ تعريفاً قصيراً جِداً للحُبِّ: الحُبّ تضحيّة. لقد ضحى أَمِدِيُو بكُلِّ شيءٍ مِن أجلي، إذ تنازل عن وطنه ولُغته وثقافته واسمه وذاكرته. أراد أَمِدِيُو إسعادي بأيِّ ثمن. تعلّم الإيطالية مِن أجلي وأحبّ الطّبخ الإيطالي مِن أجلي وسمّى نفسه أَمِدِيُو مِن أجلي، باختصار صار إيطالياً لإسعادي." ص 117. "بعد ثلاثة أشهر فقط من تعارفنا قررنا الزّواج، لماذا ننتظر؟ هو يُحِبُّني وأنا أُحِبُّه. قبل الزّواج طلب مِنِّي أَمِدِيُو أن لا أسأله عن ماضيه، لا أزال أذكر كلماته: "حبيبتي، ذاكرتي كالمصعد المُعطّل، بل الماضي كالبركان النّائم، ساعديني على تجنّب إيقاظه الفظيع وحممه الجهنمية"... الآن فقط أفتح عيني على الحقيقة التّالية: لا أعرف من يكون أَمِدِيُو! من هو أَمِدِيُو قبل الاستقرار في روما؟ لماذا غادر بلده الأصلي؟ ماذا يُخفي في ذاكرته؟ ما سِرّ الكوابيس التي تلاحقه؟ هناك غموض يلف حياته السّابقة ربما هذا هو سِرّ عشقي له." ص 120. "لم يكن أَمِدِيُو يُحِبّ الماضي. في إحدى المرات قال لي إن الماضي كالرِّمال المتحركة، إنه فخ لا فكاك منه. أَمِدِيُو مدهش كالصّحراء، من الصّعب الإلمام بأسرار الصّحراء." ص 121. "سمعته مراراً يتمتم أثناء النّوم بكلماتٍ غير مفهومة، في إحدى المرات استيقظ من نومه مفزوعاً وهو يُردِّد: بَجة! بَجة! بَجة! ... في اليوم التّالي لم أقدر على كبت فضولي فسألتُ أَمِدِيُو عن مدلول كلمة "بجة" لكنه لم يرد ونظر إليّ بعتاب كأنه يُريد أن يُذكّرني بالشّرطِ الذي اتفقنا عليه قبل الزّواج: الماضي كالبركان، حذار من رفع الغطاء عن الفوهة!" ص 122. "أنا أقول لا علاقة بين مقتل لُورَانْزو واختفاء أَمِدِيُو. أنا متأكدة من أن أَمِدِيُو بريء من جريمة القتل. لا يوجد دافع واحد للإقدام على هذا الفعل الشّنيع. لم يكن "الغْلادْياتور" شخصاً محبوباً بين سكان العمارة، هذا معروف. لقد أساء للجميع دون أن يطلب العفو من أحد. ليس من العدل أن نُسيء إلى أَمِدِيُو بهذا الشّكل. اسألوا سكان ساحة فِتُورْيو عن أَمِدِيُو، سترون كم كان محبوباً من طرف الجميع. لم يتأخر عن مساعدة المحتاج دون أن ينتظر أجراً من أحد." ص 123. "لا أعرف أين هو الآن، أخشى أن يكون قد أصابه مكروه. لا أزال أبحث عنه في كُلِّ مكان، أتمنى أن يكون بخير. هناك علامات استفهام كثيرة تُحيط باختفاء أَمِدِيُو واتهامه بجريمة قتل بشعة. أنا متفائلة ومقتنعة ببراءته. سأُدافع عنه دون هوادة." ص 124.

- عواء أَمِدِيُو...

- عبد الله بن قدْور؛ "لماذا سمّى نفسه أَمِدِيُو؟ هذا هو السُّؤال الذي يُحيّرني. اسمه الحقيقي أحمد وهو اسم عظيم لأنه اسم الرّسول وقد ذكر في القرآن والإنجيل. بصراحة أنا لا أحترم كُلّ من يُغيّر اسمه أو يتنكّر لأصله." ص 129. "أحمد هو ابن حومتي، أعرفه جيداً كما أعرف كُلّ أفراد عائلته... كان أحمد شخصاً محبوباً ومحترماً في الحومة. لا أذكر أنه تخاصم مع أحد رغم أن الاشتباكات بين أولاد الحومة وأولاد الحومات المجاورة عادة منتشرة بكثرة في أحياء الجزائر العاصمة. بدأت محنة أحمد عندما ماتت خطيبته بَهْجَة بنت الجيران. كان أحمد يُحِبُّها كثيراً منذ الصِّغر، خطبها مُبكراً وأراد أن يتزوجها، لكن حدث ما حدث... ذات يوم ذهبتْ بَهْجَة إلى بوفاريك لتزور أختها، في طريق عودتها أوقف الإرهابيون الحافلة في حاجز مُزيّف وأقدموا على ذبح كُلّ المسافرين ما عدا الفتيات. حاولتْ بَهْجَة الهروب من قبضة المجرمين والنّجاة من الاغتصاب، فأطلقوا عليها وابلاً من الرّصاص. لم يقبل أحمد بالأمر الواقع فقبع في البيت لا يُغادره حتّى اختفى وغاب عن الأنظار، وتكاثرت التّفسيرات في الحومة: هناك من قال إنه تطوّع في الجيش بحثاً عن الانتقام من المسلحين الإسلاميين، وهناك من قال إنه الّتحق بالمسلّحين في الجبل حتّى ينتقم من الدّولة، وهناك من قال إنه اعتزل النّاس وانظم إلى جماعة صوفية في الصّحراء فهو يعيش مُلثّماً كالطّوارق، وهنا من قال إنه فقدَ عقله وصار يمشي عارياً في الشّوارع..." ص 131. "ذات يومٍ سألتُ والدته خالتي فاطمة الزّهراء عن أحمد فأجابتني باختصار: "إنه في الخارج". كلمة "الخارج" تحتمل عدّة معانٍ: خارج العقل أو خارج العاصمة أو خارج القانون أو خارج طاعة الوالدين أو خارج نعمة ربي. فضّلتُ عدم الإلحاح في السُّؤال وترك البئر بغطائه كما يقول المثل الشّعبي..." ص 132. "رأيته في سوق ساحة فِيتُورْيو حيث أشتغِل بائعاً للسمك. ناديته أحمد! أحمد! لكنه لم يردّ، تظاهر بعدم معرفتي، في نهاية المطاف تعرّف عليّ! وحيّاني ببرودة شديدة أمام دهشة السّيدة الإيطالية التي تُرافقه، عرفتُ فيما بعد أنها زوجته. بعدها التقينا مرات عديدة في بار دَنْدِينِي، لم يكن مُتحمساً لمعرفة أخبار الجزائر. كان أحمد أو أَمِدِيُو يعمل في المحكمة العُليا بالجزائر العاصمة مُترجِماً من الفرنسية إلى العربية. كان قد اشترى شقة في باب الزوار كي يعيش فيها مع بَهْجَة بعد الزّواج لكن المكتوب أراد شيئاً آخر. كما ترون قصة أحمد سالمي بسيطة ولا تحمل التّعقيدات... ليست هناك أسراراً خفية عن حياته الماضية قبل الاستقرار في روما." ص 132. "لا أزال أذكر المخاوف التي استبدت بي عندما سمعت النّاس يُنادونه "أَمِدِيُو"، خشيتُ أن يكون قد ارتدّ عن الإسلام، لم أطق الصّبر والانتظار، فسألته بقلق وتوجّس: "هل اعتنقت المسيحية يا أحمد؟"، فأجابني بنبرة صادقة: "لا"." ص 134. "ألا ترون ماذا تقول الصُّحف عن أحمد من أكاذيب، عندما اكتشفوا أنه مهاجر وليس إيطالياً، لم يتأخروا في اتهامه بجريمة القتل. لقد أخطأ احمد عندما سبح خارج الحوض. اختفاؤه هذا يُثير التّساؤل القديم الذي حيّر أولاد الحومة كثيراً: أين ذهب أحمد أو أَمِدِيُو كما تُسمونه أنتم؟" ص 135.

- عواء أَمِدِيُو...

- ماوْرُو بِتارِينِي؛ مفتش الشّرطة الذي يُحقق في جريمة قتل "الغْلادْياتور" في مصعد العمارة والمُتهم فيها "أَمِدِيُو". "لقد تعلّمتُ من عملي كمفتش الشّرطة أن الحقيقة مثل قطعة نقود، تتألف من وجهين مختلفين، الوّجه الأوّل يُكمِّل دائماً الوجه الثَّاني". ص 143.

الوجه الأول للحقيقة: "بالنّسبة لي التّحقيق انتهى والقاتل هو أحمد سالمي المدعو أَمِدِيُو. اختفاؤه المفاجئ يُثبت ضلوعه في مقتل الشّاب لُورانْزو مانْفْرِيدِي المدعو الغْلادْياتور... كُلِّفتُ بالتّحقيق في هذه الجريمة لأنني أعرف هذه المنطقة معرفة جيدة. قضيتُ سنوات طويلة في مركز الشّرطة في شارع بَيتْرارْكا مما أتاح لي الإطلاع عن قرب على مشاكل المواطنين المُقيمين في ساحة فِيتُورْيو وما جاورها. تعرفتُ على أحمد سالمي المدعو أَمِدِيُو عندما توسط لِحلِّ مشكلة حَمَام ساحة سانْتا مارِيا ماجُورِي التي تسبَّب فيها صديقه الإيراني." ص 143. "كان اعتقادي أن أَمِدِيُو هو متطوِّع إيطالي يُساند المهاجرين ويُلبِّي بعض خدماتهم المُتعلقة بالصّحة والعمل." ص 144. "ليس هناك صدفة بين الجريمة والاختفاء المفاجئ، عقب العثور على جثّة الشّاب لُورانْزو مانْفْرِيدي في المصعد، بدأنا التّحريات الأوّلية فاكتشفنا اختفاء أو بالأحرى هروب المتهم أَمِدِيُو. السُّؤال الذي طرحناه على أنفسنا: إذا كان أَمِدِيُو بريئاً كما يقول جيرانه في العمارة، فلماذا لم يظهر ليبرِّئ نفسه؟ المعلومات التي استقيناها من مختلف المصادر والشُّهود زادت من شكوكنا وجعلتنا نُدقِّق في هوية المتهم. لم يمض وقت طويل حتّى اكتشفنا أنه مهاجر واسمه الحقيقي أحمد سالمي..." ص 145. "لم يُزوِّر أحمد سالمي المدعو أَمِدِيُو وثيقة رسمية واحدة. لماذا اختفى؟ هل هي مجرد صدفة أم هروب من القضاء؟ هناك شهود عيان رأوه يتشاجر مع الضّحية في الليلة التي سبقت الجريمة. لا أحد يعرف السّبب. كما سمعوه وهو يقول للضحية: "سأقتلك إذا فعلتها مرة أخرى!". بالنسبة لي التّحقيق انتهى، أَمِدِيُو هو القاتل، فهو مجرم فارّ من العدالة." ص 146.

الوجه الثّاني للحقيقة: "التّحقيق لم ينته وأحمد سالمي المدعو أَمِدِيُو ليس هو قاتل لُورانْزو مانْفْرِيدِي المدعو الغْلادْياتور. بعدما قامت إحدى الجرائد في صفحات الحوادث بنشر حوار معي مرفق بصورتي وبصورة أَمِدِيُو، اتصلت بي الطّبيبة سِيمونيتي من مستشفى سان كاميلو وطلبت مِنِّي الحضور على عجل، ذهبتُ على وجه السُّرعة إلى المستشفى، أخذتني إلى قسم الإنعاش حيث رأيتُ أَمِدِيُو مُمدّداً على السَّرير. قالت لي الطّبيبة أن صباح الأربعاء 21 مارس أي اليوم الذي قُتِل فيه لُورَانْزو، تعرّض المريض إلى حادث مرور بينما كان يَعبُر الطّريق قريباً من الكُولُوسِيُو، تمّ نقله على عجل إلى المستشفى. لحد الآن لا يزال في حالة غيبوبة بعد أن أُصيب بجروح خطيرة في رأسه قد تُعرِّضه إلى فقدان الذّاكرة. سألتُها عن الوقت المحدّد للحادث، فقالت إنّ سيارة الإسعاف وصلت إلى مكان الحادث في حدود الثّامنة والنّصف، وهذا يعني أنّ الحادث الأليم قد وقع قبل ذلك بعشر دقائق تقريباً." ص 146. "أَمِدِيُو ليس هو القاتل! قال الطّبيب الشّرعي إنّ الجريمة وقعت بعد الواحدة زوالاً كما أكّد شهود عيان أنهم شاهدوا الضّحية في صبيحة ذلك اليوم ما بين التّاسعة ومنتصف النّهار. إذاً ليس هناك أدنى شك: أحمد سالمي المدعو أَمِدِيُو بريء." ص 147. "بعد ذلك أعدنا النّظر في طريقة التّحقيق، تركنا جانباً السُّؤال: مَن هو أَمِدِيُو؟ ورُحنا نبحثُ في حياة الضّحية.مَن يكون "الغْلادْياتور"؟... كنيته "الغْلادْياتور" ساعدتنا للوصول إلى القاتل أو القاتلة. التّحريات التي أجريناها عن الضّحية قادتنا إلى اكتشاف سرّ الكُنية "الغْلادْياتور". كان لُورانْزو مولعاً بالمبارزات القاتلة التي تنتهي بموت أحد المتصارعين. في عهد الرُّومان كان "الغْلادْياتور" أسيراً أو عبداً يُقاتل حيواناً مفترساً كالأسد أو النّمر أمام آلاف من المتفرجين في الكُولُوسِيُو بينمكا اهتدى لُورانْزو وبعض أصدقائه إلى لعبة قمار جديدة تقوم على مبارزات سرية بين الكلاب. هل تذكرون اختفاء الكلب الصّغير فالِنْتِينُو قبل أسابيع من حدوث الجريمة؟ كان لُورانْزو وراء هذه العملية. بعد تحريات طويلة تمكنت إِلِزابِتا فابْيانِي من اكتشاف المسّؤول عن اختطاف كلبها وقررتْ الانتقام منه شرّ انتقام إثر تأكدها من العذاب الشّنيع الذي ذاقه الكلب الصّغير قبل موته. لقد وضعت خطة قتل مُتقنة إلى أبعد الحدود حيث استفادت كثيراً من حيل المسلسلات البوليسية التي تتابعها يومياً على التلفزيون. اختارت المصعد لأنه مصدر النِّزاعات بين سكان العمارة ثم وقع اختيارها على السّكين لأنه أداة قتل رجالية مما يُبعد عنها الشُّبُهات. ثم راحت تسير حافية القدمين في ساحة فِيتُورْيو حتى تظهر للجميع أنها فقدت عقلها بسبب فقدان أو اختطاف كلبها. استطاعت أن تنفِّذ خطتها بمهارة فائقة دون أن تترك أي أثر. الخطأ الوحيد الذي ارتكبته هو عدم تخلصها من أداة الجريمة... بعد بحث دقيق عثرنا على السّكين وعليه بصماتها ودم الضّحية. التّحقيق انتهى، وإِلِزابِتا فَابْيانِي هي التي قتلتْ لُورانْزو ملنْفْرِيدِي المدعو الغْلادْياتُور." ص 147. 148.

- عواء أَمِدِيُو...

* نقاط على هامش قراءة رواية (كيف ترضع من الذِّئبة دون أن تعُضّك) لـ عمارة لخوص:

- رمزية العنوان: أولى عتبات النّصّ العنوان (كيف ترضع من الذِّئبة دون أن تعُضُّك)، جاء العنوان لافتاً محدثاً الدَّهشة والانفعال المطّلوبين لانجذاب القارئ إلى الرِّواية، والعارف بأسطورة تأسيس روما المجسَّدة في الأخوين الرَّضيعين رومولوس وروموس - أبناء الذِّئبة - يكاد يقبضّ على سِرّ العنوان وأنّ أحداث الرِّواية تدور في روما عاصمة إيطاليا: "أليست الذِّئبة هي رمزُ روما! أنا لا أثق أبداً في أبناء الذِّئبة لأنهم حيوانات مفترسة متوحشة. إن الحيلة الخبيثة هي وسيلتهم المفضَّلة في استغلال عرق الآخرين!". ص 85.

- بحكم كون الكاتب الدكتور "عمارة لخوص" متخصص في الأنثروبولوجيا وكونه عاش في روما حقبة من الزّمن فقد استغل تلك الثّقافة المعرفية المتعددة الفلسفية والأنثروبولوجية في كتابة هذه الرِّواية (كيف ترضع من الذِّئبة دون أن تعُضُّك) فجاء النّصّ محبكاً محكماً متقناً متنوعاً ثريّاً مشوِّقاً رائعاً.

- الحيّز المكاني للرِّواية هو مصعد العمارة حيث كانت جريمة القتل. يتمدد هذا الحيّز في كُل الاتجاهات المحيطة بالمكان: شقق العمارة، ساحة فِيتُورْيُو في روما، مطعم كابري القريب من ساحة نافُونا لصاحبه السِنْيُور بِنَارْدِي...

- الحيِّز الزماني للرِّواية يستمر لبضعة أيام، لكنه يتمدد ويتجذر تاريخياً بالبحث في الماضي للشخصيات المركبة للرِّواية.

- تبدو الرِّواية في ظاهرياً أنها تدور حول جريمة قتل في مصعد عمارة يقطنها عدد من المهاجرين والأوربيين غير أنها في عمقها تطرح مشاكل الهجرة غير القانونية ومشاكل المهاجرين في أوربا وكعينة عنهم جاءت أحداث الرِّواية في روما عاصمة إيطاليا. ومن خلال ذلك نكتشف مدى تّنافر وتقارب شخصيات الرِّواية القاطنين في العمارة ثقافياً وحضارياً. تتقلص حيناً وتتباعد أحياناً المسافة الفاصلة بين انتماءاتهم العرقية والثّقافية والاجتماعية والحضارية.

- النّص يُبرز مشاكل المهاجرين دون وثائق قانونية من العالم الثّالث وشرق أوربا إلى الغرب وهنا إيطاليا كمثال على ذلك. مشاكل العنصرية وازدراء ثقافة الأخر والاستغلال الجنسي. معاناة المهاجرين من العنصرية: "سألني إِقْبَال هذا الصَّباح: هل تعرف ما هو الفرق بين العُنصري والمُتسامح؟ قلت له: العُنصري في عداء مع الآخرين لأنه يعتقد أنّهم ليسوا في مستواه بينما المُتسامح يتعامل مع الآخرين دون تكبُّر واحتقار". ص 57.

- عطفاً على كُلِّ ما سبق فإن كُلّ قراءة لا تزيدك معرفة لا يُعوَّلُ عليها، وكُلَّ معرفةٍ لا تتنوع لا يُعوَّلُ عليها. وهذه الرِّواية يُعولُ عليها فهي تزيد القارئ معرفةً وتنوعاً.

* قالوا عن رواية (كيف ترضع من الذِّئبة دون أن تعُضّك) لـ عمارة لخوص:

- يقول عنها الكاتب نصر حامد أبو زيد: «إنّ إعجابي بهذه الرِّواية إعجاب نابع من متعة عالية وفرتها لي إلى جانب معرفة حقيقة هذه المتعة. هذه سمة الفنّ الحقيقي الذي يُجسد متعة المعرفة من خلال الجميل. توظيف الكاتب للرموز (رمز الذِّئبة والرَّضيعين) وثالثهما المهاجر الذي تشرّب المدينة والثَّقافة بالكامل توظيف يتسم بدرجة عالية من الدِّقّة والرّهافة. ما أروع الأمثولة. ليت الكاتب يكتبها بالإيطالية لتترجم إلى اللُّغات الأوربية الأخرى؛ - وهو ما قام به الكاتب فعلاً - لأنها تقول الكثير عن المُهاجرين مِمّا لا يستطيع البحث أن يقوله بنفس الكثافة والمتعة».

- ويقول عنها الكاتب الرِّوائي التُّونسي كمال الرَّياحي: «شيّد عمارة لخوص نصّه هذا بكثيرٍ من المكر والمراوغة والوعي الفنّي حتّى يكون نصّاً مختلفاً يحكي سيرة المنفى وواقع المهاجر في إيطاليا. إنها رواية الهروب من الذَّاكرة الجريحة ومأساة العيش دونها بين أحضان الذِّئبة الضَّارية روما... رواية ترضع الفلسفة والأدب والتَّاريخ وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والسِّياسة دون أن تسقط في مزالق الإيديولوجيا أو في الخطابية الفجّة ولا عضّتها التّعليمية السّاذجة».

* اقتباسات من رواية (كيف ترضع من الذِّئبة دون أن تعُضّك) لـ عمارة لخوص:

- "رُباعيات الشَّاعر الكبير عُمر الخيام، تحتاج إلى سنوات طويلة لإدراك مغزاها، عندئذ ينفتح قلبك على العالم وتفيض دموعك لتدفئ خديك الباردين." ص 11.

- "أنا أعشق المصعد، لا أستعمله بدافع الكسل وإنما مِن أجل التَّأمل. تضع إصبعك على الزِّرّ دون أي جهد، تصعد إلى الأعلى أو تنزل إلى الأسفل، قد يتعطّل وأنتَ قابعٌ فيه، إنه كالحياة تماماً لا يخلو من العطب؛ تارةً أنتَ في الأعلى وتارةً أخرى في الأسفل." ص 14.

- "العشق كالشّمس السَّاطعة، يستحيل تجاهل أشعته الحارقة، العشق توأم الشّباب، صدق المثل الفارسي القائل: سكر الشّباب أقوى من سكر الخمر". ص 15.

- "يحتاج الإنسان إلى الحُلُم كحاجة السمكة للماء". ص 23.

- "الغراب الذي دلّ القاتل قابيل على كيفية التّخلُّص من جُثة أخيه هابيل. يُقال أنّه القاتل الأول على الأرض، إذاً الغُراب هو أول خبير في دفنِ الأموات في التَّاريخ. أنا غُرابٌ مِن نوعٍ خاص: مُهِمّتي هي دفنُ الذِّكريات الملوّثة بالدّمّ". ص 46.

- "إنّ الأقارب مثل الأحذية الضَّيِّقة التي تسبب لأصحابها الكثير مِن الإزعاج". ص 47.

- "البقاءُ في الكهف أفضل مِن الخُرُوجِ منه. لا فائدة مِن معرفة الحقيقة. العزاء الوحيد هو هذا العواء اللَّيلي". ص 48.

- "الحقيقة في أعماق بئر: تنظُّر في بئرٍ فترى الشَّمس أو القمر، لكنَّك إذا ألّقيتَ نفسك فيه، فإنَّكَ لن تجد الشَّمس ولا القمر، هناك الحقيقة فحسب". ص 48.

- "يا أطبَّاء العالم اتحدوا! اخترعوا دواءً جديداً يشفي العنصريين من الحقد والكراهية". ص 59.

- "عندما أرى تفاحة فاسدة، فإنِّي أُسرع إلى عزلها عن بقية التُّفاح لأنِّي لو تركتها في مكانها، فإنّ كُلّ التُّفاح سيفسد! لماذا لا تتصرّف الشّرطة بحزمٍ مع المهاجرين المنحرفين؟ ما ذنب المهاجرين الشُّرفاء الذين يكِدُّون من أجل لُقمة العيش؟!". ص 59.

- "هذا المساء استوقفني طويلاً هذا المقطع الوارد في كتاب سيغْموند فرُويْد "الطّوطم المُحرَّم": إن الاسم الذي يحمله الإنسان هو عنصر أساسي من كيانه، بل قد يسكون جزءاً من روحه". ص 60.

- "للمهاجر وجهٌ واحد عبر التَّاريخ رغم اختلاف لسانه ودينه ولون جلّده". ص 81.

- "أنا أقول أن هذا البلد غارق في بحر من الغرائب، كأس العالم في كرة القدم على سبيل المثال هي مناسبة يكتشف فيها الإيطاليون أنهم إيطاليون. يضعون الأعلام الوطنية على النَّوافذ وفي الشُّرُفات وعند مداخل المحلات. يا للعجب كرة القدم تصنع الهوية! لا فائدة من الدِّين الواحد واللُّغة الواحدة والتَّاريخ المشترك والمستقبل المشترك". ص 89.

- "ما يهمُّني حقّاً هو أن أرضع من الذِّئبة دون أن تعضَّني وأن أُمارس هوايتي المفضَّلة: العواء!". ص 93.

- "روما هي ذاكرة الإنسانية، إنّها المدينة التي تعلّمنا كُلّ صباح أن الحياة ربيع أبدي وإنّ الموت سحابة صيف عابرة، لقد هزمت روما الموت! لهذا السّبب يُطّلق عليها اسم المدينة الخالدة". ص 113.

- "صِرتُ أعرف روما كأنِّي ولِدتُ فيها ولم أُغادرها أبداً. من حقِّي أن أتساءل: هل أنا لقيط مثل التَّوأمين رُومُولُو ورِيمُو أم ابنٌ بالتّبنِّي؟ السُّؤال الجوهري هو كيف أرضع من الذِّئبة دون أن تعضّني؟ الآن على الأقل يجب أن أُتقن العواء كذئبٍ أصيل: أووووووووووووو...". ص 115.

- "إنّ أجمل مراحل الحُبّ هي مرحلة التًّعارف والغطس الجميل في بحر العشق دون الاهتمام بالتَّفاصيل وطرح التَّساؤلات المُمِلّة." ص 120.

- "العشق هو صندوق المفاجآت... إن عيب بعض العُشَّاق هو مُحاولة معرفة كُلَّ شيء عن المعشوق، هذا هو سبب السَّأم وانطِفاء شمّعة الحُبّ بسُرعة. العاشق الحقيقي لا يكشف عن نفسه كُلِّياً. هل تعرفون لماذا يُثير الطَّوارق الإعجاب والدَّهشة؟ لأنهم مُلثّمون. الغُمُوض سِرّ الآلهة! الأشياء المُدهشة غامضة بالضَّرورة." ص 120.

- "أَمِدِيُو مُدهش كالصَّحراء، مِن الصَّعب الإلمام بأسرار الصَّحراء... لا تثقي أبداً في دليل الصَّحراء، فهو كإبليس ملعونٌ إلى الأبد لأن الصَّحراء لا تُحِبّ المُتكبِّرين، مَن يَدّعي معرفة خبايا الصَّحراء، فلينتظر العقاب القادم أي الموت عطشاً، التَّواضع هي اللُّغة الوحيدة التي تعرفها الصَّحراء!." ص 121.

- "الرِّحلة الجميلة لا تنتهي أبداً لأنها تحمل في طياتها وعداً ببداية جديدة لرِحلة قادمة. إنها كحكايات شهرزاد لا تنتهي أبداً وإنَّما تبدأ باستمرار." ص 122.

- "الكابوس هو نافذة يتسلل منها الماضي في ثوب السَّارق". ص 122.

- "الكلام مُفيد جِدّاً للتَّنفيس عن الحُزن والقلق والحَنين وغياب الأَحِبّة". ص 123.

- "التَّرجمة هي رِحلةٌ بحرية مُمّتعة مِن مرفأ إلى آخر". ص 125.

- "ما أجمل أن نتحرر مِن قيود الهوية التي تقودنا إلى الهاوية!" ص 126.

- "ذاكرتي جريحة تنزف، يجب أن أُضمِّد جراح الماضي في عزلة" ص 127.

- "هناك مثل يُردِّده الإيطاليون كثيراً: الضَّيف مثل السمك بعد ثلاثة أيام يتعفّن" ص 133.

- "العواء نوعان: عواء الألم وعواء الفرح. الكثير من المهاجرين المهمّشين الذين يتوسَّدون زجاجات البيرة والخمر في حديقة ساحة فِتُورْيو لا يكفون عن العواء الحزين لأن عضَّة الذِّئبة قاسية ومؤلمة. أعتقد أن العواء في بعض الأحيان كالبُكاء. أمّا أنا فأعوي من شدّةِ الفرح، أنا أرضع من ثدي الذِّئبة برفقة اللَّقيطين رُمُولُو ورِيمُو. أنا أعشق الذِّئبة ولا أستطيع الاستغناء عن حليبها". ص 137.

- "المرض يوقظ شيطان الحنين أو "الوحش".. إنه الخوف من الموت: الموت بعيداً عن أنظار الأحبة، الموت وحيداً، الموت بيعيداً عن الأُمّ". ص 139.

- "يا بني اذا كنت سائراً واعترض طريقك مسلحون، وأجبروك على التَّحكيم: مَن على الحق ومَن على الباطل، قابيل أم هابيل؟ إياك أن تقول: إنّ قابيل على الحق وهابيل على الباطل، قد يكون المسلحون هابليين فتهلك وإياك ثم إياك أن تقول: أنّ قابيل على الباطل وهابيل على الحق، قد يكون المسلحون قابليين فتهلك، يا بني إياك ثم إياك ثم إياك أن تقول: لا قابيل ولا هابيل على الباطل فتهلك، فصدر هذا الزَّمن ضيِّق لا يتسع للحياد، يا بني اقطع لسانك و ابلعه. يا بني اهرب! اهرب! اهرب! إياك من نار الفتنة فهي أخطر من أنياب الذِّئاب" ص 142.

- "الحقيقة مثل قطعة نقود، تتألف من وجهين مختلفين، الوّجه الأوّل يُكمِّل دائماً الوجه الثَّاني". ص 143.

- "الحقيقة مُرّة كالدواء! ينبغي تناول الدَّواء على جُرُعات، قد يُؤدِّي الدَّواء إلى الموت إذا تناوله المريض دُفعة واحدة". ص 149.

- "الذَّاكرة صخرة سيزيف اللَّعينة" ص 150.

* التّعريف بالكاتب عمارة لخوص:

كاتب جزائري من مواليد الجزائر العاصمة، 1970. يكتب بالعربية والإيطالية. تخرج من معهد الفلسفة بجامعة الجزائر عام 1994. أقام في إيطاليا 18 عاما، وحصل على دكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة روما. يقيم في نيويورك منذ 2014. صدر له: "البقّ والقرصان" (1999)، و"كيف ترضع من الذِّئبة دون أن تَعُضّك" (2003) التي ترجمت إلى ثماني لغات وتحولت إلى فيلم سينمائي عام 2010 من إخراج إيزوتا توزو. حازت الرواية على جائزة فلايانو الأدبية الدولية وجائزة راكلماري – ليوناردو شاشه عام 2006، إضافة إلى جائزة المكتبيين الجزائريين عام 2008. صدر له روايات أخرى هي: "القاهرة الصّغيرة" (2010)، "فتنة الخنزير الصّغير في سان سالفاريو" (2012)، "مزحة العذراء الصّغيرة في شارع أورميا" (2014) التي ترجمت إلى عدة لغات، ورواية رابعة بالعربية، "طير اللّيل" (2019).

***

 قراءة: السعيد بوشلالق

في المثقف اليوم