قراءات نقدية

استثمار الزمن.. قراءة في رواية: هيت لك أقليماً، لوداد الجوراني

يتسم مفهوم الزمن بدلالات سيميائية عدّة، منها (جوهرية/ بسيطة، مفهومة/ غامضة، حدوث/ تجدد، حضور/غياب، اقامة/ مكوث، البقاء/ بنوعيه (الماضي، والحاضر).

يمثل الزمن العنصر الفعال في بناء سردية الرواية، ولاينهض حضوره إلا بعنصر المكان؛ لأن الفضاء السردي شريكان لاينفصلنان، وهي طبيعة فلسفية ترتبط بتكوين الإنسان وقضية تكوينه الأول.

يختلف الزمن الروائي في اجبارية حضوره من روائي الى اخر؛ لكنه يحقق اجبارية توظيفه؛ لأنه عصب المتن السردي، من دونه ينعدم وجود متن كتابي.

ولايكتمل حضوره-الزمن- إذا ماارتبط بالوجود؛لأنهما مترادفان؛لأن الوجود يمثل الحياة، والحياة ترتبط بالزمن، وبين الزمن والوجود، تتكرر دوامة الحياة اليومية، منذ نشأة ابونا (ادم)، وامنا(حواء).

شكلت هذه الماديات المجانية والمعاشة منذ الأزل القاعدة الرئيسة في تكوين بذرة المتن السردي للرواية.

يبدأ السرد هنا أزمته من البداية، فـ (هيت لك.. أقليماً)، إذ يحاول العنوان هنا التقاط الصورة من الواقع المعاش، ورب سائل عندما يستوقفه معنى (أقليماً) الذي يقترب مفهومة من منطقة سكانية، إلا أن مفهومه داخل الروايةجاء ليجسد عن طريقه قضية (اول جريمة قتل في الاسلام) وضمير المجتمع، فإن توظيف لغة الشكوى والشجن والقطع الذي حدث في كتابة صياغة العنوان الروائي لم يأت من فراغ، أنما من صراعات ذاتية خالجت الكاتبة اولاً، وذات الأخر ثانياً، وبين هذا وذاك ضاعت الأمم وتفرقت الشعوب، وكأنها احبت استقطاب قضية القتل الأولى التي سجلها التاريخ، وهيأت للبشرية قضية متوارثة نمت بإزاء الأيجابية في تسجيل حضورها، استثمار الروائية لهذه القضية جاء بقصدية عالية، و سجل ذكاءها حضوره المثمر في تدوين النص بغية نقل حجم الدموية المعاشة أنياً.

إن استثمار قضية (قابيل/هابيل)، واختلافهما في قضية زواج قابيل من اخته التي من المفروض ان تتزوج من هابيل، إلا أن جمالها سجل وجوده في نشأة الخلاف بين الأخوين، ليغدر الأخ بإخيه، ويودي به قتيلاً، سجلت هذه القضية بنية مركزية ومادة مجانية في بناء الكثير من الكتابات الأبداعية.

تسترجع الزمن الماضي، عن طريق دلالاتها السيميائة(قابيل/هابيل، ادم/حواء، الألهة/ اوروك/ حفيد جلجامش، نبي الله يوسف/امرأة العزيز- نلتمسها عن طريق العنونة وتناصها مع قوله تعالى{وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك}-، الخلاف في دلالة توأمة أخت (قابيل) إقليميا /إقليما/ إقليما بنت أروى).

وقد فسر النص القرآني هذه القضية القديمة زمانياً، والمعاشة بماضيها وحاضرها بيننا، بطريقة مفهومة ومبسطة؛لأنها تسير نحو حدث واحد.

تنقلت الرواية بين هذه الظروف الزمانية، بلغة ابتعدت عن جفوة البلاغة وتعقيدها.

وانتهت بسلسلة الدومية المعاشة، واحداث العراق المميتة نلتقطها عن طريق شخصية (عاشور).

اخيراً، الروائية اجادت في توظيف التاريخ وسلسلة دمويته المتعبة، وابدعت في رسم الزمن وتدرجه، بلغة سردية اقتربت من القص في نقل الأحداث بفضائها، من دون الأسهاب المثقل، ليأتي السرد بلغة ناطقة لأحداث الزمن الماضي، ثم يدون دموية بلدها العراق، الذي ابتلى بسلسلة تاريخية موجوعة تارةً، ومثمرة تارةً اخرى، اثمارها يأتي عندما اجادت في استثمار زمنية تراثه (اوروك)، و( حفيد جلجامش أودول كلاما).

 

بقلم: وسن مرشد

 

في المثقف اليوم