قراءات نقدية

الإسلام السياسي.. احمد مطر أنموذجاً

تصدت الأقلام ومنها القصصية، والروائية، والشعرية، والنثرية منذ مدةً طويلةً إلى ظاهرة الإسلام السياسي المقنعة برداء الدين، وهي ظاهرة قديمة حديثة، متنامية تصاعدياً، وكلما تطور الفكر كلما زادت إشكالية هذه الظاهرة وتبعياتها الضاغطة.

ويعد الاهتمام بهذا التوظيف من اقدم الموضوعات التي شغلت العقل الإنساني، ويعود السبب في ذلك إلى كون البعدين: الديني والسياسي من الابعاد التي لازمت اهتمامات الإنسان البدائي، وتلازم وجوده الآني في مختلف مراحل تطوره، لتكون قيداً خانقاً في مجالات  حياته  كلها.

ويعد فصل الدين عن السياسة معادلة مقفلة؛ لأن الدين الجديد يتغذى من الوجود السياسي، والسياسة تتغذى من الوجود الديني، والمساعي جميعها اعلنت الفشل امام فصل هذه الظاهرة المميتة.

بعد التعمق في قراءة الكثير من النتاجات الشعرية، يمكننا أن نتوصل إلى أن قصائد الشعراء اغلبها تتفق في نقد هذه الظاهرة المعتمة المجانية.

وثمة قناعات يسعى اليها الكثير من الشعراء ومنهم شاعر السخرية ( أحمد مطر)، تتمثل في مزاجه الفكري والعقائدي، إذ تكمن خطورة الطرح الايديولوجي عندما يكون في الأطار الديني الذي ينبثق منه، إذ تتجلى في إشارات عدّة، من تحريف لرغبات الذات الطبيعية، وإدارة الفرد والسلطة والحياة والحب والجنس والعلم إلى الحرية والمعرفة السياسية.

وتأتي قدرة الشاعر (احمد مطر) على توظيف الإشكاليات ضمن مناخ القصائد، وهذه القدرة هي محاولة حذرة تأتي للتأكيد على قدرة التأريخ في الحضور المتجدد، بسبب سلطة السياسي الذي يستعين بتأريخ الإشكاليات من اجل مصالحه الذاتية، وتحقيق فكرة الحشد والاصطفاف الشعبي.

أمتازت اشعاره بلغة بسيطة ساخرة من كل ضاغط، خارقاً لكل انواع التابوات، لغة تبتعد عن جفاء البلاغة، يفهما القارىء بنوعيه (المثقف، والعادي)، إلا أن هذا لايعني أنها لغة لاتمتلك التورية تارةَ، واعمال الذهن تارةً اخرى، ففك الرمز الشعرية أقرب إلى فك معادلة (فيثاغورس)

واحمد مطر في نماذجه يقدم تصورات عن ضغط الإسلام السياسي وتشكلاته، وقدرته على توظيف الفتنه الطائفية، وهي سياسة قديمة منذ العهد العثماني، الذي وظف سياسة(فرق تسد).

أنَّ لِسـانَكَ يلهَـجُ باسـمِ الله

وقلبَكَ يرقُـصُ للشيطـانْ

أوْجِـزْ لـي مضمـونَ العَـدلِ

ولا تـَفـلـِقـْـني بالعُنـوانْ

لـنْ تَقـوى عِنـدي بالتَّقـوى

ويَقينُكَ عنـدي بُهتـانْ

إن لم يَعتَـدِلِ الميـزانْ

شَعْـرةُ ظُلـمٍ تَنسِـفُ وَزنَـكَ

لـو أنَّ صـلاتَكَ أطنـانْ

الإيمـانُ الظالـمُ كُـفرٌ

والكُفـرُ العادِلُ إيمـانْ

هـذا ما كَتَبَ الرحمـانْ

(قالَ فُـلانٌ عـنْ عُـلا ّنٍ

عن فُلتـا نٌ عـن عُلتـ

عن فُلتـا نٌ عـن عُلتـانْ)

أقـوالٌ فيهـا قولانْ

لا تَعـدِلُ ميـزانَ العـدْلِ

ولا تَمنحـني الإ طـمـئنـانْ

د عْ أقـوالَ الأمـسِ وقُـل لي

ماذا تفعـلُ أنتَ الآنْ ؟

هـل تفتـحُ للديـنِ الدُّنيـا

أم تَحبِسُـهُ في دُكّانْ؟!

هـلْ تُعطينا بعـضَ الجنَّـةِ

أم تحجُـزُها للإخـوانْ؟

قُـلْ لي الآنْ

فعلى مُختَلـفِ الأزمـانْ

تقديم الشاعرلهذه الإشكالية أجده مرتبطاً بالوضع الراهن، فالنص كدائرة مغلقة يدور حول المرتكز من دون الخرود منه،فمؤشر -ضغط الإسلام السياسي- يتجه باتجاه السالب أكثر من الموجب، فإنها ضريبة يمكن تشبيهها بالنار التي كلما خمدت زودت بالمنشطات لأشعالبها، فهي نار أزلية التهمت الأمة،ولم تطفأ إلى وقتنا الراهن.

ويؤكد على استمرارية الحدث(يرقص، تفلقني، تقوى، يقينك،تنسف، تعدل،تمنحني،تفتح،تفعل، تحبسه،تعطينا،تحجزها).

وقوله: هل تفتح للدين الدنيا، سؤال لايجد جوابه، ليقترن بسؤال آخر  أم تحجزها للإخوان؟، وهي اسئلة عقيمة الجواب، نشأت عن سلسلة تراكمات، وظرةف نفسية معتمة، احاطت بذات الشاعر اولاً، واسس بنائها من قرائيه لسوداوية المحيط المعاش.

والطُغيـانْ

يذبحُني باسم الرحمانِ فِداءً للأوثانْ

هـذا يَذبـحُ بالتَّـوراةِ

وذلكَ يَذبـحُ بالإنجيـلِ

وهـذا يذبـحُ بالقـرآنْ

لا ذنْبَ لكلِّ الأديـانْ

الذنبُ بِطبْـعِ الإنسـانِ

وإنَّـكَ يا هـذا إنسـانْ

كُـنْ ما شِـئتَ

رئيسـاً

مَلِكـاً

خانـاً

 

خانـاً

شيخـاً

د هـْقـاناً

كُـنْ أيّـاً كانْ

من جِنسِ الإنـسِ أو الجَـانْ

لا أسـألُ عـنْ شَـكلِ السُّلطـةِ

أسـألُ عـنْ عَـدْلِ السُّلطانْ

هـاتِ العَــدْلَ

وكُـنْ طَـر َزانْ

رؤية الشاعر للشخصيات هنا رؤية مستقبيلة، يسعى عن طريقها إلى نقد التاريخ بكل مايحمله من جانب، وجعل التاريخ في سلسلة متواصلة ومبنية على الاحتمالات والصراعات من لحظة توظيفه ( والطغيان) ضمن سياق النص، ليجر هذا الطغيان سلسلة الصراعات الداخلية، والخارجية، ضمن البلد الواحد والبلدان الآخرى، وجلها تحت نفس الاقتتال ؛ لأن الجدل المذهبي والصراع الطائفي ليس جديداً في تاريخ الأمة.

ويكاد النص يؤكد على أن اساس نيل الحريات يكمن في فهم النصوص المقدسة من (القرآن الكريم، الآنجيل، التوراة) التي بدورها تبحث عن الحرية والعدل، ولا تبحث عن الظلم والأقتتال كما هو مفهومها الآني (لا ذنْبَ لكلِّ الأديـانْ/ الذنب بطبع الإنسان) .

وليؤكد  أن البلاء داخلي بقوله: (كن ماشئت) (رئيساً، ملكاً، شيخاً.....) فالصورة واحدة = الإنسان= كن اياً كان .

وينسج صورة غاية في الجمالية (هات العدل= كن طرزان).

أضيف، عتمة المشهد الأجتماعي المعاش، تحت كنف سلطات ضاغطة، أسس نتاجات ادبية تشهد لها مناهل العلم؛ لأنها انطلقت من عقم الواقع المعاش، بلغة مجانية، وصياغة ادبية متقنة، فالمادة متوفرة، تبقى مهارة الاتقان الأدبي، الذي حقق وجوده بجدارة.

 

د. وسن مرشد

 

في المثقف اليوم