قراءات نقدية

عتمة العنونة! قراءة في رواية: الأب القاتل لـغالب الشابندر

يؤسس العنوان عتبة نصية اولى لقراءة النص، وهو هوية الكاتب ودليله.

ويعطي العنوان صورة اولية لمحتوى المؤلف ومضمونه، منها- العنوانات- ما تؤشر إلى الايجابية منذ الوهلة الأولى، ومنها ما تحمل من السوداوية المعلنة لمضمون النص، وهذه الانطباعات في هيكلية صياغة العنوانات تنبع من تراكمات ضاغطة على الكاتب اولاً، والمجتمع ثانياً؛ لأن الكتابات لاتصدر من ذات متفردة فقط، أنما تأتي لتتخذ من الظروف المحيطة به-الكاتب- اساساً اولياً في صياغة العنونة.

(الأب القاتل) رواية  حملت من عتمة العنونة وسوداويتها الشيء الكثير، لتحيلنا إلى دوامة البحث عن حقيقة من هو القاتل؟ فـ (الأب) من البعيد جداً أن يكون قاتلاً، هذا الأستبعاد يدفعنا إلى البحث بعمق، وقراءة النص لمرات عدّة، لنجد التورية الحقيقية في صياغة العنونة المبطنة، ولتعلن الرواية نقدها المعلن للضغوطات جميعها، وبصورة أساس للضغط السياسي المميت، والذي قاده- الشابندر-إلى صياغة النقد بإزاء المقدس الأعلى،وكأنه يوظف الخوف من النقد المعلن للضغط السياسي، ويتجه بإزاء الخروج على المقدس الأعلى، واجد السبب هنا؛ لأن الخالق ينحصر حسابه بيوم القيامة فقط، بعكس الفعل السياسي الضاغط الذي يوظف سطوته في الأوقات جميعها، وهذا لايعني أننا نؤيد ما خرجت اليه الرواية من نقد معلن ومباشر للذات العليا، انما تأتي قراءتنا لنص مكتوب فقط، وهو مايمليه علينا واجبنا النقدي.

في رواية (الأب القاتل)، يمكن أن نصنف هذه الرواية تحت الرواية الشعرية، أكثر من تصنيفها بالرواية السردية.

والشعرية لاتقتني الخصوصية في الأشياء ذاتها، بل في تموضع الأشياء في فضاء العلاقات، أي أنّ الشعرية عامة لا تمتلك او لا تتحدد بنهج معين من الكتابات.

̏ بكاء الأطفال يُصعق الإله، لم يتصور الإله أنّ صوت الأطفال يهزّ عرشه بهذه القوة، لقد كانت أصواتهم في عرشه منقوشة على شكل صور، الصور تحّولت إلى

أصوات، بكاء الطفل صوت، الصوت يخيف، يشغل هشيم الذاكرة نار الإنبعاث من

جديد، ألهذا كممّوا أصواتنا يا ناس؟

لستُ قاتلا...

لست قاتلاً...̋

إنّ تصوير (الشابندر) بكاء الأطفال بالصاعقة هو إحدى التوظيفات الحديثة لتوجيه النقد نحو (الذات العليا)، وكأنه في محاولة توظيف (عتاب) للخالق اتجاه خلقه. عندما

يقول (لم يتصور الإله أنّ صوت الأطفال يهز عرشه)، وكأنه يريد القول :

إنَّ الخالق لو يعلم أنّ تبعيات الأصوات تهز عرشه لما خلقها، وفي سؤال يعرض ذاته، كيف لعرش السماء أن يهتز لمجرد البكاء؟ لتبقى الإجابة في دائرة مغلقة.

وشكل الهاجس السياسي دافعاً أولياً في تشكيل بنية هذا النص، فمن قوله (الصوت يخيف) تبدأ الذاكرة باسترجاع هشيمها المتحطم، فالضغط السياسي المغلف بطابع الاستبداد، هو السبب الرئيس في تصدير مثل هذه النتاجات الأدبية.

وهذا الإعلان المباشر والخرق الواضح للمقدس ولحرمة الخالق أجده قائماً على أساس الحس المأساوي الذي يملأ روح الروائي، ليجعل ملاذه الأخير - التكرار -بالإعلان:

لستُ قاتلاً...

لستُ قاتلاً...

اضيف، أن الرواية العراقية نجحت في تقديم قراءة حقيقية لعتمة المشهد الأجتماعي المعاش، وبهذا حققت لذاتها وجوداً حقيقياً، ومعلناً امام الكتابات السردية العربية، وتفوقت في صياغة وثيقة سردية شاهدة على عصور من الظلم والأستبداد الضاغط.

 

د. وسن مرشد.

 

في المثقف اليوم