قراءات نقدية

منطوقات الهوية في لغة الشاعر أجود مجبل: كأس لانقراض ساعي البريد.. قراءة ثقافية

اللغةُ الشعرية قبل أن تكون وصفية وجمالية هي انتماء وهذا الانتماء هو الذي يرسخ الهوية ومنه ننظر إلى الشعر في العراق في الوقت الحالي بأنه ليس مقاربة معرفية وصورية قائمة بذاتها ومنعزلة عن أيَّة انتماء، بل ننظر إليه بوصفه شعراً قائماً على أساس تثبيت دعائم مركزية الهوية التي تبعثرت أجزاؤها في المدة الماضية ولا سيما عند نشوب الحروب الطائفية، وهيمنت الهويات الفرعية الصغيرة، فاللغة الشعرية ليست كينونة ثابتة بل متحركة وفعّالة وإذا اردنا أن نعرف ما شكل تعبير الكاتب الأدبي أو الشعري فإننا نطرح تساؤلات عن لغته ومعرفته ومن هو؟ وبهذا يمكن أن نحكم هل لغته كانت مماثلة ومطابقة لشاعر ما؟ فمثلاً شوقي حين قلد البحتري في سينيته هل كان يعني الهوية ذاتها؟ بالتأكيد لا؛ لأنّ الهوية في شوقي تختلف عن قصيدة البحتري، ومعنى ذلك أن هذا التطابق مهما كان متماثلاً فلا بد من وجود فوارق في جوهريته وذلك لأنّ المفهوم العميق في النص الشعري للهوية لا يقلد . وفي الشعر العربي المعاصر تحديداً مرحلة فقدانه للوظيفة الاساسية نلحظ أن بعض التطابق ظهر عند شعرائه، لكن هذا التطابق لا يعني أنهم اتحدوا في هوية واحدة، فأجود مجبل حين عاد بنصوصه الشعرية بلغة تجمع بين الحداثة والقدم، متفرداً بهوية فردية لا تتوحد مع باقي الشعراء، فيقول في قصيدة كأس لانقراض ساعي البريد :

  ستُعلنُهم مرايا الوجد سكرا       وهم ضمأ الحروب الى ذويها

وتأريخ الرصاص إذا اكفهرا      وهم في فزع المراكب هزيع

نرى لغة الشاعر قد عادت الى القصيدة الجاهلية لمتانتها وسمكها وأنها قائمة بنفسها ولنفسها مما اتضحت الهوية العربية التي غابت في مناخ التقسيم والتهشيم محاولاً لتثبيتها . ويعود الشاعر ايضاً الى التاريخ والاسطورة يوظفهما بمفردات لغوية تتناسب مع روح العصر ولا سيما في قصيدته خيانات انيقة اذ يقول :

وتُدهشُ الارضَ إذ نعانقها

نيرون عُودَ الثقاب كان بها

لكن روما لها حرائقها

وصبيةُ الأبجدية احتفلوا

في ليلةٍ زُوّرت دقائقها

خانوا على غفلةٍ مُعلّمهم

في لحظةٍ جمّة مزالقها

لم يسألوا عن خطاه

النص جمع بين أسطورة نيرون والعشاء الأخير واليسوع مع تلاميذه، وهاتان الاسطورتان كثيراً ما وظفهما الشعراء في قصائدهم، لكنّ هذا لا يعني أن هويتهم واحدة، بل هنا سعى الشاعر الى توظيف التاريخ بلغة حداثوية تتناسب مع هوية العصر المفرقة التي حاول لمّ شتاتها . وفي قصيدة السومريون سعى الى تسليط الضوء على هوية محددة، فيقول : في ليلةٍ

مع زَقّوراتهم ولدِوا

والقمح مازال طفلاً بعد لم يطحن

فاستقبلتهم أكُفُّ الريح حانية

وعانقهم غصون الآس والسوسن

لغة القصيدة في النص أعادت الهوية الى موطنها الأصلي ولا سيما حين ربط الشاعر ولادة الفرد مع الزقورة السومرية، فركز على الهوية العراقية ذات الجذور العميقة . يمكنني القول إنِّ أجود مجبل سعى الى توظيف اللغة المركبة؛ لإثبات الأصالة للهوية العربية اولاً، والعراقية ثانياً وبهذا تتضح وظيفة الشاعر عن طريق الرؤيا العميقة للهوية الممزقة في السنوات الأخيرة ولا سيما بعد ثورات الربيع العربي.

 

موج يوسف

 

 

في المثقف اليوم