قراءات نقدية

آدم وحوّاء وثالثهما "رواية"

1224 قواعد العشق الابعونقراءة  في رواية " قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية إليف شفق.

"الكفر الحلو" .

هذا هو العنوان الذي كان يجب أن يكون بدلا عن " قواعد العشق الأربعون". لشفق أليف.

الكفر الحلو، ليس ما حدث في رواية عزيز عن جلال الدين الرومي وشمس التبريزي، بل ما حدث لعزيز حيال "إيلا" . وليس تنبّؤا، إنّما الصّدفة، أو القدر تدخّل لحلّ معضلة .

إنّه المتصوّف الآتي في روح التبريزي إلى إنسان هذا الزمن من خلال عزيز . بداية، لا أومن بعشق المتصوّفة، فما صَادَقَه فيما شهدتُه آية له، وأميل مع الكثير إلى القول بانحراف عقائدي في تصرفاتهم، وبكثير من الرحمة أقتنع برؤية علم النفس المرضية والمخابر التي تخضع تجارب الإنسان إلى أغواره العميقة، وبإيحاء غامض فيّ أشهد لعوالم مختلفة قد يعيشها بعض البشر دون سواهم، فما العالم المشهود إلّا اتفاق في مصطلحاته وينصرف آناء الإنفراد كل منّا إلى اعتناقه السري لأكثر الآراء انحرافا عن الفكر الإنساني العام مذ بدء الخلافة على الأرض.

العلاقة بين التبريزي وجلال الدين الرومي، في سياقها التاريخي، كانت علاقة مشبوهة، ذاك العشق غير الطبيعي، حتى الحكم عليه بأنه " الحرام" لا يفسرّه . فماذا كان يجري بالفعل بينهما في حالة الخلوة؟ هذا السؤال لا يمكن أن يغفل عنه كل من عاصرهما، وقارئ الرواية لابدّ يسأل خاصّة وقد بدا مابينه وبين كيميا حجاب حاجز حين الزواج، وبينه وبين وردة الصحراء وكان سيكون حيال أيّ امرأة أخرى، أم أن، المرأة التي تهزه لم تجئ بعد وتأخّر ظهورها إلى زمن معاصر في شخص " إيلا"؟. فتلهّى بروح الرومي انتظارا ليوم مؤجّل في التاريخ؟ لكن الجواب يحضر ضمن السرد ليرفع ظنون السوء ويكشف العشق سماويا روحيا لنؤمن أن الأرواح مجندة ومن ااتلف منها فطوبى له لكنّه لا يجيب على اقتراحات أخرى. وينتهي عصر التبريزي بتبرئته من الكفر، فالكفر ليس حلوا أبدا . ولم يكن ليتقبله حتى ولو كان حلوا.

بعد التبريزي وجلال الدين الرومي، لم يحدث عشق آخر يحفظه التاريخ  أو يفضحه، وسارت البشرية على النمط الأوحد المشروع دينا وفطرة، كأن الأرواح مجنّسة أيضا، فيها الذكر وفيها الأنثى .وكلّ تآلف بين اثنين من جنس واحد هو كفر وانحراف ومرض لأنّه ااتلاف جسدي وليس روحيا.

كأنّ التبريزي عرض عليه كلّ خلق الله، وكان أليفه في هذا العصر فجاء إليه من خلال عزيز، فأيّ منزلة هو عليها عند الله ليحظى بمثل حظ الأنبياء؟ أوليّ صالح هو؟ سنرى هداه في عزيز.

هذا المتصوّف الذي انسلخ من كل أوساخ الدنيا ليتطهّر في روح جديدة قديمة، هو عزيز .

هي، إيلا، الكاتبة المتخليّة عن الدنيا لأجل قيمة الزواج الإجتماعية أكثر منها دينية .تتلبّس دورا لا يزيد عن دورتتصوّره كاتبة . دورجلال الدين الرومي.

سهل على الرجل أن يتقمص روح رجل فهل كان سهلا على إيلا تقمص جلال الدين الرومي؟

هو سهل، لكنّه لم يحدث . وهولم يرها قط " الرومي" الجديد .ولم تشأ إلّا أن تكون "هي" الروح المتكوّرة في الأنثى . فهل عليّ أن أحاسبهما على ما يفعلان في الكتابة بالأشخاص؟ طالما اعتبرت الأدب أثرا يضيف إلى شخوص الروايات كأن يعدّل أقدارهم، يمنحهم فرصا أخرى لتدراك الأحلام، عيادات استشفائية، تنصيب عدالة لقضيتهم، فإذا لم يكن لسبب عظيم فلم نعود بهم من مستقرّهم إلى طغيان الأمواج في الحبر؟ ولِم نشهد قارئا على بعث لا جدوى منه أو لإعادة مأساة ؟ أنا شاهدة، إذاً يحقّ لي أن أوجّه المحاكمة.

كان على الكاتبة أن تعود بالتبريزي ليحيا أمنية . ففي اعتقادي أن فشلا بليغا في علاقة عاطفية تلحقه صدمة النفس بالعوالم الخفيّة تجعل المصدوم يعتنق حبلا يشدّه إلى الله لا شعوريا كحيلة دفاعية ضدّ الألم . ونوعا من التصعيد النفسي . وهذا ما يحدث مع المتصوّفة الداعين إلى عشق إلهي فالشرعي هو الحب الإلهي، أما العشق فمصطلح للانحراف العاطفي . وهذا ما حدث مع التبريزي، فهو لم يظفر بعشق يروي حالة الحب الكبير الذي يلتعج بين جنبيه لسبب ما قد يكون صورة مهيمنة للحبيب في الذهن لم تمثّلها في الواقع أيّ صورة، وفي الوقت نفسه لم يبلغ العشق الإلهي الذي يبلغه المتصوفة تعويضا عن حب متمثِّل فأفرع فيض ما يشعر به على الرومي بغض النظر عن كل الإرهاصات التي أعدّت لقاءه بالرومي.

هناك مرحلة نفسية، تتدفّق فيها العاطفة، وتصير فيضا مجنونا وإذا لم تصادفها مستقبِلات تتفرّغ في أشكال عديدة منها ما هو صالح لاستثمارها مثل الفن ومنها المنحرف عن الطبيعة ومنها العشق الإلهي.

لذلك، فإنّ العودة بالتبريزي دون تحقيق أمنية ضَرَرٌ به وهذا سبب موت عزيز الحقيقي الذي هو أيضا موت ثان للتبريزي . فلم إذاً كلّ هذا الاستدراج لعزيز؟ (الأمنية اتصال روحي وجسدي بالمحبوب ولم يحدث اتصال جسدي بينهما)

إيلا، الزوجة المتنحيّة كصفة في الوراثة، هل صدفة، تتفجّر فيها كل تلك العاطفة لتقذف بها بعيدا عن أبنائها؟ قد نذهب مع الكاتبة مذهب الأرواح المجنّدة، روح نادت روحا فما انتقل الجسد وإنّما الروح انتقلت . ولا سلطان على الروح فإنّها بأمر الله مرسلة . فلا لوم أدبيا على " إيلا" . هكذا تجد الكاتبة حيلة لتبرئة " إيلا" من ذنب كبير. وفي الحقيقة هي تبرّئ ذاتها .

إيلا أيضا هي جيزال في رواية " سأهبك غزالة " لمالك حداد . وقد توجد نسخ عديدة منها طبق الأصل . فليس الأصل الشرقي من يهدر عواطف المرأة، إنّما الرّجل. فكيف سيختلف عزيز أو التبريزي عن كلّ رجال الأرض؟ لذلك كان جزاؤه الموت بعد التضحية الجليلة التي قدّمها : " الكفر" .هو كفر حلو، لكنّه لم يذق حلاوته .ما فتئ كَــفَر بالتبريزي وتنزهّه عن الجنس لحاقا بالأنثى الأمنية حتّى انتهى . هل هو عقاب إلهي؟ بل هو عقاب الأنثى .

إنّها القصّة القصيرة لكلّ النساء "حوّاء" . وليست رواية شفق . قصة متوارية، متنحية لصالح قصة قصيرة أيضا للرجل وليس عزيز . آدم.

إنّها القصة الومضة الأولى . استدراج ثم كفر . كفر حلو ما أخرج آدم من الجنة : امرأة .

إنّها الرواية الوحيدة هنا ......رواية من فعل رَوَى. الرواية المزعومة . بينما الحقيقة تلغي كلّ هذا الجهد.

وما أضرّت الكاتبة إلّا بشخصين : جلال الدين الرومي وشمس التبريزي . فإن كانا من أولياء الله الصالحين فماذا نحن فاعلين؟

 

بقلمي / الكاتبة إلهام بورابة من الجزائر

 

في المثقف اليوم