قراءات نقدية

تفاعلية النص.. قراءة في رواية: الوليمة العارية لعلي بدر

تفاعلية النص: يقصد بها عملية تجاذب بين بؤرتين مختلفتين، احدهما كتابية، والاخرى: قرائية عن طريق القارىء بنوعيه: المثقف، والعادي.

تأتي التفاعلية عن طريق لغة سردية مفهومة قدمها الروائي، مما وفر الحاضنة الواعية المستقبلة لقراءة حيثيات المشهد السردي.

أعتمد السرد على مناقشة التاريخ، وبما أنه انطلق من هذا المنطلق هذا يعني أنه سرد معتم ومثقل بالهم؛ لأن التاريخ ماهو الا سلسلة مثقلة بالوجع، ومشاكل عالمنا العربي تعود في أغلبها إلى هيمنة التاريخ كسلطة حاضرة ومؤثرة في العقل والسلوك على الشارع، ومجال التعليم، و المؤسسات الرسمية.. الخ، فإنَّ التاريخ ليس مجرد حشو من الأحداث، وإنَّ بدا ظاهرياً كذلك، فعلى العين الفاحصة أنَّ تستكشف الباطن والمضمر.

فالتاريخ الذي نعيشه الان هو حشد من الأخبار والوقائع والشخصيات، تم تناولها بطرائق مختلفة في إطار أيديولوجي وعقائدي، وحقيقة هذا التاريخ تأتي من القناعة والإيمان بشكل ذلك التأريخ وقداسته من تلك القناعات التي لا يمكن المساس بها، ولا بد من التمييز بين الظاهري في الواقع مَنْ الباطني الجوهري .

نسجت الرواية متنها السردي بطريقة تفاعلية بنائية، وببنية تركيبية مفهومة، اشبه بلعبة الدومينو، التي تتطلب منا بعض التركيز في اللعب لأكمال حلقة لعبها، وهذا ما جاء في الرواية، التي ابتدأت بصيغة سردية جاذبة للقارىء، ودافعة به إلى الاجبارية الطوعية لأكمال قراءة المتن السردي، وهذا ينطبق على روايات الكاتب اغلبها، والرواية العراقية بصورة عامة؛ لأنها روايات حاضنة للظروف الاجتماعية، ساعية إلى نقد الضغوطات الموظفة بإزائه، ومحاكاة سوداوية المشهد المعاش.

بؤرة التحقيق التاريخي هو المرتكز الأول في بنية السرد، الذي صاغ التقاء هويتين متناقضتين، احدها عراقية، والثانية اجنبية.

البطل (منيب افندي) الذي يعشق كل ماهو اوروبي، نسج عن طريق هذه الشخصية تحولات المجتمع العراقي، والعربي خاصة، بعد مغادرة الاتراك لبغداد، ودخول الانجليز محلهم، "منيب افندي .. منيب افندي؟ لقد حاول جاهداً اللحاق بالترامواي فلم يستطع .. وكلما استطاعه هو التعلق بنافذة العربة التي يجلس داخلها منيب أفندي وصاح: منيب افندي أمضيت الليل كله وانا اقرأ كتاب الزهاوي الذي اعطيتني اياه بالأمس.. وأنا اتساءل لماذا لا نحرق الزهاوي "، فــ (منيب افندي) شخصية كولونيالية، وصورته قريبة من شخصية (الشيخ امين)، وهما صورة مزدوجة، ومتشابهة "كانت السماء تمطر مطراً حقيقياً ...كان الشيخ امين ومنيب افندي كلاهما ينظران إلى هذا المطر ..."

والعبد المطيع تمثل بشخصية (محمود بك) الضابط الصغير في الجيش العثماني .

استنطاق المسكوت عنه، هو الوظيفة الرئيسة في مهمة المتن السردي، بالاضافة إلى السخرية المعلنة للثالوث المحرم، واللصوص، والضغط الموظف بحجة رداء الدين وستاره، الذي اصبح مادة مجانية للكثير من التوظيفات السياسية الضاغطة، بحجة الدين يمرر الكثير من الممنوعات.

أما (الجنس) فقد جاء بطريقة معلنة لأزاحة جانباً كبيراً من الضغط المعاش، والهرب منه، إلى الوجهة المضيئة الجزئية.

أخيراً، اضيف، أن النتاجات السردية العراقية أغلبها، جاءت صورة درامية معاشة بلغة سردية ناطقة، وموثقة، شاهدة على عصر غيب ابنائه في ظروف سوداوية معتمة ضاغطة لواقعهم، بطريقة اجبارية ضاغطة.

***

د. وسن مرشد

 

في المثقف اليوم