قراءات نقدية

تتبع غير تام لما وراء المفردات في قصيدة: دموع الشيطان

نبيل الشرعللشاعر مصطفى ساهي كلش

المدخل والداعي

الطوق المعرفي بأبعاد المشكلة الإنسانية يلقي بهمة على رقبة الكون أذا ما ما توجهنا إلى هدف الوسيلة في تمكين العقل من جنبة الوضوح وهنا ينتج مجال تعبوي يحتاج معالجة مناطقية ونفس هذا الطوق المعرفي هو البحث عن العلة والداعي إلى وجود المعلول بقطع النظر عن إلقاءات الفكر الإنساني لهذه المنطقة .

(دين، إلحاد، طبيعة) فالكل يعلل والكل يقود عقله إلى نتيجة لكن تبقى الفحوى هي الوسيلة الحياتية وهنا على كل مدون لمتن ما أن يتدبر معنى متنه قبل تجسيدة للذوق العام وحسب منطلقه العملي في تحديد علاقته بالوجود بمعنى أن يكون منطلقا من (كليات حقيقة) يؤمن بها ويعيشها لكن عندما يجد مطابقة التطبيق تختلف عن النتيجة التي كانت تعيش في خلد فكره يصبح التمرد الإنفعالي مرجعا آخر يوازي ألقائته الفكرية ليصنع لنفسه جدلية قوية يخوض من خلالها غمار الخروج من سيرة التوجيه إلى سيرة التوجه، فالحياة على ماهي واضحة لكنها تبقى غامضة ملبدة غير مستقرة ولم تصل الإنسانية في ظل تقلبها إلى كلمة مطابقية ونهائية عنها (كل يفلسف الحياة من منظاره) وعليك انت أن تبحث عن الواقعية نعم الواقعية وليس الحقيقة لأن الأخيرة أمر نسبي يدور مع تقدم الزمان فالشكل الماورائي والشكل المادي والشكل الفوضوي كيانات أسست قصديات عدة وعالم الشعر توغل كثيرا في هذه القواعد فالذي يربط واقعه بالإله يؤمن بحكمته من الوجود والخلق وعليه فالنص المعنون (دموع الشيطان) له ماهية التمرد ولو بنحو الترديد بين الإسقاط الكلي وبين الحفاظ على هوية الفكر والعقيدة فالشاعر كون حلبة الدخول بعنوان ضنين يحمل طعنا واضحا بجدوى وجود البشر على ماهم عليه .!

(دموع الشيطان) فكرة كاملة وتيار واعي وتعنيف عميق للبشرية في أنها لم تفلح ولم تجد مرتسم الصيانة الكونية لهدفها وبعدها تأتي مطلعية النص هل نحن فائضون عن الحاجة؟

وإذا كنا كذلك إذن لم خلقنا؟

الى أخر أوتار الفكرة في ما وظفه الشاعر في معينه.

ما يوجه للنص من اشكلة هو محاولة خرقه للمثالية والقواعد التهذيبية إذ أن منطلقه هو منطلق الإيمان وليس الأنكار لكن هو يوحي لنا استنكارا قويا وكدفاع عن النص نقول هذا الإستنكار تارة كان بريئا محضا وتارة كان لازما ومطلوبا بفضل ما وجد من تناقضات حياتية معاشة .

ثم اشكلة أخرى وهي أن الموجد لا دخل له في وفرة الأخطاء البشرية رغم أنه هو الموجد لأن في أول ظهور على بصورة ادم عصت موجدها واطاعت ذلك المخلوق الذي وسوس لها

وهذا هو أحد أسرار النص إذ يريد أن يقول إن بعثنا في الأرض ماهو إلا عقاب تستوفيه البشرية وتنتهي منه

الوتر الأول

التواجد في منطقة السؤال من حيثية النتيجة الغريبة الحدث البشري بتقريب الربوبية اعترافا بسلطة الإله والرب على الشاعر لكن سؤاله المعبر عنه بالأبكم كنوع من التقابل مع الضد (نطق / أبكم) فعلية التمرد لكن بهدوء خلقت من العتبة نمطا طريفا شاسعا :

ياربُ قد نطقَ السؤالُ الأبكمُ

هل خلقنا كـ(لزومِ ما لا يُلزمُ)؟

طاقة الوجع وهذه شرعة جديدة يخلقها النص تجعل القابل يمزج وجعه في أوراق التساؤل عن الهوية الحقيقة للخلق؟

ويصل بنفسه إلى مدعى (لزوم ما لا يلزم)

ويبقى في فلك الحيرة الأخاذة شكلا ومضمونا عند دائرة الغرائبية التعجبية :

هل من مُرادٍ في سُلالةِ (آدمٍ)؟

أفصحْ لنا فيما تراهُ وتكتمُ

أن مدعى الشاعر في خلفية المتن هو رغم كل ما توضح من لدى الخالق (على يد الكتب)

من أسباب الإيجاد والإنشاء لم تفلح في فهم الحدث البشري لإن الواقع مغاير .

هذا من جهة ومن جهة أخرى تبرز خاصية التعاطي التي فحواها أن كل ما وصلتم إليه من واقع مختل هو بفعلكم لا غير، وتأتي اجابات النص عن هذه الإزدواجية في ما يأتي من جسد النص :

ياربُ عُذراً من سؤالِ مُعذبٍ

فالقلبُ في ملحِ المدامعِ مُتخمُ

مطالع متخمة بالوجل والتعجب والسخرية من هذا الوكم الفريد

(اعتذار / عذاب / دمع / تخمة)

قصص قائمة جريئة تبحث في خضم خبرتها عن مطلع فهم وجزئية ضوء، ثم يدور مع زمن النص ويعنون الإتجاه بسؤال :

أتُراكَ حقاً قد أمرتَ بسجدةٍ

كُلُّ الملائكِ واعتلاهم (آدمُ)؟

لازالت فاعلية التمرد والجرئة تعيش في عمق القصد لأن (آدم) لدى الشاعر كتلة من الأخطاء فكيف يكون اعلى شأنا من الملائكة؟ هذا ادم المخيف في كل ما يفعله وفعله وسيفعله بحكم افعال أبناء ادم .!

يكون موضعا لسجدة من لدن الملائكة .!

وبعدها الحدث التالي :

وطردتَ شيطانَ التعبدِ إذ أبى؟

وهو المُتيمُ في هواكَ وأقدمُ

مجال التعبير اللطيف (شيطان التعبد) هو الروح السيمائية في فترة الأعداد للنص وقد أودع الشاعر في فكرته هذه لغزا كونيا تصويريا لماهية الصراع بين الشيطان والإنسان الأولوية فيه حسب النص للشيطان بحكم القدم فمن هو آدم وماهو فعله أمام الشيطان وما قدمه سابقا .

غفل الشاعر هنا عن جزئية مهمة وهي أن هناك من الواصلين من فرق بين ابليس والشيطان وان هناك من حقق أن النفس هي ذاتها الشيطان وهذا مغفور له لأنه يمشي مع المشهور الموروث

يكمل لنا دعواه الشقية المرحة رغم الألم :

رفضَ السجودَ لغيرِ وجهكَ سيدي

أتُرى يُلامُ على المحبةِ مُغرمُ؟

المعصية من حيث هي طاعة لم تكن في مجمل دواعي ذلك المسمى (شيطان) بل حسب أطروحة الشاعر هناك :

اولا: دافع الغرام بالمبدأ

ثانيا :وعلى حساب معرفة الممتنع عن السجود كيف يسجد لمن هو مخلوق .!

كأنما يريد أن يقول هو لا يرى غيرك (آدم أو من سواه) بل يراك انت فقط فلما الملامة لرفضه سجدة .!

لكن التوجه الذي يعصف بهذه الفكرة كرد على هذا المنطق هو هيمنة الآمر بالسجود وإرادته ولا يملك المقابل إلا الإنصياع والإمتثال فكيف حدد الشاعر وجهة نظر المأمور ولم يطل بوجهه إلى وجهة نظر الآمر وهذا الخط ستكون أجابته واضحة في سفر النص إذ تمكن الشاعر من توحيد الفقرات بلا خروج عن الحد التام .

فمن خلال خبرة الشاعر اوجد لقصته أفقا يخرد الإشكالات حيث يقول:

شيمُ المُحبِ بأن يثورَ لحبهِ

ويغارُ إن سلبَ المحبةَ تؤامُ

فرفعتَ (آدم) في الجنانِ مكانةً

والحُزنُ في عينِ الملائكِ يجثمُ

وعصاكَ .. يا من قد عفوتَ لذنبهِ

حملَ الخطيئةَ عاشقٌ يتألمُ

ركز مبدأ الدفاع عن موضوع قصيدته وهو (الشيطان) من منطقة معصية آدم فهما صنوان في هذه الدائرة لاحظ بداية المظلة (سلب محب / رفع الآخر / حزن الجمهور) وبالتالي وقع في نفس السهم (عصاك / عفو)

وحصة الآخر (حمل / خطيئة / ألم)

علما أن الكائن الجديد توغل في الخطيئة

من هنا وعلى ركن الواقع الذي تبلور ثوبا جديدا للتقابل بين جنسي (آدم) و(الشيطان) يأخذنا المتن إلى حلية جديدة ووتر منتج وهو ما سيعالج تاليا .

الوتر الثاني

تناول جرف التضاد والتقابل بلغة الوضوح ولم يبتعد عن الشكل الضروري إذ يقول:

من ذَلِكَ اليومُ القديمُ ولَم تزلْ

الناسُ تُخطئُ والأبالسُ تُرجمُ

كبداية ونتيجة وخطة جديدة أصبح الوجود محكوم بجزئية ثالثة وهي أن الطريق الجديد هو الحكم بضلال الشيطان واستحقاقه الرجم بسبب رفضه السجود ويقابل ذلك السيرة التراكمية من اخطاء البشرية على مر العصور لكن من الذي ينال العقاب .!

نفسهم هم من يخطئون يعاقبون ذلك الكائن الذي كان رفيق سجدة طويلة في حضرة الله

الشيطان يزين لكن من الذي يرتكب الفعل؟

وهذا هو منحى الشاعر في فرضيته :

من حطموا الاصنامَ، في خلواتهمْ

في كُلِ منهم ماردٌ يتصنمُ

جمراتهم لو انها قد أُلقيت

في وجهِ طاغوتٍ لكانوا اسلموا

لكنهم غزلوا القبورَ على المدى

حتى الغيومُ بمشيها تتلعثمُ

انظر إلى الدُّنْيَا وما صَنَعت بها

كفٌ على وترِ العذابِ يُنغمُ

سبقت قيامتكَ القنابلُ إذ بها

أجسادنا في نارها تتفحمُ

وطبولُ حربهمُ التي لا تنتهي

في قرعها نادت لنا : (دمٌ) دمُ

أنفعالية ذهنية بديعة وجدت لها حيزا انتقائيا بليغا من خلال سرد العمق الواقعي للبشرية وتصوير لمأساة الأيام الكونية ولم يغب الشاعر عن فترة الخديعة البشرية للزمن والتحايل على ثوابت الدائرة الخلقية بطعنات شوهت المشهد الذي أراده الخالق، أختزال صوري وتصديقي للمعنى بعيدا عن تجريب الصبغة الغارقة في الرمزية بل ترى إشارات الرؤيا تجود بالقصد بلا تعقيد .

الوتر الثالث

الساحة الباذلة هي مفتاح جديد يرتقيه النص ويرتدية فالمقابلة التحليلية لم تعمل خيالا بل أرخت لشكل الوقائع الإنسانية وتسلط البعض على البعض لتبقى للدنيا طبقتها الأليمة ومزاجها السفلي في ترويع الفرد :

إن كانَ تُفاحٌ أطاحَ بـ(آدمٍ)

فاليومُ في قطعِ الرؤوسِ نُعظمُ

هذي سُلالةُ (آدمٍ) في أرضنا

هرمَ الزمانُ وذنبهُ لا يهرمُ

سلبوا بإسمكَ عمرنا وحياتنا

في كُلِ بيتٍ يا الهي مأتمُ

عُذراً فما الشيطانُ أدنى منزلاً

من عُهرِ ناسٍ بالفضيلةِ مُلغمُ

إن كانَ ميزانُ الخطيئةِ عادلاً

في ذنبهِ الشيطانُ اتقى من هُمُ

إن كانَ ثمةَ من سجودٍ آخرٍ

أتلومُ من رفضَ السجودَ وتلجمُ؟

قمع الشاعر فكرة الهدف الإيجادي وعدم مشروعيته امام الضغط الهائل من المشاكل والتبعات والإسقاطات التي وفرها العنصر البشري لنفسه، لغة السؤال ولغة التمحور ولغة الدفع بإتجاه البحث عن علة الصراع البشري البشري، وبعد هذا هل يلام ذلك الكائن على عدم سجودة .!

الإقفال

الحركة الداخلية للنص كشفت كمالات بلاغية إحيائية ليذهب الشاعر بها إلى معنى حيرته وتساؤلاته ليكشف مرتبة الإطلاع لديه من بداية الأمر بالسجود إلى تقاتل بني البشر فيما بينهم ، رفض السجود هو المحور في ما وصلت إليه القضية كهذا يرى بعد النص ليرجع المتن إلى منطلق الإيمان بأن الخطوة الغير محسوبة تؤدي إلى فصائل من الوجع .

هذا من جهة ومن جهة أخرى هذا الموقع المتغطرس بشريا سيبقى يمد زوايا وجودة بنفس الألم :

قد كانَ فصلُ بدايةٍ في سجدةٍ

وبقتلِ بعضٍ في الحياةِ سيُختمُ

هكذا تذهب وتعود حكايات النص متوجة بفكرة العتبة (لزوم ما لا يلزم) لان الناتج هو التقاتل بشتى الطرق ليس المادية فقط بل المعنوية.

 

نبيل الشرع

 

.......................

للاطلاع على القصيدة في المثقف:

دموع الشيطان / مصطفى ساهي كلش

 

 

في المثقف اليوم