قراءات نقدية

العدم الأخير، قراءة في رواية (متاهة العدم العظيم)

استوعبت رواية (متاهة العدم)،للروائي والشاعر العراقي متاهاته جميعها، لتأتي كالجامع النهائي، والمفصل الموجز أن امكن الجزم .

فلا نعلم هل هذه المتاهة هي الأخيرة حقاً، أم سيفاجئنا الشاوي بولادة متاهة جديدة، لتكون الحفيد الأول، والأبتداء الأولي لما سبق من متاهاته .

وليكون الجيل الجديد من الأحفاد، والحفيدات، بنفس المستوى، أو اكثر تمرداً، وخروجاً على الممنوعات، وخرقاً للتابوات، هذه التنظيرات، والأقتراحات لانملك لها جواباً، لتبقى اسئلتنا في محور المغلق الباحث عن الأجابة في الزمن القريب.

شخصيات عدّة متداخلة، ومتشابكة فيما بينها، ليجد القارىء ذاته في متاهة حقيقية تنطبق مع العنوان الأبتدائي للرواية .

فبين المبتدأ الثابت- ادم-، والخبر المتغير-البغدادي، الأكويني، المجنون،، الضعيف، الجيزاني، الأعمى، الغوريلا، سر الخواتم...الخ-، وبين المبتدأ النسوي الثابت-حواء-، والخبر المتغير-ذو النورين، سر الخواتم ...الخ،  نسجت الرواية شخصياتها الذكورية، والأنثوية، والتي تجاوزت 250شخصية موزعة بين (ادم، وحواء)، وعلى الرغم من هذه الكثرة المتشعبة في الرواية، والمتاهات التي سبقتها إلا أننا نصل إلى نهاية مقفلة، نجهل فيها من هو الكاتب الحقيقي لهذه السلسلة الطويلة من المتاهات، ليكون الجواب عند من نسجها فقط.

و(العدم) في مفهومه اللغوي يحمل معنى : الفقر، والمرض،أما المعنى الأصطلاحي لها هنا جاء من مركب مختبري، يجري فحوصاته الفيزيائية، من منظور كوني، يحمل من الفلسفة، وميتافيزيقا الشيء الكثير.

.المترادفات هي الأخرى أتت لتشكل ثنائيات متوازية الصياغة كـ

الوجود/ العدم، المرئي / اللا مرئي، الصوفية / الروحانية،المادي/ اللامادي، الوعي / اللا وعي، الغموض/ التناص.

وتطرح سلسلة طويلة من الاسئلة الوجودية، والحفر في فكرة خلق الكون، وكيف نشأ ؟ ومن هو الخالق؟ وكيف بدأت الخليقة ؟ وهل هناك وجود لبشرية قبل خلق الخليقة؟ هذه الاسئلة وغيرها كانت المحور الأولي والأساس في الرواية وشخصياتها

اعتمدت الرواية اسلوب المقطعات التفصيلية، تسع مقطعات شرحت التفاصيل بالشرح الوافي، والدقيق، وعلى الرغم من كل هذه الدقة الوافية، إلا أننا نجد ذاتنا القارئة في متاهة داخل المتاهة، للتشعب الكبير في الشخصيات، والأحداث.

أما لغة الوجود، والمحرم بإنواعه جميعها، فقد جاءت بصورة مباشرة ابتعدت عن التورية، والمواربة،" واخبرتني ايضاً بأنها تعرفت على الكثير من الرجال عبر وسائل الاتصال الاجتماعي (الفيسبوك)

و(السكايب) وأقامت معهم علاقات جنسية صوتية، وكتابية "، وهذه السمة المعلنة والمعروفة عن الروائي، وهو ماأسس المنع للكثير من روايته، وعلى وجه الخصوص المتاهات.

فمن محاججاته للخالق القول:" أليس هو الذي خلق الشر قبل آدم وحواء. ألم يأت في العهد القديم بأنه خلق جنة عدن، وخلق شجرة المعرفة . شجرة الخير والشر، كما جاء في سفر التكوين العهد القديم !!؟ أي أن الشر كان موجوداً في الجنة في شجرة المعرفة !! ومع ذلك طردها الرب..."

ومن الخروقات المعلنة،والخروج على السلطة العليا، سلطة الخالق، المحاججة الصريحة بالقول:" استغرب احياناً حينما يقولون إنك نور السماوات والأرض، بينما العلم يقول :إن الكون مظلم".

والمتاهة تنم عن ثقافة الروائي، وهي كسابقتها من المتاهات، إذ إن الروائي يعمد إلى الأستشهاد بالدلائل الثابتة، ويعمد إلى التشكيك، ومحاججة الخالق يقول: "حسب النص التوراتي فقد كان الظلام والمياه قبل ان يخلق الله النور، وكانت الأرض خرقةً وخاليةً ...".

والرواية ركزت ايضاً على الفعل الطائفي، وعواقبه الوخيمة، وكيف هشش هذا الفعل المشين الترابط الأجتماعي، ومزق اوصاله.

واعتمدت الفلسفة الجزء الأكبر في صياغة حيثيات الرواية، وبناء هيكليتها، عن طريق فلسفة الأمور، ومناقشتها بصورة بايولوجية فـ " الحياة ظالمة . هي تظلم بلا رحمة، لكن ماهي الحياة؟ أليست هي حركة وجودنا البايولوجي، والنفسي في الزمان، والمكان، والظلم يأتي ممن حولنا، ومعنا..!".

اخيراً اضيف، الرواية نسيج كتابي مفتعل من كاتبها، تقدم الأفكار، وتطرح الأحداث، وتواكب تطورات العصر المعاش، وما علينا كقراء إلا القراءة وابداء الرأي، ولا يحق لنا محاسبة الكاتب على أي ثغرة في إفكاره، وخروقاته المعلنة، وماعمل النقد والناقد إلا تقديم عرض نقدي لما قام بقراءته، والشاوي معروف بهذا النهج الكتابي المباشر، والمعلن، الخارج على أي ممنوع، وهو نهج يحسب للكاتب لا عليه ؛ لأنه يتبع  قاعدة " انا اكتب لكي لا اخاف، أكتب الخوف ضد الخوف" .

وبهذه الرواية اكون قد ختمت قراءة المتاهات جميعها، وعلى الرغم من الكثافة، والكمية الكبيرة في الحجم الكتابي، إلا أن المتاهات جميعها تستحق القراءة.

 

د. وسن مرشد

 

 

في المثقف اليوم