قراءات نقدية

حيدر عبد الرضا: دراسة في عوالم أحمد سعداوي الروائية.. رواية البلد الجميل أنموذجا (1)

حيدر عبدالرضارواية المؤلف بين تحولات المخطوطة وتداعيات السرد

الفصل الثاني  ـ المبحث (1)

توطئة:

تستدعي حفريات دلالات أسلوبية المبنى الروائي في أواصر وعلاقات المراحل السردية في بناء النص الروائي لدى أحد سعداوي في روايته (البلد الجميل) ذلك التحول في محور كينونة المؤلف وبدائله الكيفية المرهونة في استعادة مقترنات وقرائن مدينته السيرذاكراتية وما تحمله من ملامح الأسلاف وتخلقاتهم المحكومة بحافزية المعاينة والمعالجة والإضافة والحذف والانشطار عن هوية اللامنظور والمنظور من حقيقة صوت التأليف الروائي . الرواية عبر عتبات مقدماتها النصية توافينا بجملة محمولات معادلة ومنقسمة بين ثنائية (السارد المشارك / المؤلف الضمني) وغالبا ما تكون عملية تصدير الوقائع كمرحلة تدوينية لسيرة المؤلف أو كمذكرات لواقع مطموس في خفايا مخاتلة الدلالة في مسار جدية الأسباب والنتائج الصادرة عن حبكة فضائية مفتوحة التأطير والبنية الزمكانية . كما ولاشك أن أحمد سعداوي راهن على أن تكون أدواته في صنيع هذا النص من الأشكال الروائية المقاربة إلى روح التجريبية، حيث انشطار المؤلف أو ما يجوز لنا تسميته بخلق الحياة الثانية للمؤلف داخل مساحة تكوينية من مخطوطة الشخصية المؤلفة في مسار شخوص المحور الروائي .

ـ الشخصية المحورية سببية محتملة في واقعة اللامنظور النصي

على الرغم من تكاثر وتكاثف عقدة رطب الأحداث في مسار خطوط السرد الروائي، غير أننا في الآن نفسه، نواجه عدم سببية المعلن التوزيعي في فصول بناء الفعل السردي المندرج في مستويات مقنعة وواضحة من الأهمية التحولاتية في مواقف النص . قد لا يبدو لنا من جهة ما أن في أمر تلك الشخصية إلى جوار صديقته نود على هامة سطح الجبل، ما يشكل ضرورة منظورة في حافزية المجمع السردي وعبر أوجه كشوفات دلالات الرواية، خصوصا وأن أواصر العلاقة ما بين (السارد المشارك = نود) شبه محظورة عن أوجه الاكتمال في مواضع الموقف الروائي، وما يثيرنا أكثر هو حصول المصادفة عندما يلتقي الشخصية وصديقته نود بتلك الفتاة التي سبقتهم في صعود قمة الجبل وما دار بينهما من حوار ومكاشفة،أخذت تعبر عن ذاتها بذلك الشوط المؤول من مرحلة الموقف الروائي كمقدمة مموهة إلى مدخل الرواية وأحداثها إجمالا، لذا ترانا نقول ما سبب تخلف الصديقة نود في عدم متابعة السير مع صديقها إلى قمة الجبل؟ خصوصا وأنها كانت وراء فكرة الزحف نحو قمة الجبل، تاركة لصديقها مع الفتاة تلك الفسحة المفقودة من زمن اللذة والحديث .

1ـ مؤشرات الزمن المتخيل في مسوغات الواقعة الإيهامية:

أن عملية تشخيص علامات المتخيل الروائي في مساحة الشخصية عبر فضاء سلوكياتها ومواقفها في النص، ما تعبر عن وظيفة لبوسية ومأزومية معينة تختص بها وقائع ذاكراتية مشخصة في السر والعلن . فالشخصية نود كما يتضح لنا من أحداث الرواية، شخصية في مخطوطة ضاجة بأحداث مسرودة من قبل الشخصية حلمي أو السارد المشارك، فشخوص الرواية تقريبا موسومة بالفقدان المتخيل أو هو ذلك الاسترجاع في معنى استعادة الذاكرة بصورة مراوية أخذ يستثمرها الروائي بطريقة التداعي أو الانشطار أو الحلم من ناحية منظور شخصاني مغاير وموظف بأداة تقنية المونتاج أو التقطيع المشهدي في وحدات الزمن والمكان، لذا وجدنا مجمل الأحداث في عتبة الفصل الأول من الرواية، جاءتنا بلا عنونة تصنيفية واضحة وبلا مسافة زمنية محددة في ملامحها الشهودية، فقط هناك مصاحبات من ذاكرة الشخصية نود عبر وجودها المادي أو اللامادي في حياة وذاكرة الشخصية: (نود أغنيتي التي رحلت .. نصف تفاحتي، سمكة أيامي اللائبة في بحيرة صمتي .. كلمتي التي أكررها مرارا .. لماذا أناول لنفسي من يدي، واسكر بلذة فقدك ؟ لماذا أتيه وأنا بجوارك / لا أستطيع منعهم أيضا من أن يفعلوا بعيونهم ما يشاؤون  وأنت تدخلين الزقاق، متجاهلة أنتظاري .. ومن أجل ذلك سأسدد في المرة المقبلة إطلاقة إلى صدرك الجميل، أمزق لغط السابلة بصوت حاد، فبهذه الطريقة ربما سأتحرر منك ومن تذكري الدائم لك ولنا .. ومن الصور التي تنهمر علي طوال اليوم لما تقومين به بعيدا عني . ص 7 الرواية) لاشك أن محاولات سعداوي في توظيف محاور روايته، بدءا من عتبة الفصل الأول، كانت بمثابة الرسم بالمشاهد والشخوص المستعادة ضمن هواجس ممثلة من المحبوك الماضوي وبمثيرات من المحفز الذاكراتي القادم من حدود ذلك الواقع الأصل . فالشخصية الروائية في النص تحيا داخل شرنقة (رواية المخطوطة) ولكن حقيقتها هي رواية المتمثل في موضوعة المحيط الخلفي من سيرذاتية المؤلف الجاد، أو أنها بمثابة واصلة الأبدال المتحققة في تفاصيل خاصة من قيم الإنابة المكانية والزمانية والحسية المتلاشية من حياة الموقع الروائي الكلي المحسوس من لدن سلطة المؤلف الحقيقي.

2ـ الفاعل المنفذ وتحولات مفاصل الحكي:

أن معاينة تمفصلات أحداث الفصل الأول أو المدخل الموضوعي إلى متن الرواية، كما أشرنا سابقا، جاءنا بلا وظيفة محددة في المساحة السردية من المحور الموضوعي في النص، بل أننا وجدنا الشخصية في فضاء هذا الفصل ميالة إلى ماضيها وذكرياتها المرسومة في شوارع وواجهات منازلها إلى جانب صورة الشخصية (نود = ندى) المحققة في صلب الموضوعة الروائية . والنظر إلى مكونات الشخصية الساردة في الفصل الأول من الرواية، تعرفنا بحقيقة المؤلف المفترض وهو يتعامل مع شخصية نود المتخيلة في مخطوطة روايته: (هاهي عزيزتي نود بجواري ..ولا أستطيع مخاطبتها، أنني أتحدث عنها الآن بصيغة الغائب، ولقد رويت الحكاية السابقة، لأنها ترمز إلى كل ما يحدث في العادة بيننا . / ص17 الرواية) ولعل من الأهمية بمكان أن نعاين المسافة الزمنية والمكانية الواقعة ما بين (الفاعل المنفذ ـ السارد المشارك ـ الشخصية نود) ما يتبين لنا أن الشخصية نود بمثابة المختزل المركز في بناء أحداث واقعية متخيلة، من جهة السارد المشارك، بل أنه يهدف في سياق الحكي ـ أي المؤلف ـ إلى تمويه مواجيدها المكانية بذات العلاقة المتمفصلة بخلاصة موقع الذاكرة ولاستعادة مع باقي شخوص الرواية .

3 ـ الأواصر المكانية وروابط تعليق الزمن:

من خلال مجموعة الأمكنة الموصوفة تتحدد علاقة الشخوص بعاملية الزمن، حيث يتم اتعادة الدور المكاني فيها، كوحدة محسوسة وموصوفة، انطلاقا من وحدة اللقطات المشهدية في فضاء السرد والحوار: (نتجول على الأرصفة العريضة ـ وأرى في وجهها وعينيها تأنيبا دفينا ـ رغم أنها تضحك ـ وقفنا أمام نهر ـ الشارع الأقدم ـ وشاهدنا عددا كبيرا من القوارب الورقية تتأرج على سطح الماء الثقيل . / ص17 الرواية) على هذا النحو وجدنا روابط تعليق الزمن عبر أواصر المكانية المعادلة بحدود رمزية حاضنة إلى جملة تتابع زمنية معلقة لا يتجلى من خلالها أية حركية تقويمية واضحة في ملامح التحديد الزمني بل أنها محض استجابة في الملامح والمشاعر وتماسك الظلال لدى الشخصية المشاركة مع ذاتها، كما ولا نعلم ما مدى صحة وواقعية الشخصية نود في محور هذه العتبة المدخلية من الرواية أو حتى في زمن المخطوطة أيضا ؟ هل هي ندى ذاتها العاملة في معمل الحلويات في المخطوطة فعلا؟ أم أنها صورة إيهامية أخذت لبوس الزمن المتخيل في النص احتمالا؟ لذا فليس غريبا أن تكون بلا حقيقة أصلا في حاضر وماضي الشخصية المشاركة، سوى أنها تأثيث ظلي في حكاية مخطوطة رواية حلمي الشخصية في الرواية .

ـ تعليق القراءة:

حاولنا في هذا المبحث الأولي من الفصل الثاني موضع دراسة كتابنا، التمهيد نحو المهاد التطبيقي لدراسة فصول الرواية موضع بحثنا وروايات أخرى لسعداوي سوف تأخذ مداها في فصول ومباحث أخرى من قراءتنا القادمة . أقول هنا أن حساسية المتخيل في فضاءات رواية (البلد الجميل) تفوق حدود الأنفلات الروائي الذي يصادفنا في الأدب العراقي الروائي مؤخرا . وعلى هذا الأساس وجدنا ما تقدمه روايات (أحمد سعداوي) من الثراء والأبداع الرصين من الناحية التفصيلية المشخصة في مجال الكتابة الروائية، إذ تشكل عوالم هذا الروائي خاصية ساحرة من سرد التفاصيل بحسية أكثر موضوعية مع خلفية الموضوعة المنصوص عليها روائيا . فنحن من خلال مبحث دراستنا للفصل الأول من الرواية سوف نعاين الحلقات الفصلية اللاحقة من عوالم غائرة في ذاكرة المؤلف والتي هي ممارسة جادة وجديدة في فرضية أسلوب المخطوطة وتداعيات مكوناتها المتخيلة بهالات استدعائية مؤثرة .

 

حيدر عبد الرضا

 

 

في المثقف اليوم