قراءات نقدية

نورا هيميلينين: آيريس مردوك والجوانب الوصفية من فلسفة الأخلاق

بقلم: نورا هيميلينين

ترجمة: صالح الرزوق

***

تحدد آيريس مردوك في كتابها "سيادة الخير" شرطين اثنين تقوم عليهما فلسفة الأخلاق. أولا. على التحليل أن يكون واقعيا. فالطبيعة البشرية، بعكس طبيعة الكائنات الروحية الافتراضية الأخرى، لها معايير يمكن اكتشافها، وهذه يجب أن تعالج على نحو ملائم في أي مقاربة للأخلاق. ثانيا. باعتبار أنه لا يمكن النظام الأخلاقي إلا أن يكون مثاليا، يجب أن يفرض مثاليات عالية 1. ويمكن اعتبار ذلك أنه حذر شخصي من مورداك لمواجهة فلسفة الأخلاق التي توضع كما لو أنها لملائكة، ولذلك هي لا ترى محدودية ونقصان حياة الإنسان الواقعية. فالأخلاق المفيدة هي الحياة التي يمكن لنا 'أن نعيشها'، ولكن تشكيلاتها تؤكد أيضا وجود ثنائية أساسية هي الواجب الوصفي والواجب المعياري 2.  ويجب على فلسفة الأخلاق أن تصف بدقة كيف هي حياة الإنسان وأخلاق الإنسان، وأن تقدم نصائح ثمينة ومسؤولة عن الطريقة التي يتوجب علينا أن نحيا بها. ويجب النظر إلى النقطة الأخيرة، التأكيد على المعايير القيمة، لنقابل بها فكرة مردوك حول عدم وجود فلسفة أخلاق محايدة ومثالية، على سبيل المثال ميتا أخلاق صافية، لأن كل الفلسفات الأخلاقية تكشف انتماءات أخلاقية أساسية تتجلى في اختيار الأسئلة المطروحة للنقاش، وفي اختياراتها للكلمات ووجهات النظر التي ترتكز على الطبيعة البشرية والواقع الإنساني.

يعتمد كل موقف أخلاقي (وكل أخلاق معيارية) على صورة الواقع الإنساني، والتي يجب أن تستجيب بشكل أفضل لحياتنا الفعلية  إلا إذا كنا سننتهي بمجموعة منطلقات مضطربة وغير عملية. ويفضل قراء مردوك التركيز على المعايير التي تقدمها: القيم الأخلاقية التي تقدمت بها من خلال رؤيتها للأخلاق وصور صعودها الأفلاطوني.  ولكن إذا قرأتها بدون مؤشرات معايير الفلسفات الأخلاقية سيصدم المرء تركيز فلسفتها بكل وضوح على الوصف -  وهي تحاول رؤية وفهم العالم المحيط بنا، وعصرنا ومجتمعنا والأساليب التي نقدر بها الأشياء ونصنع منها معنى 3. ويمكن فهم هذا الجانب الوصفي من الفلسفة الاخلاقية، والتي سوف تحتل هنا موضعا أساسيا، والتي فهمتها أيضا بعدة طرق من آليات الفلسفة الأخلاقية. فتفسير مردوك لها مختلف تماما عن ذلك الذي جاء من قرائها الأنغلوفونيين في النصف الثاني من القرن العشرين. وفي الأخلاق الأنغلو أمريكية المعاصرة، يقال عن نسبة كبيرة من الواجب الوصفي إنه ميتا أخلاق، وهو التزام تجريدي يتوقف على طبيعة المفاهيم السلوكية واللفظية، والحال الميتافيزيقي لبصيرة الأخلاق، مع أمور أخرى. وتم استثمار طاقة أقل بكثير للاهتمام بالآليات والأنظمة والميول الأخلاقية الفعلية، والتصورات الثقافية التي لها علاقة بالجانب الأخلاقي من الحياة.  وربما هذا لأن المساءلة الوصفية تميل للسقوط خارج مجال ما نرى أنه فلسفة أخلاق متكاملة، أو لأنها تحيلنا إلى الأخلاق الفعلية، وتؤدي دورها التمثيلي أو التوضيحي، وتعمل به على تقديم نظريات المحافظين والعمال المعيارية أو الميتا أخلاقية.

في أخلاق التيار الأساسي المعاصر تؤكد مردوك على الجانب الوصفي لفلسفة الأخلاق وهو ما يمكن غض النظر عنه بسهولة لأن الفلاسفة تلقوا ثقافتهم بالسياق المعاصر لنظرية الاخلاق، وتتبنى الميتا أخلاق في النصوص الفلسفية مباشرة نظرية معيارية أو ميتا أخلاق، وذلك حينما نرغب بمعرفة ماذا يجب أن نقول، سواء كان هو أو هي.

استبعاد نظرية الميتا أخلاق أو الأخلاق المعيارية من عمل الفيلسوف أبسط طريقة لإشهار عمل الإنسان وإعطائه أهمية في سياق فلسفة الأخلاق الأنغلوفونية المعاصرة 4. وقد أنتجت الجهود المبذولة بهذا الاتجاه عملا مهما تراه في جانب من جوانب فنية مردوك، ولكن التأكيد على الاهتمامات المعيارية والميتا أخلاقية  أدى لتشويش القارئ عن ضرورة العمل الوصفي، وعلاقاته، وأخر فرض فلسفة  أخلاقية شاملة.

وعموما إن الأخلاق الأنثوية المعاصرة والمزيد من السياق العملياتي، يوفر لإصرار مردوك على الجانب الوصفي آلية عمل مسموعة وأكثر معاصرة. وفي مقدمتها لمختارات بعنوان "تطبيع البيو أخلاق"* يمكن قراءة النزعة الطبيعية على أنها "ذاتية الانعكاس، وتزودنا بنقد اجتماعي وسياسي، وتتحرك ضمنيا نحو أخلاق إمبريقية متطورة، ولكنها أيضا تعلم جيدا أن نظرية الأخلاق هي التطبيقات التي يقوم بها بعض الناس في أوقات وأماكن وثقافات محددة وفي بيئات احترافية بعينها" 5.  وتؤكد على "شراكة العمل بين المباحث الفلسفية والإمبريقية في مجال الأخلاق، وقيمة الأخلاق في واقع الآليات الفعلية وعلاقات الناس المختلفة مع هذه الآليات وفيما بينها ضمنا". والعديد من المشاركات في الكتاب تشير لحالات بيو أخلاقية، حيث أن الجدل الفلسفي يبتعد عن مساره بسبب المعرفة غير الكافية فيما يتعلق بالأوضاع والأسباب وأفكار العالم عن الناس أصحاب العلاقة، وحيث يكون البحث المعقد هو أفضل مكان لتحقيق أفكار نظرية ومعيارية. 

وعوضا عن تصوير مردوك وكأنها نصف مغتربة عن أخلاق أواخر القرن العشرين، علينا أن ننظر إليها كممهدة للإصرار المعاصر على فهم أفضل لوصف الظروف الأخلاقية على كافة الصعد: الفردية، المحلية، الاجتماعية والتاريخية. بالنسبة لأوربان ووكير وزملائه، وضمنا مردوك، الفهم الوصفي للحالات الإنسانية ليس شيئا أنت تحتاجه لتطبيق النظريات الأخلاقية على حياتنا في الواقع. وعوضا عن ذلك هو شيء آخر من قلب الفلسفة الاخلاقية. وكل الانعكاسات الفلسفية على الأشياء الأخلاقية تقوم على وصف واضح للعيان أو غير ظاهر للموجود البشري، والحياة الإنسانية. ولتكون الفلسفة فعالة، يجب على هذا الوصف أن يكون مناسبا ونشطا بحيث يستجيب للتصحيحات.  علاوة على ذلك يمكن متابعة العمل الوصفي المقصود، متعدد الأوجه، بعدة أساليب، ومن ضمنها: الاتكال على التحليل الثقافي، وإقامة حوار مع البحث الإمبريقي، وبالأساليب السردية، وبصيغة نقد للسرديات الطقوسية، وبواسطة إعادة وصف أشياء تتحقق في عمل الفلاسفة الآخرين دون مساءلة.  وقد لجأت مردوك من بين ما سبق ذكره لعدة أساليب ذات أهداف متكاملة. وحذا حذوها أوربان ووكير وكتاب تطبيع البيو أخلاق 6.

وقد كان هذا التأكيد على الوفرة والدقة في الوصف حاسما لحلقة النساء الفلاسفة التي تنتمي لها مردوك والتي تخرجت من أوكسفورد في الأربعينات، ومن بينهن إليزابيث إنسوكومبي، فيليبا فوت  ماري ميجلي، ولكن كان عمل أنسكومبي وفوت أقل شهرة وأكثر تنظيرا مع أن سيرتهما الأكاديمية  أهم وأكبر. وقاد هذا التأكيد كلا من مردوك وميجلي للخروج على الأخلاق المركزية، على الأقل مؤقتا: وانتقلت مردوك إلى العمل الأدبي ولاحقا إلى كتابها الهام "الميتافيزيقا دليل إلى الأخلاق"، وانشغلت ميجلي بقراءات مكثفة في البيولوجيا بالإضافة لاهتمامات أخرى 7.   

ويمكن أيضا القول، مع أنني غير جاهزة للتفصيل هنا، إن الإصرار على المزيد من وصف حياة الأخلاق الإنسانية، وعلى نحو مناسب، كان ملحوظا في نطاق امتد حتى شمل نشاط النساء المربيات في أواخر القرن العشرين، وهذا يتضمن كارول كوليغان وأنيت باير. والهدف هنا متواضع، ولا يتضمن إشها  دور النساء الفيلسوفات في التاريخ الراهن لفلسفة الأخلاق 8. وببساطة أستطيع رؤية أثر حضور التأكيد على الأساليب الوصفية في أجزاء متفرقة من عمل مردوك. ويجب أن يثير ذلك اهتمام من يتساءل عن طبيعة فلسفة مردوك. ولكنني أيضا أعتقد أن هذا الجانب من مردوك يساعد على تداخل النصوص ويوفر أداة لفهم المنعطف الوصفي في نتاج الأخلاق النسوية المعاصرة.

تضع الطبيعة الإنسانية نفسها، في أعمال مردوك، أمام خلفيات الظرف الاجتماعي والمادي والتاريخي، وكأن التنقيب في طبيعة البشر هو بالضرورة تنقيب في ظرف الناس الحقيقيين المجاورين. وبكلمات مردوك علينا نحن أن نحكم على قيمة النظام الأخلاقي، ولكننا لسنا كائنات إنسانية فقط ونحن مصنفون تاريخيا في مجالات اجتماعية تشكل وتخنق خيالنا. وتقول مردوك عن شروط معاصرتها: نحن نعيش في عصر علمي مضاد للميتافيزيقا، وفيه فقدت الدوغمائية وشروط الدين القدر الأكبر من سلطتها. وحتى الآن لم نتعاف من حربين ومن محنة هتلر. ونحن أيضا ورثة التنوير والرومنسية والتقاليد الليبرالية. وهذه هي عناصر مشكلتنا، وأهم مواصفاتها، برأيي، أنه بقيا لدينا فكرة سطحية جدا وخرقاء عن الشخصية الإنسانية 9. وصف الطبيعة الإنسانية  والسعي وراء قيم نقية شيء يعقده الأساليب المحدودة التي نعقل بها ظرفنا - كيف هو وكيف يصبح مختلفا. وهذه الحدود هي بنيوية وضرورية بنطاق ما، ولا يمكننا رؤية أنفسنا كما هي من الخارج. ولكن مردوك تؤمن أنه بالبحث عن طبيعتنا - التاريخية والاجتماعية والعاطفية والميتافيزيقية - يمكننا أن نصل لفهم أفضل لظرفنا.

أنجزت مردوك هذا النوع الوصفي والتحليلي في معظم نصوصها الفلسفية، وهي تتكئ باستمرار على  الحدود الأخلاقية والثقافة، وأشكال العجز وفضائل الحداثة وعلى عصرها وسياقه. وفعلت ذلك أيضا في رواياتها، وهدفت لتحقيق رؤية صادقة عن الشعب والمجتمع، ووجودهم الفعلي. "فوعينا يتبدل، والتبدل يظهر في الفن قبل أن يستقبل ما ينجم عنه ويستوعبه نظريا، وكذلك يمكن أن تؤثر النظرية  على الفن" 10. ومن المفيد أن تفكر بجزء كبير من فلسفة مردوك الأخلاقية على أنها أنتولوجيا فلسفية، تبني على قراءة مستمرة في شؤون عصرها 11. وهي تخاطب الموضوعات الأكاديمية الصرف، مثل أولويات وميول فلسفة ما بعد الحرب - الوجودية، الفلسفة الألسنية، والبنيوية المتأخرة - ولكن يمكن رؤية ذلك دائما وبطرق مختلفة أمام آلية  عمل المجتمع البشري حيث تكون الاتجاهات الثقافية ممكنة ولها معنى وفي الظاهر أيضا لا بد منها. وبأفلاطونيتها الجديدة كانت تتابع حدود فينومينولوجيا الأخلاق التاريخية - صور  المباشرة الإنسانية بمعايير القيمة، امام فكرة الخير. ولكن بوضع هذه الصورة أيضا وباستمرار في إطار حياة أخلاقية مشروطة تاريخيا. والرجل الليبرالي وهو  يتقدم الى الصدارة في بواكير كتابات مردوك هو الكائن البشري كما تخيلناه في الفلسفة التحليلية التي انتشرت في أواسط القرن العشرين. فهو عقلاني وحر تماما باستثناء الاختلاف المحتمل مع درجة وعيه الذاتي، إذا قدرنا ذلك بالإحساس المشترك وقوانين المحاكم العادية. وبلغة أخلاقية هو الأهم في كل شيء يتقصاه ومسؤول عن أفعاله. ولا شيء يضمن تساميه. ولغته الأخلاقية مؤشر عملي، وأداة اختياراته، ودليل على أفضلياته. وتنتهي حياته الداخلية إلى أفعاله واختياراته  ومعتقداته، وهي أيضا فاعلة، لأن المعتقد يعرف من تعبيره. وجدله الأخلاقي مرجع يقود إلى حقائق إمبريقية يدعمها القرار. والكلمة الأخلاقية الوحيدة التي يتطلبها هي "الخير" (أو الصواب)، كلمة تعبر عن قرار. وعقلانيته تعبر عن نفسها بوعي وإدراك الحقائق، سواء كانت عن العالم أو عن نفسه. والفضيلة الأساسية عنده هي الإخلاص 12. وإذا لم يتقبل فلاسفة الأخلاق في عصرها الوجه الواحد لهذا الشخص 'الليبرالي'، وإنسانية هذا الاختيار، والفعل، والوسيط العقلاني، الحر، والذي من المفترض أنه دون محتويات عميقة،   ودون جماعة، أو تاربخ، فهذا لأن الخيال الأخلاقي الحديث قد اتخذ هذه الصورة رهينة لديه.  وترى مردوك أن هذا الشخص هو أيضا بطل أساسي في أدب القرن العشرين، وهو بطل وجودية سارتر (ويمكننا أن نضيف الآن بطل الليبرالية الجديدة).

ومن المؤكد ان هذه ليست الطريقة الوحيدة لتصوير الكائن البشري في مجتمع  حديث، ولكن تعتقد مردوك (وهذا يعود لعام 1961) إن الفلسفة بالنسبة للعالم الليبرالي هي غير مؤهلة في الحقيقة في الوقت الحاضر لتوفر لنا أي صورة أخرى تامة وقوية للروح' 13.

هذا ليس مجرد موضوع بين الفلاسفة. إن حضور الإنسان الليبرالي، وتبسيط الواقع الإنساني الذي ينتجه  هدفان مركزيان لنقدها، وطبيعة النوع الفني الذي يتجاوز نقدها، شيء ضروري وليس صدفة ولا أداة في تفكيرها.  هذا لأن الصور الثقافية القوية والمهيمنة لا تحترم حدود الرقابة - وهي معنا على طاولة قرب السرير وكذلك في غرفة الاجتماعات، وفي البرلمان مثلما هي أيضا في الحضانة.  في مقابلة مع برايان ماغي، تجدها في مقدمة لكتاب "الوجوديون والصوفيون" تعمد مردوك عن عمد لوصف دور الفلسفة والأدب على التوالي، وتلح على صيغة الجمع غير القابلة للاختزال في دور ووظائف الأدب 14. ولكن للأدب واجب واحد متميز جدا، ويستأثر باهتمام فلسفتها كما سبق أن ذكرت، فالفلسفة تقوم بواجب واحد، غير أن الأدب يقوم بعدة مهام ويتضمن عدة حوافز مختلفة يشترك بها المبدع والقارئ.

الفن هو المحاكاة، والفن الجيد، إذا استعملنا اصطلاحا أفلاطونيا آخر، هو الأعراض، 'الذاكرة' أو ما لا نعلم أننا عرفناه. الفن 'يحمل المرآة ويضعها أمام الطبيعة'. وطبعا هذا الانعكاس أو 'التقليد' لا يعني الانتشال أو النسخ الفوتوغرافي. ولكن من المهم أن تلتزم بفكرة أن الفن هو حول العالم،  وهو موجود من أجلنا ويقف أمام خلفية معرفتنا العادية 15. 'أن يكون عن العالم'، 'أعراض سريرية'، 'يحمل المرآة ويضعها أمام الطبيعة' - هذه مواصفات دائمة وليس محاولة لتفسير الفن. ومع ذلك تقدم لنا استعارة المرآة مصدرا مركزيا وغامضا لرؤية تفكير مردوك عن دور الفلسفة في الأدب.

ولنفهم معنى فكرة استعمال المرآة  هنا يمكن القول إن غاية تحويل الأدب إلى مرآة هو إعطاء القارئ فرصة للنجاة من سوء الفهم، ومساعدة المرآة على توليد رؤية دقيقة. ويمكننا تسمية ذلك الفهم التوليدي في استعارة المرآة. وبصيغته الأولية التقريبية نفهم أنه من المحتمل أن يقبل القراء عدة وجهات نظر مختلفة. ولكن يمكن تفسير هذه الصورة بعدة أساليب متباينة. إحداها فكرة تؤكد وجود رؤيا أخلاقية/فلسفية يمكن أن تولد من القراءة، وسبق للكاتب أن رآها. ولذلك يستعمل المؤلف صيغة تواصل غير مباشر (يخبرنا بها عن قصة عوضا عن أن يناقشها) كي يضع في عقل القارئ الحقيقة التي سبق للمؤلف أن اكتشفها.  وبهذا التفسير، يكون النص الأدبي نوعا من استراتيجية بلاغية توظف إما لأنها أدوات تواصل أكثر إقناعا، أو لأن المحتويات هي من نوع لا يمكن التعبير عنه بطريقة أخرى. وتقريبا هذه هي أيضا طريقة اختارها المهتمون بمردوك لقراءتها، وهم متنوعون: مثل بران نيكول (2001)، مارثا نوسباوم (2004)، مايلز ليسون (2010) وسابينا لوفيبوند (2011) 16.

تفسير ثان رأى أن هنالك رؤيا أخلاق /فلسفية حقيقية يمكن أن تولد من القراءة، حتى لو أن المؤلف لم يتعمد ذلك. وهذا الخط في التفسير يساعدنا على التعامل مع تلك الحالات التي هي (ليست غير عادية) حيث يبدو أن استنباط رؤية محددة من قراءة عمل أدبي يذهب بعكس قصد المؤلف. ويساعدنا أيضا الأخذ بعين الاعتبار كل تلك الحالات حيث أن المؤلف لا يكون فيلسوفا أو أخلاقيا ولا يمكنه أن يخفض اهتمامه بالجوانب الأخلاقية أوالفلسفية في عمله. على سبيل المثال يهتم واين بوث باحتمالات فهم وجهات نظر أخلاقية معاكسة أثناء قراءة الرواية الشعبية "الفكوك المفترسة" أو "أحدهم طار فوق عش الوقواق"، وقد تعامل مع الكتب وكأنها طرف في حوار أخلاقي وليس مصادر جاهزة للرؤية 17.

وبالنسبة لمردوك هذا الخط بالتفسير غير عادي لأن المناقشات تؤكد أن لدى روايات مردوك قصدا أخلاقيا وفلسفيا، ودون جدال لديها سيطرة كافية على نصها وبمقدورها تمرير هذا القصد من خلال النص.

يقوم التفسيران هذان على فرضية أن الواجب المركزي للأخلاق والفلسفة في الأدب هو توصيل رسالة أخلاقية محددة: أهمية التعاطف (وكيف أن نقصانه ينجم عن عجز في الذكاء)، وجماعية الأوضاع البشرية (وكيف أنه يجب على المبادئ الأخلاقية أن تكون مرنة)، واعتبار الخير هدفا لا يمكن تحقيقه (الخير تمثله الشمس). وبالتأكيد يوصل الأدب رسائل من هذا النوع، وقد لجأ إليها كتاب الأدب والقراء والنقاد، على حد سواء،  بأسلوب توليدي. ومع ذلك يمكن على استعمال مردوك لاستعارة المرآة، كما أعتقد، ويتوجب عليه أن يوفر قراءة مباشرة، وأقل ارتباطا بالمثاليات والتوليد، وأكثر اهتماما بالملاحظة الدقيقة للواقع الاجتماعي الذي نحيا فيه. وهذا التفسير المباشر للواقع أصدق مع روح صور المرآة المجازية كما قدمها شكسبير في تعليمات هاملت ليتبعها حلقة الممثلين والذين سيمثلون أمام زوج أمه: ليكن التمثيل مطابقا للكلام / والكلام مطابقا للتمثيل، مع العناية / الخاصة، ألا تتجاوزوا حدود الاعتدال / الطبيعي، لأن أي نوع من الغلو / خروج على أغراض / التمثيل، الذي يهدف دائما سواء في زمنه الأول أو في عصرنا هذا/ أن يكون مرآة تنعكس عليها الطبيعة، ترى الفضيلة فيها قسماتها، والخسة صورتها / ويشاهد فيها عصرنا وجيلنا خصائصه 18**. يستعمل هاملت استعارة المرآة حرفيا - ما تعكسه ليس حقائق أو دروسا أو رؤيا مجردة او عامة، ولا أخلاقية أو فلسفية، ولكن أي شيء فيها وتصادف وجوده في العالم.

في أدب مردوك نحن نرى انعكاس عالم معقد من الناس، والأفكار، والكلمات، والعلاقات، والعواطف، والبلوزات الصوفية، والأحذية البالية  وأبنية لندن، وأكواخ على الشاطئ، والحلي، والكتب، والسجاجيد المبقعة، والآمال التي لا تتحقق، والكلاب، والقطط، والفلاسفة، وسوء الفهم وأحواض السباحة. وبهذه القراءة لم تكتب مردوك الأدب لتعكس لمحات من نظام مثالي، أو بحث مثالي عن الخير، والتصعيد الأفلاطوني، أو ما شاكل ذلك. ولم تهدف لتدافع عن المثل الفلسفية في رواياتها (مع أن بعض شخصياتها توصف أنها بارادايم للخير الغير أناني). ولم تهدف أيضا، على وجه الخصوص، وبانتظام لتولدنا من أغلاط فلسفية أو أخلاقية أو وجودية. مثلا  بتوظيف شخصيات غير جذابة أخلاقيا، والتي نفترض أننا نرى من خلالها.  وبتنشيط هذه الوظائف الأخلاقية الممكنة المتوفرة في سرديات مردوك، إنما هم يتبعون هدفا أكبر يقدم صورة واقعية حية عن واقعنا وحياتنا الأخلاقية. لم تتأثر مردوك بـ "أدب الأفكار" وكانت تقدم الفكرة بشكل سردي. وقد ذكرت أن "روايات فولتير وروسو هي بالتأكيد حالات واضحة تمثل "روايات الأفكار" وكانت روايات شديدة التأثير في عصرها. ولكنها تبدو الآن بليدة وميتة، وهذا هو جزاء عقابي من الشكل" 19. 

وضمنت لـ  "غثيان" سارتر وضعا متفردا ورأت أنها رواية فلسفية، وهي فن وفلسفة. وكانت حساسيتها عالية تجاه مصاعب الكتابة التي تجمع الأدب مع الفلسفة في عمل واحد، وحذرت من مغبة قراءتها بمصطلحات من هذا النوع، وأكدت أنها لا تهدف إلى ذلك. وبالنسبة لها كانت تعزو لكل طرف شخصية منفردة وواجبا مختلفا. وفي صور مرآة مردوك المعقدة، يمكن أن نحصل على لمحات "من ما لا نعلم أننا عرفناه"، وهي حقائق عادية أو جوانب من عالمنا الذي أصبح فجأة أكثر وضوحا كلما تعمقنا في أدواته الأدبية. فالفضول والتصور يتوجهان نحو عالم نعيشه، بجماعاته، وليس نحو خير يتسامى أو أخلاق مثالية. وبضوء هذا الفهم يوفر لنا الأدب طريقة تمهد لوظيفة الفلسفة الوصفية، وليس الوظيفة الطبيعية. وهي أساسا لا تعلمنا كيف نقيم، ولكنها تحض على الملاحظة والوصف. 

استطرادات حول فلسفة الاخلاق

لنرى ما وراء نص مردوك الفلسفي، علينا أن نفهم موضوع مردوك. ليس اهتمامها المباشر، التوجهات الأخلاقية الثابتة للحداثة المتأخرة والفلسفة الأنغلو فرنسية في القرن العشرين التي أطلقت سهام النقد عليها، أو النظرية الأفلاطونية الجديدة عن الخير. ولكن علينا النظر لمجمل الموضوع: بانوراما الأخلاق والقيم والثقافة المتغيرة والتبدل الذي يأخذ مكانه في حياتنا وفي جهودنا الأخلاقية والروحية. وبالتأكيد بعض تحليلات مردوك (مثل نقد 'الرجل الليبرالي' الطاغي) كانت لها صلاحية دائمة. وعموما لا يمكننا الانتفاع من رؤيتها الجوهرية في الفلسفة، إذا التزمنا بتشخيصها الثقافي والذي يبدو نافعا. وعوضا عن توفير قالب للتشخيص، قدمت لنا نمطا من النشاط التشخيصي وهو عمومي وفضولي وفعال باستمرار وحساس للاستمرارية وكذلك للانقطاع في بيئة أخلاقنا. يجب إضفاء طابع تاريخي على فلسفة الأخلاق وأن تتناص، وأن تكون ذات اهتمامات واضحة وأن تعنى بالخصوصيات العشوائية والتاريخية لشرط وجودنا. وإذا كان لفلسفة الأخلاق تفضيلات سيكون ذلك فضولها المحدود عن الحياة والأخلاق البشرية،  وقناعتها أنها تعرف ما هي حقائق الأخلاق وكيف تبدو حياة البشر. لم تكن مردوك وحدها في هذا الاتجاه الذي يحلل فلسفة  أواخر القرن العشرين الأنغلوفونية. وقد شهد المنعطف العريض باتجاه الأدب في هذا السياق اهتماما عاما 20. وكما ذكرت يمكن أن تجد حليفا آخر في آنيت باير، فيلسوفة  ألهمها كل من هيوم وفتغنشتاين وتتبع البحث الإمبريقي الوصفي للتنقيب في الحياة الأخلاقية. وفي أوائل كتبها "أحوال العقل" تحث باير فلاسفة الأخلاق ليأخذوا اهتماما واسعا بظاهرة الأخلاق المعاشة: يمكننا أن نحاول التفكير بالظاهرة الفعلية للأخلاق، وكي نرى ما هي، وكيف تبث، وما هو الفرق الذي تصنعه. وبنتيجة وعينا لماهية الأخلاق يمكننا أن نعتقد أنه يمكننا تحسينها، ومع ذلك لا يتأتى هذا من احتمالات بالمتابعة،  ولكن من التوصل لطريقة وحركة ممكنة بها تحسن نفسها، حتى تعمل بشكل أفضل، وأن تصحح أخطاءها. وفقط حينما نعتقد أننا نعرف ما هي، وكيف تعمل الآن، وماذا تفعل، سنكون في وضع يساعدنا على رؤية ما تبدل حقا، ناهيك ما إذا كان ذلك التبدل للأفضل 21.

وهذا يبدو شبيها بكلام مردوك. لأنه يبلور فكرة مفادها أن الفهم الدقيق لكل شيء أخلاقي، وتحديد موضعه في المجتمع والضمير الإنساني،  مطلب مسبق من أجل إنتاج فلسفة أخلاقية مفيدة. وفلسفة الأخلاق ليست حقل خبرات ضيقة. ولو توجب علينا استنباط درس مفرد ووحيد من مردوك سيكون درسا مقننا: إذا أردت أن تفهم الأخلاق، انظر إلى الحياة، انظر لكل الأشياء التي تقدرها كل المخلوقات البشرية، وكيف يقومون بتقديرها وتثمينها. ابحث فيها بكل الوسائل المتوفرة، واستمع للأدباء والمؤرخين. ولا تنضوي العديد من الأشياء الضرورية في فهم ظاهرة الأخلاق تحت عنوان محدد أو لصاقة تصنيف، لتؤكد أنها تتبع الأخلاق. ولو أن مردوك غامرت وقدمت فلسفة وصفية تتابع بها ظروف حياتنا الفلسفية العابرة بطريقة مجردة ومختزلة، وعامة ويغلب عليها الشعاراتية، فإنه من الأفضل للأخلاقيين المعاصرين الذين يعملون في عدة مناطق تتقاطع فيها الفلسفة والمبحث الإمبريقي،  وضعهم بمكان يسمح لهم بمتابعة خط رؤيتها. واحترام تماسك نشاط هذا البحث الوصفي فيما يتعلق بالعمل الطبيعاني، سيضعه، كما أعتقد، في مسار متجدد ومتواصل.

***

...............................

ملاحظات ختامية:

1- آيريس مردوك، سيادة الخير  على المفهومات الأخرى. 1970. لندن. روتليدج. 2001. ص76.

2 - انظر ماريا أنتوناشيو. فلسفة تعيش بها. أوكسفورد. منشورات جامعة أوكسفورد. 2010.

3 - انظر أيضا نيكلاس فورسبيرغ. لغة فقدناها واستعدناها. عن آيريس مردوك وحدود الخطاب الفلسفي. نيويورك. بلومزبري. 2013. نقلا عن "ل ف ا" LLF ودافيد روجبانت. الواقعية الأرضية في ميتافيزيقا أفلاطون أ: ماذا يجب أن نفعل بآيريس مردوك؟. البحوث الفلسفية 35:1. 2011. ص43-67 ونورا هيميلينيز. ماذا يعني الأفلاطوني الجديد فيتغنشتاين؟. أوراق فلسفية. 43:2. 2014. ص191-225. حول موضوع وصف الأخلاق بعد مردوك انظر نورا هيميلينين. الأخلاق الوصفية: ماذا تعرف الأخلاق الوصفية عن الاخلاق؟. نيويورك. بيلغرايف ماكميلان.2016.

4 - من أجل تأملات عن مصاعب تمثيل فيلسوفة مثل مردوك في فلسفة الأخلاق التحليلية المعاصرة انظر نيكلاس فورسبيرغ. آيريس مردوك عن الحب. في دليل أوكسفورد لفلسفة الحب. كريستوفر غرو وأرون سموتس (محرر) أوكسفورد: منشورات جامعة أوكسفورد. 2017.

5 - مارغريت أوربان واكير. مقدمة غرونيغن: المذهب الطبيعي في البيو أخلاق. في تطبيع البيو أخلاق. هيلدي ليندمان. ماريان فيركيك ومارغريت أوربان واكير (محرر). كامبريدج: منشورات جامعة كامبريدج. 2009. ص5.

6  - انظر أيضا مارغريت أوربان واكير. التفاهمات الأخلاقية: دراسة أنوثية في الأخلاق. نيويورك. روتليدج. 1988.

7 - انظر بينجامين ج. ب. ليبسكومب. الانزلاق من فوق الجدار: ميجلي وانسكومبي وفوت ومردوك. في العلوم والذات. الحيوان والتطور والأخلاق: مقالات تكريم ماري ميجلي. إيان جيمس كيد وليز ماكنيل (محرر). لندن: روتليدج 2017.

8 - اهتمام مردوك الفلسفي بالحب أدى للفت انتباه النساء وفلاسفة أخلاق الأنوثة في التسعينات والألفينات.  ولكن وضعها كأيقونة في فلسفة الأنوثة عارضه قلة اهتمامها بالفكر الأنوثي، ورغبتها بالهرب من دور 'المرأة الفيلسوفة'، والذي يظهر في مقابلات جمعتها جيليان دولب بعنوان من زاوية ضيق في بيت السرد. كولومبيا  س ك: منشورات جامعة ساوث كارولينا 2003). مثلا ص 82. وكما لاحظت كارولين غويرنز في كتاب آيريس مردوك - لاهوت تصحيحي؟ دراسة مقارنة لرواية آيريس مردوك راهبات وجنود، وسارة ميتلاند في أرض العذراء. مجلة الأدب واللاهوت. 6:2. 1992. ص153-170. مردوك 'لم تكتب من وعي أنوثي خاص'. والنقاش الحالي حول هذا الموضوع يدور حول قدرة مردوك على الارتباط بالنقد الاجتماعي البنيوي. انظر سابينا لوفبوند. آيريس مردوك والجندر والفلسفة. لندن. روتليدج 2011. بريجت كلارك. آيريس مردوك واحتمالات الإدراك الأخلاقي النقدي. في آيريس مردوك الفيلسوفة. جوستين بروكيس (تحرير). أوكسفورد: منشورات جامعة أوكسفورد. 2012. ص 227-254.  ونورا هاميلينين. اختصار أنفسنا إلى الصفر: سابينا لوفبوند. آيريس مردوك والأنوثية. هيباتيا: مجلة النظرية الأنوثية. 30:4. 2015.  ص 743-759.

9 - آيريس مردوك. ضد الجفاف. في بيتر كونرادي (محرر). الوجوديون والصوفيون. لندن. شاتو  وويندوس. 1997. ص287. بعد و ص.

10 - مردوك. و ص. الأدب والفلسفة. ص22.

11 - تسميه مردوك 'السيكلوجيا الأخلاقية'، ولكن لهذا الاسم اليوم إيحاءات مضللة، لأن السيكلوجيا الأخلاقية هي باضطراد نشاط لعلماء النفس والفلاسفة العاملين على قرب من السيكلوجية الإمبريقية.

12 - مردوك. و ص. ضد الجفاف. ص288-289.

13 - مرجع سابق ص289.

14 - حول هذا الموضوع توجد مناقشة عميقة عن مردوك ونقادها انظر فورسبيرغ. ل ف ا LLF. الفصل 1.

15 - مردوك. و م. الأدب والفلسفة. ص12.

16 - انظر بران نيكول. تلميذ الفلسفة الخطير: مردوك ودريدا. MFS دراسات السرد الحديث.47:3. خريف 2001.  ص 580-601. مارتا نوسباوم. ذاهل بالمعرفة السرية: الحب والرؤيا في  الأسود لمردوك. السياسة اليوم: 25:4. 2004. ص 689-710. مايلز ليسون. آيريس مردوك: الروائية الفيلسوفة. لندن. كونتينوم.2010. ولوفبوند.

17 - واين بوث. الشراكة المستمرة. بيركلي. منشورات جامعة كاليفورنيا.1989.

18 - وليام شكسبير. هامليت. الفصل 3. المشهد 2. 17-24. في شكسبير أوكسفورد: الأعمال الكاملة. أوكسفورد. منشورات جامعة أوكسفورد. 2005. (**تم التدقيق مع ترجمة دار المعارف بمصر. الطبعة الثالثة).

19 - مردوك. و م. الأدب والفلسفة. ص20.

21 - انظر مثلا. مارثا نوسباوم. معرفة الحب. كامبريدج. منشورات جامعة كامبريدج. 1990. وروبيرت بوبين. هنري جيمس وحياة الأخلاق الحديثة. كامبريدج. منشورات جامعة كامبريدج. 2001. عن هنري جيمس. وأليس كراري. و ج سيبالد وأخلاق السرد. في اللغة والأخلاق وحياة الحيوان - فتغنشتاين وما بعد. نيكلاس فورسبيرغ. ميكيل بيرلي ونورا هيميلينين (تحرير). نيويورك. بلومزبوري. 2012. ص 195-212. عن سيبالد. لمناقشة عن الأخلاق والأدب مع تأمل حول موضعة سوسيو تاريخية للشخصيات الأدبية وعلاقتها بالفكر الأخلاقي للشخصيات وكذلك استخدام مثل هذه الروايات لأغراض الفلسفة الأخلاقية. 

21 أنيت باير. أحوال العقل - مقالات عن العقل والأخلاق. لندن. ميثوين. 1985.ص224.

* المقصود بذلك أساليب ثورية في تطبيق أخلاق الرعاية الصحية. وتحض على التخلي عن الشمولية وبقية المثاليات القديمة والاعتماد على طرق تنبع من الذات وتستجيب للتفكير الشخصي بقضايا المجتمع. انظر كتاب هيلد ليدمان وآخرون. منشورات جامعة كامبريدج. 2009.

* نورا هيميلينين Nora Hämäläinen أكاديمية تعمل في جامعة هلسنكي الفنلندية. من أهم أعمالها: الأخلاق الوصفية، الأدب ونظرية الأخلاق وسوى ذلك.

في المثقف اليوم