قراءات نقدية

محمد الورداشي: قراءة في رواية"والله إن هذه الحكاية لحكايتي" للناقد والأديب المغربي عبد الفتاح كليطو (2)

محمد الورداشيلقد حاولنا، في مقال سابق، الوقوفَ عند بعض القضايا التي تضمنتها الروايةُ، وفي ما يلي بقية القضايا التي آثرنا مناقشتها.

- من خلال قراءتنا للرواية، نلاحظ أن ثمَّ تداخلا وتعددا في فعل السرد؛ فتارة يتم تسريد الأحداث والأفكار والقضايا بضمير المتكلم:"ليس هذا المشهد عديم الفائدة، لكن، ما دخل والد(ي) في الأمر؟" (الرواية،ص12)، وطورا آخر، يتم السردُ بضمير الغائب:"لقد استيقظ حسن للتو..."(الرواية:ص13)، وذلك حينما يتدخل الساردُ، في مسار السرد، مقدما تحليلا وتأويلا للحكايات الواردة في الرواية. وهذا التداخل يضعنا أمام مرجعية تراثية مهيمنة على ذاكرة السارد المرجعية. ولئن نحن افترضنا أن الرواية تسريدٌ لسيرة ذاتية (ذهنية)، فإننا سنجد مساحةً سرديةً وعوالمَ متعددةً يتردد بينها فعل السرد؛ إذ يحاول تفسير رواية برواية أخرى عن طريق المقارنة بين شخصيات تراثية قديمة، وأخرى تنتمي إلى الزمن الحالي، ومن ثم، احتفاء ببعض الأعلام وما يمثلونه في تراثنا العربي.

- يسرد الساردُ الحكايةَ الإطار، وهي حكايته، وقد نقول إنها حكاية المؤلف إن نحن ربطنا الأمر بالمناص الخارجي"العنوان"، وما تضمنه من توكيد وقَسَمٍ على نسبة الحكاية للمؤلف حتى وإن كان العنوان نفسه محيلا إلى "الليالي". ومن داخل الحكاية الإطار، نلفي حضورا زاخرا ومتنوعا لمخزون ذاكرة السارد، وميلا إلى ممارسة النقد، والتحليل، والتفكيك، والمناقشة، ثم الوصول إلى نتيجة محددة خاصة به؛ كأنه يدعو القارئ إلى الدخول في عالم قراءة القراءات، بمعنى أنه يحاول جلب قارئه الضمني المفترض إلى مجال تخصصه الممتع؛ إلى ردهات ورِحاب التراث العربي، فضلا عن حضور المرجعية الفرنسية عبر ثقافتها وأعلامها وأمكنتها.

وهكذا، نصل إلى الفضاء داخل الرواية...

- يتشكل الفضاء من تداخل مكانين: أحدهما تخييلي خرافي (جزائر واق)، والآخر واقعي (بغداد، اللوفر، نيويورك...)، ما يجعلنا نرى إلى أن السارد قد قام بإضفاء بعد تخييلي غرائبي على حكاية "حسن ميرو"، وذلك من خلال العودة إلى "الليالي" بحسبانها إطارا مرجعيا للحكاية الحديثة (حسن ميرو ونورا)، أي حكاية السارد.

وللزمان بعدٌ مهمٌّ داخل الرواية...

- يمكن افتراض وجود زمنين في الرواية؛ هما زمن الحكاية(حكاية حسن الصائغ البصري، حكاية حسن ميرو، حكاية "مثالب الوزيرين")، وزمن سرد هذه الحكايات. والتنقل بين الزمانين، يتيح لفعل السرد مساحةً لتفسير حكاية بأخرى؛ كأنه تأويل للواقعي بالتخييلي، ومرد ذلك إلى التشابه الذي يراه السارد بين الحكايات على اختلاف زمانها.

ومن ثم، نخلص إلى...

- إن هذه الروايةَ سردٌ لحكايات: حكاية الصبا حيث بدايةُ اللقاءِ مع الأدب والفنون، علاوة على تجربة الحب، وحكاية الجامعة والدراسات العليا؛ إذ الطموح المعرفي الأكاديمي إلى بلوغ درجة أستاذ جامعي، ومن ثم بداية الرحلة المعرفية بين دروب الأدب العربي عامة، والحكايات بأنواعها وأنماطها خاصة. غير أن لقاءه مع التوحيدي كان مختلفا، ويمثل مرحلةً حاسمةً في مسيرته المعرفية والأكاديمية. وفي هذا المساق، تحضر قصته مع "مثالب الوزيرين" التي حاول، من خلالها، تقديمَ تفسيرٍ للخبر الذي ذاعَ حول سمعة الكتاب السيئة الحظ على قرائه. وتكون هذه القصة معبرا يعبُره الساردُ لمناقشة قضايا جوهرية حول الكتاب العربي: ترجمته، سمعته، إطلاق الإشاعة حوله، دون فصل ذلك عن القضايا المعرفية الفكرية ذات البعد الحضاري والإنساني.

 

محمد الورداشي

 

 

في المثقف اليوم