قراءات نقدية

جمعة عبد الله: قصائد الناس اليومية في ديوان: للريح.. تركنا قمصاننا للشاعر عبدالسادة البصري

التنوع الشعري في الأسلوب والصياغة والاختيار المفردات اللغوية الملائمة في الحياة اليومية، هي من صميم الإبداع المتجدد، ومن مهارات الشاعر المبدع في حقول التجريب والابتكار في النص الشعري، بدون شك ليس العملية سهلة الانقياد، بل تعتمد على الخبرة والكفاءة والموهبة بالخيال الفني الخصب، وسعة الثقافة ومعارفها، ومدى مداركه في استلهام مفردات الواقع والحياة اليومية لتكون لغة في النص الشعري، ولكي يخرج الشاعر من عباءة النمطية الواحدة في التقاليد في المألوف في النص الشعري الشائع، ان يحاول ان يكسرها بالتجريب والتحديث المتنوع، في اعادة صياغة الشكل الفني في النص، توظيف اللغة اليومية، التي تترجم حواسه الداخلية، ومداركه، ولكي يدعم الرؤية الفكرية والسياسية، التي يدعمها ويؤمن بها في ذهنية ووعيه، ومن اجل التواصل المبدع في النص حديث الابتكار، في الخلق والتكوين والتركيب، أن يكون النص الشعري محملاً بالمعنى والايحاء والمغزى الدال. نجد في هذا الديوان الشعري (للريح.... تركنا قمصاننا) ينحى في هذا الاتجاه ببراعة التحديث والابتكار. بأن يصل الى هدفه التعبيري مباشرة، دون غموض وإبهام، ليعطي الابعاد الحقيقية للصراع الإنساني والوطني الدائر، اعتقد نجد في النص الشعري لقصائد النثرية لهذا الديوان الشعري، هو مرحلة متقدمة ونوعية من تجربة الشاعر (محمد الماغوط) في القصيدة النثرية، ان يمتلك النص صياغة حديثة ولغة تنطق بالحياة اليومية، رغم بساطتها لكنها تمتلك البعد التعبيري والفكري في عميق الدالة والاشارة، التي تترجم احلام وتطلعات المحرومين والمسحوقين والكادحين المنتمين الى الوطن، في صراعهم وكفاحهم باصرار عنيد حتى لا يكونوا قطب ضعيف يتلقى الصفعات والهزائم والاحباط فقط، وهم يسير في طريق مذبح الحرية، واجد في النص الشعري يمتلك مميزتين ظاهرتين بشكل جلي، ويخفق بهما عالياً في النص، فالى جانب الصياغة الحديثة في الشكل الفني، هناك ميزة مهمة وهي في بنية عماد بناء القصيدة، وهي تكوين وتركيب وتعوين الصورة الشعرية، بأسلوب يختلف عن النمطية السائدة في الشعر، لان من المألوف في الشعر، بأن الشاعر يحاول يلملم او يجمع الاجزاء الصورة الشعرية، في رسم معالمها وتفاصيلها الدقيقة، حتى يصل في النهاية الى الصورة الكلية أو الصورة الكاملة في النص الشعري، قصائد هذا الديوان تتجه العكس تماما، يعطي الصورة الكاملة دفعة واحدة، ويرسم عليها التفاصيل ومعالم اجزائها بعد ذلك، في توظيف مفردات لغوية معينة، تمثل معنى الصورة الكلية، ويعطي قيمة في الرؤية الفكرية في التشكيل الفني، فى حجم الصورة الشعرية، مثل: صورة السجن. أو صورة الحلم. او صورة الوطن، أو صورة عشاق الوطن. أو صورة الأغنية وصوتها. صورة الترنيمة و شغافها. صورة المطر.... الخ. ويكون التصوير الشعري، يملك عنوان وهوية ودلالة وإدراك....3486 عبد السادة البصري

نستشف بعض هذه الصور المختارة من قصائد الديوان الشعري.

- صورة عشاق الوطن: وهم يقاسون من المحن والأهوال، من عذابات الزنازين والحرمان، من لوحات رعب وتهديد حتى الموت، كأن عشق وحب الوطن، أصبح جريمة لا تغتفر، يعاقب عليها القانون بصرامة قاسية لا ترحم. لكن مع هذا التعسف الظالم، يبقى الاصرار بحمل حب الوطن في قلوبهم. رغم انهم لا يملكون شبراً.

المنتمون بعشق الوطن،

المغروسون بطينه،

المتجذرون في أرضه حد الانصهار،

الذين لا يمتلكون شبراً

وحدهم

وحدهم

لن يفرطوا به ابداً

*

وحدهم

وحدهم

المنتمون / العاشقون / الماسكون على الجمر / الباذلون /

الذين لم يمتلكوا فيه شبراً

هم الذين يحملونه في القلب ايقونة

مساءاتهم ترقب وأحلام

صباحاتهم أمال لن تنتهي

 من قصيدة: وحدهم المنتمون اليه حقاً

- صورة العتاب: العتاب والشكوى تدور في أعماق هواجس احباب الوطن من قسمة ضيزى، لهم الفتات والحصرم والعجاج، والناكثون والفاسدون، والذين يقطعون أوصال الوطن، لهم النعيم والجنة.

لماذا..... يا وطن

عناقيد عنبك الداليات،

يقطفها....

الناكثون / المارقون / الفاسدون.....

وليس لأبنائك الصالحين،

سوى..... الفتات والحصرم ؟؟

 من قصيدة: عتب

- صورة الغناء: الغناء هو تأكيد ورغبة وطموح في استمرارية البقاء في الحياة. لذلك يصدح الغناء من كل الكائنات الحية، لتؤكد وجودها القائم، فنسمع غناء الاطفال في الشوارع. غناء الفلاحين في الريف والاهوار. غناء التلاميذ في المدارس. غناء الكادحين في المعامل، حتى للحزن والضحك والفرح والثكالى وهديل الطيور والحمام لهم اغاني خاصة، وفي الحلم أغنية. للوطن له اغنية وحكاية.

يحلم... ويغني

يكدح.... ويغني

يضحك.... ويغني

يبكي.... ويغني

في كل هذا الغناء

كان الوطن... الحكاية !!

 من قصيدة: للروح غناؤها الخاص جداً

- معالم صورة الوصية: الوصية هي أمانة في الضمير والقلب، أن يحافظوا عليها كما يحافظون على حدقات عيونهم، انها عهد وناموس.

ذات مساء

وهي تجلس قرب موقدها

و كالعصافير،،

كنا نتحلق حولها

قالت:

يا أولادي،،،

أياكم والغفلة،،

هناك أفاعٍ رقطاء

تغدر بالطيبين دائماً

فكونوا حذرين !!

 من قصيدة: الوصية

- صورة الحلم: الحلم منبع الاحساس وهواجسه خلجاته، تمور في الروح والعقل الداخلي، وتكشف الرغبة، تداعب هموم الحالمين في تداعيات الأرق.

حلمت،،

أن أكون فراشة

غادرت الزهور حديقتي

وحين داعبتني الاحلام

سافرت المسافات في جيبي

وعاشرني الأرق !!

 من قصيدة: الحلم

- صورة الكرسي: التعطش على اعتلى الكرسى بهوس ونهم مجنون، يفقد الإنسان قيمته وانسانيته ويتحول الى سفاك للدماء، من اجل الحفاظ على الكرسي، ولكن لا يعلم هؤلاء بهذا الهوس، بأنه سيصبحون عميان فاقدين البصر والبصيرة. بأن نهاية الكرسي حطباً.

كم أنت أعمى بصيرة،

واصم،

ومتعطش للدماء،

أيها الكرسي الأجوف

الذي تنتهي حطباً ؟!

***

* الكتاب: ديوان شعر (للريح... تركنا قمصاننا)

* اسم المؤلف: عبدالسادة البصري

* لوحة الغلاف: شفاء هادي

* الطبعة الأولى: عام 2021

***

جمعة عبدالله

في المثقف اليوم