تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قراءات نقدية

طه جزاع: السعي وراء الحُب

لم تكن الروائية التركية الأصل أليف شافاك، معروفة كثيراً عند القراء العرب، إلّا بعد ترجمة روايتها " قواعد العشق الأربعون" إلى اللغة العربية. ففي هذه الرواية تلعب المُخَّيلة دوراً مهماً في استحضار الشخصيات والمدن التاريخية، وفي إضفاء روح الاثارة والمتعة والدهشة التي تجذب ملايين القراء المعاصرين المتشوقين لحكايات الروح والحب والعشق وسط هذا التصحر الروحي الذي يسود عالمنا المعاصر.

ومن أجل أن تستحضر شافاك قواعد العشق كما وردت عند المتصوف جلال الدين الرومي وحكايته مع مرشده الروحي شمس الدين التبريزي الذي انتهى نهاية غريبة مختفياً في بئرٍ عميقة بمدينة قونية وسط الاناضول أيام حكم الروم السلاجقة في القرن السابع الهجري، فإنها تبتكر حكاية حب معاصرة بين إيلا روبنشتاين وهي أستاذة وناقدة جامعية أميركية يهودية متزوجة ولها أولاد، لكنها تعيش حياة زوجية تعيسة بلا روح، وبين كاتب شاب مسلم يدعى عزيز أنجز كتاباً عن لقاء الرومي والتبريزي أرسلته لها الجامعة المتعاقدة معها لتقوم بمراجعته، لكنها تكتشف أثناء قراءة الكتاب، وكأنه يحاكي حالتها ومعاناتها مع الحب والحياة، فتقرر مراسلة عزيز عبر البريد الإلكتروني، وبمرور الأيام وتعدد المراسلات يحدث الشغف والانجذاب بينهما، فتقرر أن تهاجر إليه سعياً وراء قصة حب يمكن أن تغير حياتها الجافة الرتيبة. ومثل أي قصة حب، لابد لها من نهاية مأساوية لكي تكتمل أركانها، تسعى إيلا وراء عزيز بعد أن علمت بمرضه الخطير، وتغامر بترك اسرتها والسفر عبر البحار إلى قونية حيث تلتقي حبيبها وهو على فراش المرض، وهناك قرب ضريح جلال الدين الرومي تودعه الوداع الأخير. حيث تنتهي الرواية التي جرت أحداثها التاريخية والمُتخيلة بين ولاية ماساتشوستس الأميركية وسمرقند وبغداد وقونية.

في هذه الحكاية المعاصرة التي نَسجها خيالها الخصب، تعرض أليف شافاك قواعد العشق كما استقتها من مراجعها الصوفيّة، ومن الرومي ومرشده الروحي، وصاغتها في رواية جلبت لها شهرة واسعة ، مع أنها ليست من أفضل رواياتها، التي ترجم معظمها محمد درويش المترجم العراقي الكبير، وكان آخر ما تَرجم لها قبل أن يودع الحياة في التاسع من تموز الماضي روايتها " 10 دقائق و 38 ثانية في هذا العالم الغريب".

ومن هذا العالم الغريب، تستقي شافاك أحداث رواياتها، مستندة إلى شخصيات مختلفة عرقياً وثقافياً ودينياً، لتقول في النهاية ان ما يجمع البشر هو دين الحب، فالحب هو الذي يغيرنا " وما من أحد يسعى وراء الحب إلّا وينضج أثناء رحلته، فما أن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل والخارج ".

بعض الروايات تلهمك، وبعضها يحفزك لتقوم برحلة إلى قونية، مثلما قادتني  الرواية إلى هناك قبل سنوات، بحثاً عن خطى إيلا وعزيز، والحب الساكن في الجوانح بين الظن والخيال .

***

د. طه جزاع – كاتب وأكاديمي - العراق

 

في المثقف اليوم