قراءات نقدية

حيدر عبدالرضا: قراءة في مجموعة (ملح أنوثتي) للشاعرة أحلام غانم

(الوعي الشعري بين عضوية الاستعادة وكينونة الموصوف الملكوتي)

توطئة:

لعل الشاعر المتشح في شعره بالاستعادات الفيوضية المبثوثة من خلال رؤية واجدة وحقيقية إلى مدركات غيبية وملكوتية، فلربما تبدو محصلات نصه النواتية، هي من الاستعدادات الخاصة في وظائف كينونة نصه الشعري الذي هو في الحصيلة الدلالية بمثابة المقادير المصاغة في حالات نوعية من أسلبة طبيعة الاشياء ضمن فتوحات دوالية ومسميات لها من قدرة التحليق بالدلالات نحو نقاط متماهية ومتطابقة في العرض الصوري والاستكمال التلفظي. إذا ان حالات أدلة الموضوعة الشعرية ومحتواها الامتثالي، هي من موصولات نقاط واوضاع تحاورية، تستكمل مشروعها من خلال (الذات- الموضوع) وصولا إلى تكوين بعض حالات الوظيفة الشعرية، بما يمكننا القول عنه بذلك الطابع المتمحور من اوليات الوظائف النواتية من النص نفسه، ومساحة فيضه من الاشتغالات النوعية للقصيدة ومرسلاتها المصدرة الإحاطة والتمكين بذلك القصد المحسوس من اللغة والفة فضاءات النوع الشعري اعتمادا. من هنا تواجهنا بهذا الميسم والطابع الإضماري، جملة خاصة من موصوفات مشروع قصيدة مجموعة (ملح انوثتي) خلاصا وخلوصا محكوما في تقديم حالات الملفوظ الشعري في المجموعة، ضمن حدود إمكانية بلاغية مبهرة، متكونة من إحساس ورؤية وأسلوب صناعة الملائمة بين عضوية اسعادات النص وإصداء فيوضاته الطوافة في اعتاب فواصل (الفضاء: البياض - - السواد) فيما يبقى هذان الحدان، من التأسيس والوظيفة الشعرية وشعابها المتحولة والمتقلبة في مسارات حيوات  المعنى.

- الممكن والإمكان في مرايا الذات الشعرية

لعل من السمات الاخاذة في بنية قصيدة الشاعرة السورية القديرة أحلام غانم، ما تتركز به شواغل الدوال المنجزة ضمن المحاور الأكثر توغلا بالهوية التلفظية وجملة مصاحباتها الصرفة التي تختص بأدوراها أنتقائية العوامل الموضوعية الاكثر تداخلا وحيازات ترابط (الدال- المدلول) وصولا متواصلا نحو خلق اشد المظاهر القصدية إقترانا بالعلامات المرسلة بين حيزي (الواصف- الصفة) إدماجا لهما بذلك النسيج المكنون من اللغة الفضائية وحدودها التي هي من تجميل الوحدات المنطوقة والكيفيات التصديرية للدلالات ومشتركاتها وقواسمها المنجدلة ب(معلنة _ إظهارية). وفي أماكن عديدة من ممارسات القول الشعري، لاحظنا ذلك التأطير الدائر بين قطبي (الصورة - - الحال) امتدادا في التنوع والتعدد في مجال الاهم والاجدر في حيز التوافقات الإيقاعية عبر خصيصة الاصوات والتأسيس في السلم النغمي من قابلية النص ومحاورة العروضية، لذا وجدنا جميع نصوص المجموعة تتعاضد مع بعضها البعض ضمن حالات محايثة تصل العناصر الدوالية وأطوارها في تعاملات وظيفية - عضوية، عادة ما تكون هي المصدر المؤسس في منتج النص واحواله، اي كحالات مجبولة في رواسم البنية التحتية والخارجية من مساحة التأشير الحسي للمقروء ليس إلا. نطالع ما جاءت به قصيدة (قمر...) من معالم تاثيرية خاصة، وانا شخصيا رحت اعول في بحثي حول هذه القصيدة، لكونها تمتلك قدرات شعرية لها مقاصدها التي لا يمكن الإحاطة بها منذ الوهلة الأولى، كذلك فلهذه القصيدة مرجحات نوعية من اوصاف الحال والأحوال، الامر الذي جعل منها تقع بين حدين (الممكن - الإمكان) وعند التعرف على تفاصيلها الدوالية، نعاين المدى الممنوح في علاقاتها النواتية والافعالية والصفاتية:

مازلت أسأل عني مذ

وقفت على...

أسمائه ذات ليل سال

من قمر...

هنا يمكننا القول بأن النموذج الإمكاني في أحوال الاتصال، وهو ذاته الذي وطن الشروع في جعل أوجه المرسل كحالة ممكنة في الحصول على ابغ صفة من صفات الدال المشرئب تمحورا في جملة العتبة المطلعية (مازلت أسأل عني) والعلاقة هنا إطلاقا من فعل الديمومة والتوكيد الاحوالي بالزمن والذات الآنوية (مذ وقفت على.....) فهنا تكمن زمنية الذات الممكنة، دخولا في بحثها عن ذاتها الثانية، والتي اصبحت تؤشر لها بعلامات وهيئات من الزمن البياضي (......) اي ذلك الزمن الفراغي الذي تعنى في حدوده الاشياء ب(حلول اللاثبات؟) او هو الأداة في اللاتحديد، ولا يمكننا تقديره بغير مسمى (وساطة الإمكان؟) ذلك لأن وجوده في نهايات القصيدة لا يشكل حضورا ممكنا من ناحية فهمه، اللهم إلا من ناحية كونه اداة طيعة للمحذوف، ولكننا في الآن نفسه وضمن سياق بحثنا هنا، قد يجوز لنا تسميته ب(الإمكان) ذلك لكونه يدخل ضمن بواعث محتملة من وجود الامر ذاته او غيره، فالحالات التنقيطية في نهايات الجمل، هي بمثابة قابلية خاصة في قراءة تعدد المعنى، ولكن هل ياترى هو المعنى التخميني للقارئ، اي هو ذاته ما تترابط معه مقاصد الشاعر بالحرفية القولية والبنائية، طبعا لا والف لا؟. تعددية المعنى لا ترممها البياضات، ولا تنكسها احوال الدوال السائبة، بل تعدمها كيفية عدم توظيفها في الشكل المناسب والتوافقي. استخدمت الشاعرة في وظائف خواتيم جملها الشعرية تلك النقاط من اللامنتهي من اواصر الخطاب، إذا على هذا الامر تتبين لنا حضورية وغياب الدوال في المواضع المخصوص لها، وقد تتضح لنا غالبا واصلات متحولة في مساحة البياض الإمكاني، اي من ذات الوجه من الدال المبثوث بادئا، ليشكل حالة تواصلية مع ذلك المعدوم في اللامنتهي في توالف الجملة(وقفت على....) ووضوح هذا القصد يتركز في معلومية الجزء الاولي من الشطر، ما يشكل بذاته حالة تعقبية تتلمس الوصول إلى اللامحدد في زمن الفراغ البياضي من المبذول كمعنى مضمر في أداة حذفه، او هو ذلك الترهين بالقيمة الدوالية بالمحذوف الإمكاني والذي يمكن فهمه، إذا توفرت إشاراته وعلامته من ذي قبل. ولو تعاملنا مع المعنى المشرئب في صلب القصد اللامنتهي، لوجدنا ثمة ازمنة وفضاءات خارج السياقات المعمول بها، ولكننا عندما نمعن في تعالقاتها المضمرة نكتشف بان المعنى يمارس ذلك القصد القائم بين الممكن والإمكان.

1- واصلات المعنى وإعادة تشكيل المعنى:

تستفيد اوضاع المركب اللفظي في حيز محمولات القصيدة لدى الشاعرة، من خلال هوية الطاقة اللغوية الكامنة في مقاصد إشارات وعلامات المعنى الوظائفي، لذا فالقصيدة لديها ملغومة بدلالات متكونة من فئة واصلات المعنى او إعادة تشكيل المعنى عبر نقاط من المقصود الآنوي، وعلى مثل هذا الاعتبار تظل ملكية بنية النص او الوجه الآخر من تشكيل القصد للمعنى، بمثابة جلب الاغراض والوسائط إلى النص، كحالات علاقة خاصة هي من التكييف والمنح في ثنائية (المطابقة- التماهي) ولعل القترئ لسطورنا هذه، قد لا تتضح إليه مرادات قولنا تحديدا وتشخيصا، وذلك إلا في حدود ممارسة إجرائية، في التفكيك والتجميع للشكل النصي، ولكننا حاولنا هنا إبراز ما تعنيه الاواصر اولا في علاقات محتوى الدوال وشواغلها مع الذات وملفوظها المحمول كملكة خاصة في تحالف وتخالف في الوسيلة والمحصلة المنتجة للنص. أقول مجددا حاولت الشاعرة في منتج قصيدتها (قمر...) خلق حالة توليف بين طاقة اللغة في الوحدات، وبين ذلك الإتصال بالمصير البياضي الوافد من زمن اللاتحديد، فمن خلال هذه الوسائل المتاحة في النص، إدركنا زمن الوصل والفصل، و منها علمنا بوجود حالات التداخل عبر محاور معدلة ومليئة بالإشارات والإيحاءات بالطاقة المكنونة باقصى تجليات الدلالات المتماهية عبر مقداري (الظاهر- المضمر) كما عليه الحال في مرسوم هذه الجمل(أسمائك ذات ليل سال من قمر_ في شاطئين.. ولا هناك.. بدا.. - يقول: هذا التجلي أول السحر - كانت أساريرة في كل دائرة.... ترمي خيوطا وانوارا على الشجر) ويتعمق الخطاب بحالات ابعادية واستعادية، نستخلص من وراءها، اوجه تبادلات صيغ التلفظ بمسميات التدليل التصوفي في مناجاة الاقداس وغيوب الاحدية عن الاعيان التصورية في محتملات صنيع العلامات الاكثر غورا في طاقة التدليل والدلالة. فالشاعرة من جهة ما ترسم لذاتها مسارات مخصوصة في لغتها، لدرجة طرح الغواية في ماوراء مقصودها، وربما هي من جهة ما تسعى إلى تقريب مواطن الصفات والوجودية من ناحية كونها محاكاة لا تعني الانسحاق في مجامر التخييل عبر المواطن الكونية، بقدر ما تحاول بعث ملفوظها بضمير حالات هي من الركون إلى لغة متعالية في الياتها الاستعارية والمجازية، وقد تبدو لنا آليات هذه البلاغة هي الاقدر على جعلنا نهم بالمرور والعبور عير طبقات ميتافوقية، ميتافيزيقيا، والركون إلى ذلك المعنى الصوري والروحي (ليل سال من قمر) لذا فهي تعني بدورها حالات يسودها التدبر في الوصف والميثاق لهذا الوصف، إيمانا بمطلقية الذات العلوية وحصيلة اسمائها في وحدة الَجود، وعلى هذا النحو تبقى دلالة القمر منتهية في الان وفي آن آخر تستمد هويتها من جملة بياضات متصلة وحدود إمكانية وممكنة في الان ذاته،. وعند تجاوز حدود القول (في شاطئين.. ولاليل هناك.. بدا..) نتبين أوجه التعليل والتحويل والإيحاء في غاية الوصول الى مقاصد غيب الغيوب، كما ويغدو التماثل بين هذا وذاك من التوصيف الاكثر إقتدارا في مسوغات المواضع الصاعدة من القول (يقول: هذا التجلي اول السحر - كانت اساريرة  في كل دائرة....) ربما من الناحية الدلالية تختار الشاعرة اشكالا من الدلالات تذكرنا بشعراء المتصوفة وقصائدهم الكشوفية والشهودية التي تختص بها مجمل الواردات والمشاهدات القلبية، لذا نجد الشاعرة في لغتها تنساق بالمحاكاة الحسية وليس بالمحاكات القالبية، وعند التعرف قليلا بشعر التصوف، نعاين بان اغلب شعرهم ما غدا يتحدد به من ظواهر الفيوضات وشهودية الرؤيا القلبية تحديدا.

- سلطة اللغة في فواعل الطبقات الدلالية

ان عملية تناول شعر احلام غانم، ماهي إلا تلك الجهود المتواضعة في البحث المقارب في منعطفات جواهر المعنى الشعري لدى الشاعرة، ناهيك عن اهمية وظائف القصيدة المصاحبة الأخرى، وخصوصا في ما يتعلق بالناحية الإمكانية في تحصيلات الوظيفة البلاغية ومسار إيقاعاتها الحاصلة حصولا فريدا ومتفردا.

إليك..

ربيعا

وليس خريفا

يسير إلى غيمة تمتدد صيفا

ورائي.. وأنحائي الشوق

في نبعة السلسبيل يعيد

مدارج روحي

وماء قصيدي.

فعندما نقرأ حالات مختلفة من شعر الشاعرة، كقصيدة (وحده يروي..) وقصيدة (ياسورية) وقصيدة (بسملة القوافي) لا شك إننا نشعر بمداد الافعال التفاعلية في خطاب القصائد، وذلك تحقيقا لشروط الشعرية التي تمتلك أهليتها الفعلية في محاور تماثلاتها في الاداة والتأشير والجدارة البالغة في تقديم النموذج الشعري في مساحات متداخلة ومتناوبة من جماليات الخصائص الشعرية الواثقة والموثقة في شرعية كونها الفضاء الشعري الجاد والأكثر تأثيرا وذيوعا في الذائقة الحسية للتلقي والمتلقي.

***

حيدر عبد الرضا

في المثقف اليوم