دراسات وبحوث

العلاقة بين الإمام الكاظم وعشيرته بين الإيجاب والسلب (1) / غالب حسن الشابندر

وكلهن أمهات ولد، وأم ولد مصطلح يراد به أمَةٌ تنجب من رجل حر، ولست أدري لماذا لم يتزوج من الفرع الحسني مثلا، ومهما يكن من امر يخلو التاريخ من معلومات عن زوجاته،اللهم إلاّ النزر اليسير، بل هذا النزر اليسير هو الآخر نادر، ونادر جدا، فلماذا هذه الندرة؟ وهل كان الامام حريصا عليها؟ ونحن نعرف الكثير عن زوجات علي عليه السلام، وربما زوجات الامام الحسن؟ بل قبل هذا وذاك زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهل هناك سر خا ص يكمن وراء هذه الندرة؟ ربما اتحدث عن هذه النقطة لاحقا .

اختلفوا في عدد أولاده، بين ذكور وأناث، فالشيخ المفيد يحصيهم بـ (37) ويذكر اسماءهم بالتفصيل، تسعة عشر ذكرا، والباقي أناث، والطبرسي يعدهم كذلك، ثمانية عشر ذكراً والباقي أناث، وفي مناقب ابن شهراشوب: (أولاده ثلاثون فقط، ويقال سبعة وثلاثون، فأولاده ثمانية عشر ... وبناته تسع عشر ...)، وفي كشف الغمة: (فقيل: ولِد له عشرون ابنا، وثمانية عشر بنتا ...) فيكون المجموع ثمانية وثلاثين ولدا، ويدعي ابن عنبة صاحب كتاب (عمدة الطالب في أنساب ابي طالب) بانَّه ولد للإمام (ستين ولدا، وسبع وثلاثين بنتا)، وفي كتاب (سر السلسلة العلوية) لمصنفه أبو نصر البخاري: (ولد موسى بن جعفر عليه السلام من ثمانية عشر ابنا واثنتين وعشرين بنتا)، فيكون المجموع خمسين مولولدا، وفي اليعقوبي: (كان له من الولد ثمانية عشرذكرا، وثلاث وعشرون بنتا)، فيكون المجموع امد واربعين مولودا !

هذا الاختلاف الفاضح والشائن في عدد أولاد الامام ترافقه مفارقة أخرى، فنحن لا نعرف عن الكثير منهم المعلومات الضافية، التي تشفي الغليل، ولا نعرف الكثير عن طبيعة العلاقة بين الإمام وبين أولاده، واحدا ... واحدا، نعم، هناك معلومات بسيطة جدا، سوف أتعرض إليها لاحقا بإذن الله تبارك وتعالى .

يقول الشيخ المفيد: (ولكل واحدٍ من ولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فضلٌ ومنقبة مشهورة، وكان الرضا عليه السلام المقدَّمُ عليهم في الفضل) 1/ ص 246 / ونقرا في اعلام الورى: (ولكل واحد من ولد ابي الحسن موسى عليه السلام فضلٌ ومنقبةٌ، وكان الرضا عليه السلام مشهوراً بالتقدم ونباهة القدر، وعظم الشأن، وجلالة المقام بين الخاص والعام) 2 ص 37 /

ليس المهم عندي عدد أبناء الامام، ولا حتى هوية سلوكهم، هذا ياتي بالدرجة الثانية، إنّما المهم عندي هو هوية وطبيعة العلاقة بين الاب والابناء هنا .

المشكلة إننا لا نملك معلومات ضافية، وإذا كانت هناك معلومات ففي خصوص بعض الابناء لا كلهم، وبالتالي، نرى أنفسنا مضطرين للتعامل مع هذه القضية من خلال استعراض هذه المعلومات القليلة الخاصة بهذا البعض من الابناء !

منْ هؤلاء هم القلة يا تُرى؟

1: أبو الحسن الثالث علي بن موسى الرضا .

2: أحمد بن موسى المعروف بشاه جراغ صاحب المشهد المعروف في شيراز .

3: إبراهيم بن موسى بن جعفر .

4: ابراهيم الاصغر .

5: زيد بن موسى .

6: حمزة بن موسى .

7: اسماعيل بن موسى .

8: الحسن بن موسى .

9: عباس بن موسى .

10: جعفر بن موسى .

11: قاسم بن موسى .

12: هارون بن موسى .

13: محمَّد بن موسى .

14: عبد الله بن موسى .

15: عبد الله بن موسى.

16: الحسن بن موسى .

17: اسحق بن موسى .

18: الفضل بن موسى.

19: سليمان بن موسى .

20: فاطمة بنت موسى .

21: حكيمة بن موسى

هذه هي اهم الاسماء نقلتها من كتاب مسند الامام الكاظم للشيخ عزيز الله العطاردي، نشر الامانة العامَّة للعتبة الكاظمية المقدسة، طبع دار الصفوة، بيروت .

2: وقبل أن نوغل بموضوعنا هذا نتساءل عن سبب هذا العدد الكبير من الزيجات بالنسبة للإمام الكاظم، إنه عدد كبير حتى لو كان تسعة زيجات، فكيف والعدد ست واربعون زيجة؟

إذا صحّت هذه الكثرة فتفسيرها عندي هي أن الامام كان يريد تكثير الطالبي العلوي بسبب المجازر الرهيبة التي حصلت بهم على يد العباسيين، فمن المعلوم أن المجازر التي احدثها بنو العباس في الجسم الطالبي العلوي كانت تضاهي مجازر بني أمية فيهم، وكان القتل من نصيب عيون القوم، فضلا عن عامّتهم، فضلا عن التشريد الذي عُرف به العلويون زمن الخلافة العباسية، خاصة في خلافة السفاح والرشيد، وقصة حميد بن قحطبة مشهورة، فهل عمد الامام الى هذا التزواج الكثير من أجل ردم هوة هذا الجزر في بني فاطمة عليها السلام؟

3: نعود إلى السؤال الجوهري، ما هي طبيعة العلاقة بين الإمام وأولاده؟

لا توجد روايات تشفي الغليل بهذا الخصوص، فنضطر وهذه الحالة أن نستعرض بعض أخبار هؤلاء الابناء علَّنا نكتشف بعض معالم هذه العلاقة، وساعتمد الاسماء التي ذكرتها آنفا، فهي المشهورة، وهي التي يمكن أن نعثر على بعض الاخبار بخصوصها، عدا الامام علي بن موسى الرضا، فهي مشهورة، ولذا سنتجاوزها الى مرحلة لاحقة، واعتقد إن البداية تكون مع قراءة وصيته الى ولده، فما هي قصة هذه الوصية؟

جاء في إثبات الهداة: (وبالاسناد عن يزيد بن سليط قال: لما أوصى أبو إبراهيم عليه السلام أَشهد إبراهيم بن محمَّد، ثم ذكر عشرة من الشهود إلى أن قال: اشهدهم أنه يشهد إن لا إله إلاّ الله إلى أن قال: وإنّي أوصيتُ إلى ابني علي وبنيِّ بعد معه أن شاء وآنسَ منهم رشدا، وأحب أن يقرهم فذاك له، وأن كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له، ولا أمر لهم معه، وأوصيتُ إليه بصدقاتي وآموالي ومواليِّ وصبياني وولدي إلى أن قال: وأي سلطان أو أحد من الناس كفَّه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مِمّا ذكرتُ في كتابي هذا أو أحد ممّن ذكرتُ فهو من الله ومن رسوله بريء، والله رسوله منه بريئان، وعليه لعنة الله وغضبه إلى أن قال: وإنَّما أردت بإدخال الذين أدخلتُ معه من ولدي التنويه باسمائهم والتشريف بهم، وذكر الوصية بطولها) 3 / اثبات الهداة ج4 ص 190 ح 13 / وما ذكره هنا تلخيص واف للوصية، وهي وصية طويلة جدا، وقراءة سريعة للرواية تكشف عن تكريس الامر كله لابنه علي بن موسى الرضا، تكريس وكالته على المال والمآل والصدقات والاولاد والبنات في كل صغيرة وكبيرة .

يروي الكليني: (أحمد بن مهران، عن محمَّد بن علي، عن أبي الحكم قال: حدَّثني عبد الله بن إبراهيم الجعفري وعبد الله بن عمارة، عن يزيد بن سليط قال: لما اوصى أبو إبراهيم عليه السلام أشهدَ ...) وساق الوصية بطولها 4 / الكافي 1 ص 316ح 15 /

يروي الصدوق: (ابن ادريس، عن محمَّد بن أبي الصهبان، عن عبد الله بن محمَّد الحجَّال، إن ابراهيم بن عبد الله الجعفري حدَّثه عن عدّة من أهل بيته: إن أبا ابراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام أشهد على وصيته اسحاق بن جعفر ...) وساق الوصية بطولها، مع بعض الاختلاف عما جاء في وصيته برواية الكليني ....

الحديث عن هذه الوصية يطول، والبداية أن نفحص السند بطبيعة الحال، سواء عن طريق الصدوق أو طريق الكليني .

سند الكليني مخدوش، فإنّ أحمد بن مهران لم يرد فيه توثيق، بل ضعَّفه ابن الغضائري 5 / الخوئي 2 رقم 985، وأبو الحكم الارمني هو الآخر لم يرد به توثيق 6 نفسه 21 رقم14184، وأما يزيد بن سليط فسوف ياتي الحديث عنه لاحقا، وسند الصدوق هو الآخر مخدوش، فإن عبد الله بن محمَّد الحجَّال الاسدي لم يوثّق 7 / نفسه 10 رقم 7103، وهناك ثغرة (عن عدة من أهل بيته)، وليس لهم إشارة في سند رواية الكليني، وبالتالي، فكلا الطريقين ضعيف ...

ينتصر بعضهم (ربما) إلى التطابق في البنو د أو بعض البنود بين الروايتين ليحكم بصحتهما اجمالا، وهو طريق محفوف بالمخاطر، فما اكثر ما تتطابق الروايات عن حدث معين فيما لا صحة لهذا الحدث في صلب الواقع والحقيقة ...

ولكن منْ هو (يزيد بن سليط) مصدر رواية الكليني من أعلى، وأحد أهم الشهود على الوصية؟

الكلام عنه في الفقرة التالية ...

4: يزيد بن سليط هذا لم يرد فيه توثيق في كتب الرجال الحرفية المعروفة، اي النجاشي والكشي والطوسي، ففي رجال الاخير: (من أصحاب الكاظم عليه السلام وله حديث طويل)، وفي رجال الكشي: (ابن سليط الزيدي، حديثه طويل)، هذا كل ما في كتب الرجال القديمة، ولكن الشيخ المفيد المتوفي سنة (413) يقول في كتابه الإرشاد فيما يخص النص على الامام الرضا: (فممَّن روى النصّ على الرضا بن موسى عليهما السلام بالإمامة من أبيه منه بذلك، من خاصَّته وثقاته وأهل الورع والتقوى والعلم والفقه من شيعته:داود بن كثير الرقِّي ... وزيد بن سليط، ومحمَّد بن سنان) 8 / 2 ص 248 / وبناء على ذلك وثّق بعضهم يزيد بن سليط، ولكن نحن نعلم إن هناك نقاشا في توثيقات الشيخ المفيد خاصة في كتابه الإرشاد، ومِمَّا اثير حول توثيقات الشيخ المفيد فيما يخص الرواي (محمَّد بن سنان) حيث كان معروفا بالضعف، ولكن الشيخ المفيد يمتدحه في النص السابق، نراه يضعفه بقوله: (محمد بن سنان وهو مطعون فيه، لا تختلف العصابة في تهمته، وما كان هذا سبيله لم يُعمَل عليه في الدين) 9 / الرسالة العددية نقلا عن معجم الخوئي 16 رقم 10911 ص 159 !

ليس من السهولة حل هذا التناقض، ولكن لدي راي، إن توثيق الشيخ المفيد لمحمد بن سنان في كتابه الارشاد رغم تضعيف الرجاليين له، واتهامه بالغلو والفساد والكذب، ورغم تضعيف المفيد نفسه له بكتابه الرسالة العددية إنما يكمن في شهادته على أمامة الرضا، هنا هو السر، وإلاّ الاختلاف في وصف الشيخ المفيد لمحمد بن سنان بين بيانه عنه في الرسالة العددية وبين بيانه عنه في الارشاد لا يُردَم، وربما اتحدث عن ذلك اكثر في مناسبة قادمة .

جاء في مناقب ابن شهراشوب: (وروي صريح النظر عليه بالامامة من أبيه ثقات منهم: أخوه علي ... ويزيد بن سليط) 10 / مناقب 4 ص 347، وتوثيق ابن شهراشوب متأخر، على أن الكشي يسميه: (يزيد بن سليط الزيدي) فهل جاء ذلك من جهة المذهب أو النسب؟ يذهب الخوئي الى الثانية ولكن بلا دليل 11/ المعجم 20 رقك 13661 ص116 .

5: لم تنته القضية بعدُ، ذلك إن لرواية الوصية أكثر من فقرة، فحسب رواية الصدوق والكافي أن الإمام أوصى أن لا تُفكَّ وصيته ولا تفض، ومن (فعل ذلك فعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقرَّبين وجماعة المرسلين والمؤمنين من المسلمين ...) 12 / الكافي ص 317 / هنا نلتقي برواية أخرى ضمن السرد الروائي للكليني هذا بسند: (.... قال أبو الحكم: فحدَّثني عبد الله بن آدم الجعفري، عن يزيد بن سليط قال: كان ابو عمران الطلحي قاضي المدينة، فلَّما مضى موسى قدَّمه إ خوته إلى الطلحي القاضي ـ أي قدَّم اخوة علي بن موسى الرضا كتاب الوصية إلى هذا القاضي ــ فقال العباس بن موسى: أصلحك الله وامتع بك إنَّ في أسفل هذا الكتاب كنزاً وجوهراً ويريد أن يحتجبه ويأخذه دوننا ـ أي يريد علي الرضا ذلك ـ ولم يدع أبونا رحمه الله شيئا إلاّ الجأه اليه، وتركنا عالةً، ولولا أنِّي أكف نفسي لأخبرتك بشيء على رؤوس الاشهاد ...)، فحسب هذه الرواية المكمِّلة في الكافي أن أخوة علي بن موسى الرضا احسوا بالغبن في هذه الوصية، بسبب تسليط علي الرضا على المال والعيال، وإن في اسفل الوصية كنزا ارادوا فضه، كي يكون لهم منه نصيب، وكان بطل الاعتراض والطلب هو عباس بن موسى بن جعفر ـ الذي سياتي عنه حديث ـ ولكن اعترض عليه إبراهيم بن محمد الجعفري أحد شهود الوصية ـ سياتي الحديث عنه ـ حيث ردَّ عليه قائلا: (... إذاً والله تخبر ما لا نقبله منك ولا نصدِّقك عليه، ثم تكون عندنا ملوماً مدحورا، نعرفك بالكذب صغيراً وكبيراً وكان أبوك ـ أي موسى بن جعفر ـ أعرف بك، لو كان فيك خيراً وإن كان أبوك لعارفاً بك في الظاهر والباطن، وما كان ليأمنك على تمرتين، ثم وثب إليه اسحق بن جعفر عمُّه فأخذ بتلبيبه فقال له: إنَّك لسفيه ضعيف أحمق أجمع هذا مع ما كان بالامس منك ـ يبدو ان العباس بن موسى هذا كان قد صدر منه شينٌ أو ما لايليق امس فاستحق هذا التذكير ــ) 13 / نفسه ص 318 / ولم يفض الشجار، فإن القاضي امتنع عن فض (الخاتم) لان الوصية تتضمن النهي عن ذلك بل اللعن على منْ تجرأ وفض اسفل الكتاب، ولكن العباس بن موسى بن جعفر أصر وتحمًّل مسؤولية فضه، فماذا كان؟

كان هناك كلام يكرِّس مرَّة أخرى تسليط علي بن موسى الرضا على المال والعيال، مال الامام الكاظم وعياله، فقد جاء فيه: (ففضَّ العباس الخاتم فإذا فيه إخراجهم ـ أي إ خراج أخراج أخوة علي بن موسى الرضا من الملك ـ وإقرار علي لها وحده وإدخاله إياهم في ولاية علي أن أحبُّوا أو كرهوا أخراجهم من حدِّ الصدقة وغيرها ...) 14/ نفسه ص 318 /

هذه القطعة من الرواية تكشف لنا عن اختلاف كبير بين علي بن موسى الرضا واخوته حول الورث، بل تكشف عن اختلاف وعدم استقرار بين الامام الكاظم وبعض ولده في ظرف حياته بالذات،اي لم تكن العلاقة داخل الاسرة الكاظمية على مايرام ! ويعرض باقي الرواية ملاسنة بين العباس بن موسى بن جعفر والامام الرضا حول الوصية والارث، وكان العباس يتحدث نيابة عن اخوته !ّ بل تتضمن الرواية اتهمام العباس بن موسى لابيه موسى بن جعفر القذف والسب والشتم والاتهمام، فإن الامام الرضا كان قد وعدهم خيرا، سوف يبرًّهم ويكرمهم ويقضي دينهم من هذا الارث، ولكن العباس ونيابة عن اخوته يجيبه: (ما تعطينا إلاّ من فضول أموالنا، وما لنا عندك أكثر) وفيما يجيبه الامام الرضا بأدب وحكمة كما تذكر الرواية يقول العباس وكأنه يتكلم بلسان اخوته: (والله ما هو كذلك، وما جعل الله لك من رأي علينا، ولكن حسد أبينا لنا، وإرادته ما أراد، ممّا لايسوِّغه الله إياه، ولا إياك ...) 15/ نفسه ص 319 / والحقيقة إنّ قراءة بسيطة لمثل هذا الحوار تكشف عن علاقة متوترة بين الرضا واخوته لاحق موت موسى عليه السلام، بل كان هناك اختلاف وشقاق بين الاب (الإمام الكاظم) وبين أبنائه، كلهم أو جلهم او بعضهم، في حياة الإمام نفسه !

هل هناك اكثر من هذا بهذه الوصية؟

نعم، فإن العباس هذا يهدد الرضا بالقتل، فقد قال له وفي حضرة القاضي بطبيعة الحال وحضور الاخوان: (وإنَّك ـ خطاب العباس للرضا ـ لتعرف إنِّي أعرف صفوان بن يحي بيَّاع السابري بالكوفة، ولئن سلمتُ لأُغصِّصنَّه بريقه وأنت معه) 16 / نفسه ص 319 / وصفوان بن بيَّاع السابري هذا احد رجال الامام الكاظم المعروفين بالورع والتقوى، واحد خزّان المال لدى الامام الرضا ومن خوّاصه الخلص ! فهل كان العباس بن موسى واخوته يراقبون حركة أبيهم واسرار علاقته مع اصحابه واصحاب ابنه الامام الرضا عليهما السلام؟ اي كانت هناك عيون ترصد، وآذان تسمع، وملاحظات تُسجَّل داخل البيت الكريم !

تقول الوصية أن الامام الرضا قال مختتما هذا الاجتماع الموجِع مخاطبا أخوته: (لا حوَّل ولا قوَّة إلاَ بالله العليِّ العظيم،أمَّ إنِّي يا أخوتي فحريصٌ على مسرِّتِكم، الله يعلم، اللهم تعلم إنِّي أحبُّ صلاحهم بارُّهم، وأُصلِّ من أجلهم ... اللهم اصلحهم، واصلح بهم ...) 17 / نفسه ص 319 / فاجابه العباس: (ما اعرفني بلسانك، وليس لمساحتك عندي طينٌ ...) 18 / نفسه / وعلى هذه الحال المزرية (افترق القوم ...) 19 / نفسه !

اليست هي علاقة اي بيت عادي من بيوت الناس، بل بيت لم يعرف الود المتبادل ولا الثقة المتبادلة؟

اشك بالرواية والوصية جملة وتفصيلا، ومما يسهل الخطب أن (ابو الحكم الارمني) في السند، فهو لم يوثًّق، كذلك اشك بنظافة العمدة في الرواية، اي يزيد بن سليط .

هذا مع اكثر من ملاحظة في هذا الشان، منها: ـ

أوّلا: إن هذا لا يعني بان ليس للإمام الكاظم وصيَّة، فهذا خلاف ما هو معروف في ادب الاسلام وفقهه والامام الكاظم عالم الدين وفقيه الاسلام الكبير، ولكن ليست وصية بمثل هذا العيار الهابط حتما .

ثانيا: يظهر أن هناك وصيتين، والوصية الاولى لم يتم العثور عليها، وكاتبها هو: محمَّد بن جعفر بن سعد الاسلمي، كما نص على ذلك الكافي في سرده للوصية التي فصلنا بها الكلام، وهي الوصية الثانية 20 / نفسه ص 316 / وهو من شهود وصية الإمام الكاظم لابنه الرضا، ولكنَّه لم يوثق للاسف الشديد 21 / معجم15رقم10375 /

ثالثا: أن الصدوق ذكر شهود وصيَّة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لابنه الرضا وهم: (إبراهيم بن محمَّد الجعفري، واسحق بن جعفر بن محمد، وجعفر بن صالح، ومعاوية الجعفري، ويحي بن الحسين بن زيد، وسعد بن عمران الانصاري، ومحمّد بن حارث الانصاري، ويزيد بن سليط، محمّد بن جعفر بن سعد الاسلمي) وفي الكافي زاد على ذلك: اسحق بن محمَّد الجعفري .

مراجعة سريعة لهؤلاء الشهود تكشف عن كلٍّ من: ـ

1: إبراهيم بن محمد الجعفري، لم يرد فيه توثيق كما في معجم الخوئي جزء 1 رقم 281 .

2: جعفر بن صالح لم يوثَّق كما في المعجم جزء 4 رقم 2172 .

3: معاوية الجعفري لم يوثَّق هو الآخر كما في المعجم جزء 18 رقم 12471 .

4: يحي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب لم يوثَّق بل وكان واقفيا كما في معجم الخوئي جزء20 رقم 13484 .

5: سعد بن عمران الانصاري لم يرد فيه توثيق كما أنه واقفي جاء ذلك في المعجم جزء 8 رقم 5008 .

6: محمد الحارث الانصاري لم يرد فيه توثيق كما في المعجم جزء 15 رقم 10421 .

7: يزيد بن سليط لم يوثِّقه غير المفيد وفي توثيقاته نقاش ونظر وابن شهراشوب وتوثيقه متاخر .

8: محمَّد بن جعفر بن سعد الاسلمي لم يوثَّق كما في معجم الخوئي جزء21 رقم 10375 .

9: اسحق بن محمد الجعفري، لم يرد فيه توثيق كما في معجم الخوئي 3 رقم 1177 .

ويبقى الشاهد (اسحق بن جعفر بن محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، اخو الامام موسى الكاظم، فما القول فيه؟

 لم يرد فيه توثيق صريح في كتب الرجال المتقدمة والمتاخرة، ولكن الشيخ المفيد يقول عنه: (وكان اسحق بن جعفر من أهل الفضل والصلاح والورع والاجتهاد، وروى عنه الناس الحديث والآثار، وكان ابن كاسب إذا حدَّث عنه يقول: حدَّثني الثقة الرضيُّ اسحق بن جعفر، وكان اسحق يقول بامامة أخيه موسى بن جعفر عليه السلام، وروى عن ا بيه النصَّ بالامامة على أخيه موسى عليه السلام) 22 / الارشاد 2 ص 211 / وفي مكان آخر يقول: (ورَوى ذلك من أخوته اسحاق وعلي ابنا جعفر وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه إثنان) 23 / نفسه ص 216، جاء ذلك في النص على إمامة موسى بن جعفر عليه السلام، وبالتالي، لم يوثَّق إلاّ من جهة الشيخ المفيد، وفي توثيقاته خاصة في كتابه الارشاد اكثر من نقاش، ولكن يشخص السؤال الكبير، تُرى لماذا لم يوثقه كبار رجال الجرح والتعديل من علماء الشيعة؟ وهل السر في توثيق الشيخ الفيد لهذا الرجل هو ذاته السر الكامن وراء توثيقه لـ (يزيد بن سليط)، اي لانه ورد في الشهادة على إمامة السيد العظيم موسى بن جعفر؟ أن توثيقات الشيخ المفيد فيها نقاش لانه لم يبين لنا مقاييسه في التوثيق،وربما توثيق حدس لا حس، وإلاّ أين هي مدارك هذا التوثيق كي نطمئن ونرتاح؟

يقول السيد الخوئي في ترجمة اسحق بن جعفر هذا ما نصّه: (ويظهر مما رواه الشيخ ـ الطوسي ـ بسنده الصحيح،عن علي بن جعفر عليه السلام: إنّه كان يعتني بشانه ويستند إلى أفعاله، التهذيب،الجزء الثاني، باب كيفية الصلاة وصفتها، من الزيادات، الحديث 1296)24 / المعجم 3 رقم 1129ص 43 / ولكن لما رجعتُ إلى المصدر قرات ما يلي: (عنه ـ أي عن محمد بن علي بن محبوب ـ عن أحمد،عن موسى بن القاسم، وأبي قتادة جميعا، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرَّجل يسجد على الحصى، ولا يمكِّن جبهته على الارض، قال: يحرِّك جبهته حتّى يتمكن، فينحي الحصى عن جبهته ولا يرفع راسه) 25 / تهذيب التهذيب جزء 2 ص 337ح 1270 / ومن الواضح ليس هناك اي ذكر لاسحق بن جعفر في الرواية، لا سندا ولا متنا، فمن أين جاء السيد الخوئي بهذا التظهير؟ نعم، هناك ذكر لاخي موسى بن جعفر الذي هو علي بن جعفر، في السند، وهو السائل، ويبدو أن السيد الخوئي خلط عليه هنا، وعلي بن جعفر الموما إليه ثقة لدى علماء الجرح والتعديل، ولكن ليس هو اسحق بن جعفر الذي جاء في سند الوصية والشهادة، وبالتالي، فإن وثاقة هذا الرجل فيها الكثير من الكلام .

رابعا: كيف يُشهد الامام الكاظم منْ سوف يقف عليه فيما بعد موته كما هو الحال في سعد بن عمران الأنصاري، والحال في يحي بن الحسين بن زيدبن علي ! وهناك من يدَّعي بان الامام يعلم الغيب؟

خامسا: يقول السيد الخوئي في ترجمة سعد بن أبي عمران أحد شخوص الوصية والشهادة ما نصّه بعد أن يورد مسالة الوصية (أما الصدوق فقد رواها ـ الوصية ـ عن الحسن بن أحمد بن ادريس، قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني محمد بن أبي الصهبان،عن عبد الله بن محمَّد الحجال أن إبراهيم بن عبد الله الجعفري حدَّثه عن عدة من أهل بيته والحسن بن أحمد وابراهيم بن عبد الله لم يرد فيهما توثيق، والله أعلم) 25 / معجم 8 رقم 5008 ص 53 / وبالتالي، يعني رواية الوصية عن طريق الصدوق ضعيفة !

الذي اخلص إليه من كل هذا أن الوصية المروية عن الإمام الكاظم ضعيفة، وهذا يسهل الخطب، لانها تكشف عن عائلة (كاظمية) غير منسجمة، مختلفة، يتهم بعضها بعضا، حتى على مستوى العلاقة بين الاب وبين بعض ابنائه .

يتبع .

  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2253 الثلاثاء 23 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم