دراسات وبحوث

موقف الشهرستاني من الأهمية الثقافية والمنهجية للفلسفة / ميثم الجنابي

بوصفه مؤرخا للأديان والفكر الفلسفي واللاهوتي، أن يبرز تأثير الفلسفة بوصفها علما في صيرورة الثقافة النظرية العالمية. انه حاول الكشف عن طبيعة تأثير الفلسفة على بلورة مفاهيم الفرق اللاهوتية والفلسفية خارج محيطها الإغريقي الأول. لهذا لا نراه يتتبع تأثيرها على اليهودية والمجوسية والمانوية. لكنه حالما يتطرق إلى النصرانية نراه يشير إلى ما دعاه بصفاء النصرانية قبل بولص. إذ وجد فيه رجلا شوش على شمعون الصفا، بحيث صير نفسه "شريكا له وغيّر أوضاع كلامه وخلطه بكلام الفلاسفة ووساوس خاطره". وقد أصاب الشهرستاني في إشارته إلى خلط "الرسائل" بكلام الفلاسفة. وبغض النظر عن كلام بولص القائل بان المسيح لم يرسله ليعمد البشر بل ليبشرهم به، لكن ليس بالحكمة لئلا يتعطل صليب المسيح. لان "كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أما عند المخلصين للمسيح فهي قوة الله". وتتبع بولص الرغبة اليهودية ـ النصرانية عن إبادة حكمة الحكماء وإدانة فهم العلماء. إذ فضّل بولص الجهل بالله على حكمة الحكماء. وردد مرارا فكرته عن أن كلامه هو ليس كلام الحكمة الإنسانية وأدلتها، بل برهان الروح والقوة، لأجل ألا يكون الإيمان بحكمة الناس بل بقوة الله.

ودعا الشهرستاني رفض الحكمة الإنسانية وبراهينها المنطقية بمعايير الروح النصراني ومفاهيمه عن الصليب والمسيح وسواسا. وهي وساوس لها تاريخها العريق في "ذبذبات" الحكمة المدانة. وليس مصادفة أن يلمح في بعض إشاراته إلى ما في مفاهيم بعض فرق النصرانية نفسها من تأثير خفي للفكر الفلسفي. فهو يهمل الإشارة إلى تأثير الفلسفة على أفكار الفرقة الملكانية واليعقوبية، لكننا نراه يلمح إلى بعض آثارها في النسطورية. ويشير إلى أن منتهى كلام نسطور في إثبات كون الله موجودا حيا ناطقا شبيه بما تقوله الفلاسفة في حد الإنسان، إلا أن هذه المعاني تتغاير في الإنسان لكونه جوهرا مركبا بينما الله جوهر بسيط غير مركب. وقدم في بعض مواقفه النقدية لمحات خاطفة عن قرائن الفكر اللاهوتي بين النصرانية والبهشمية - المعتزلة اتباع أبي هاشم الجبائي(ت -321)، مشيرا إلى التشابه بين آراء نسطور في الاقانيم و"أحوال" أبي هاشم الجبائي. ولم يغفل الشهرستاني أية فرصة مناسبة للإشارة إلى طبيعة وكيفية تأثير الفكر الفلسفي في الفرق الدينية. وعلق في معرض إشارته على بعض الآراء الارسطية (أو المنسوبة له) القائلة بأن المبادئ هي العناصر الأربعة وأن المبدأ الأول هو ظلمة هاوية، بأن هناك قوما من النصارى أثبت تلك الظلمة وسموها "الظلمة الخارجة".

كانت ملاحظات الشهرستاني السريعة والعابرة أحيانا عن صلة وتأثير الفلسفة بالفرق الدينية غير الإسلامية نتاجا لسبين، الأول وهو ضعف إطلاعه وصعوبة احتواءها جميعا، والثاني هو بسبب تقييده الذاتي بالمقدمات النظرية التي وضعها في صلب منهجيته في دراسة الأديان والفلسفات. فقد أعطى لجميع الأديان الكبرى في عصره ومحيطه حقها من الاهتمام والتحليل. كما أعار جل اهتمامه للمدارس الفلسفية من حيث تصنيفها وتقييمها. وإذا كان ذلك أكثر جلاء في موقفه من تأثير الفلسفة في فرق الإسلام ومدارسه، فلأنه كان أوسع إطلاعا وأوثق معرفة بها.

كما تجدر الإشارة هنا إلى ضرورة عدم تجاهل التأثير الثقافي وحدوده الفعلية آنذاك. فقد كانت فاعلية وحركية الثقافة الروحية والفكر النظري والمدارس الفلسفية ناشطة حينذاك في عالم الإسلام فقط. فقد كان حب الحكمة والفلسفة بوصفها علما من صفات الفكر الاجتماعي للخلافة. مما حدد بدوره موقف الشهرستاني تجاه العلاقة بين الكلام الإسلامي و"الفيلوسوفيا" الإغريقية ونموذجها الإسلامي في "الفلسفة". لهذا نراه ينظر إلى تأثيرها بوصفها علما مستقلا ونموذجا للمعرفة استنادا إلى واقع "العلوم الإسلامية" وتطورها، كما هو جلي في وربطه ذلك بسلسلة الخلافات الشهيرة وانتقالها من ميدان الصراع السياسي المباشر إلى الميدان النظري (الإمامة والأصول). وهو تحول أظهر "بدع" معبد الجهني وغيلان الدمشقي ويونس الاسواري في القول بالقدر، ثم واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد في المنزلة بين المنزلتين، ثم مدارس المعتزلة والزيدية والرافض. وبعد أن تبلورت تيارات الفرق الإسلامية النظرية ومطالعة "شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين نشرت أيام المأمون"، ظهرت للمرة الأولى إمكانية خلط مناهج المعتزلة والفرق الإسلامية بمناهج الفلاسفة، كما يقول الشهرستاني. ونتيجة لهذا الخلط ظهر علم الكلام. أما لأن أظهر وأعقد المشاكل التي تناولها "هي مسألة الكلام، وإما لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون علم المنطق. والمنطق والكلام مترادفان"، كما يقول الشهرستاني. وهو حكم يستند إلى رؤيته المنهجية عن تطور علم الكلام وتأثره بالفلسفة. كما يشير في الوقت نفسه إلى تأثير الفلسفة في علم الكلام، وكذلك استقلال علم الكلام في منافسة علوم الفلسفة.

لم يكن التأثير والمنافسة المشار إليهما آنفا نتاجا لمساعي المتكلمين الفردية وتطور الوعي النظري في مجرى صراع الأمة وحركتها الثقافية فحسب، بل ولتطور الفكر نفسه في مجرى تناوله لإشكاليات الوجود التاريخي والروحي للحضارة الإسلامية. وقد أدرك الشهرستاني أو على الأقل شخّص بعض جوانب هذا الواقع، كما هو واضح في إفراده صفحات عما اسماه بخلافات الفلاسفة في قضايا الإبداع والمبدع والإرادة، وتباين أفكارهم حول ما إذا كان الإبداع والمبدع عبارتان عن معنى واحد أم الإبداع نسبة للمبدع؟ وما هي هذه النسبة؟ وكذلك الحال بالنسبة للإرادة فيما إذا هي المراد أم المريد؟ حيث وجد في هذه الخلافات شيئا شبيها بالخلاف المثار بين المتكلمين حول مفاهيم الخلق والمخلوق والإرادة.

ولم يترك الشهرستاني أية فرصة سانحة في مجرى حديثه عن الفلاسفة إلا ويقارنهم بالمتكلمين. ذلك يعني انه أراد أيضا بيان التأثير المتبادل بين الفلسفة والكلام في الوسط الإسلامي وعن استقلاليتهما النسبية. ويكشف تتبعه لنشوء الفرق الإسلامية وكيفية تأثرها بالفلاسفة عن رؤيته لما يمكن دعوته بالمسار التاريخي والصيغة النظرية لتأثير الفلسفة في الكلام بشكل عام. وإذا كان الشهرستاني قد ربط هذا التأثير بفرق المعتزلة، فلأنها كانت التيار الأكثر قابلية له. وهو استعداد مرتبط بمنظومة الفكر المعتزلي ونزوعها العقلاني الشامل، الذي جعلها أكثر تجاوبا مع حكمة الفلاسفة القولية (العقلية). وليس مصادفة أن يؤكد الشهرستاني على أن العلاف وهو شيخ المعتزلة الأكبر، قد "وافق الفلاسفة في أن الباري عالم بعلم وعلمه ذاته، وكذلك قادر بقدرة وقدرته ذاته". بينما تابع النظام الفلاسفة بحيث "غلا في تقرير مذاهبهم". كما يشير الشهرستاني إلى أن النظام "طالع كثيرا كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة. وأن آراءه شديدة الشبه بآراء الفلاسفة، وخصوصا ما يتعلق منها بقضايا الأفعال واعتباره إياها حركات، والسكون حركة، والعلوم إرادات وحركات النفس وغيرها. إذ الحركة عنده ليست النقلة "بل هي مبدأ تغير كما قالت الفلاسفة من إثبات حركات في الكيف الكم والوضع". والشيء نفسه يمكن قوله على مقالته في الكمون والظهور، بمعنى أخذه إياها من الفلاسفة. وبغض النظر عن مخالفة النظام آراء الفلاسفة (والمتكلمين أيضا) بصدد قضايا الجوهر وأحكامه، إلا "أنه وافقهم في نفي الجزء الذي لا يتجزأ". ومع ذلك ظل النظام حسب تقييم الشهرستاني، "أكثر ميلا إلى تقرير مذاهب الطبيعيين منهم دون الإلهيين". ذلك يعني أن النظام مثل الاستمرار التام لتقاليد الاعتزال بدء من ابن عطاء (ت - 131) شيخ المعتزلة الأول، الذي وضع لبنات صرحها النظري بصد الموقف من قضايا الصفات الإلهية. وهي أفكار وصفها الشهرستاني بعدم النضج. أما نضوجها اللاحق من جانب أتباعه المعتزلة فقد حدث بعد أن "شرع أصحابه في مطالعة كتب الفلاسفة". وهو سبب تأييدهم فكرة إرجاع جميع الصفات الإلهية إلى كونه (الله) عالما قادرا. ثم اعتبارهما لاحقا مجرد صفات ذاتية هما اعتباران للذات القديمة حسب آراء أبي علي الجبائي (ت - 303)، أو حالان حسب آراء ابنه أبي هاشم الجبائي، أو ردهما إلى صفة العالمية (العلم) كما هو الحال عند أبي الحسين البصري (ت - 436). وهو "عين مذهب الفلاسفة"، كما علق الشهرستاني علها.

وأصبح من الصعب التخلص من تأثير الفلسفة الثقافي حالما ترسخ بين أوساط المعتزلة. حينذاك تحولت الفلسفة إلى معين لا ينضب لتطوير الآراء الكلامية. وقد أشار الشهرستاني إلى أن معمر بن عباد السلمي (ت - 220) وأتباعه استمد من الفلاسفة مفهومه عن الإرادة، باعتبارها معنى وجوهرا غير الجسد وان علاقتها به هي علاقة تدبير وتصرف. وبهذا يكون قد ميز بين "أفعال النفس وبين القالب" بسبب ميله إلى مذهب الفلاسفة، كما يقول الشهرستاني. كما حاول الشهرستاني ربط اغلب أفكار المعتزلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بآراء الفلاسفة. لهذا نفهم تقييمه لمضمون الآراء التي ينسبها إلى ثمامة بن أشرس (ت - 213) عن أن العالم فعل الله بطباعه، بأنها مستقاة من روح الفلسفة الدهرية. ولا تعني هذه العبارة في جوهرها سوى ما تريده الفلاسفة من فكرة "الإيجاب بالذات دون الإيجاد على مقتضى الإرادة"، كما يفسرها الشهرستاني. من هنا يتضح، بأن الشهرستاني يحاول بيان ما في تأثير الفلسفة على آراء المعتزلة من روح "طبيعية". وبالتالي تمثيلهم ضمن تقاليد الكلام الإسلامي نموذج "الحكمة العقلية" للفلسفة للدهرية. لهذا نراه يصف الجاحظ (ت - 255) بعبارة "احد فضلاء المعتزلة"، الذي "طالع كثيرا من كتب الفلاسفة وخالط وروج كثيرا من مقالاتهم بعباراته البليغة وحسن براعته اللطيفة" ليتوصل إلى أن مفاهيمه في الإرادة هي نفس ما يقول به "الطبيعيون من الفلاسفة".

لكن الفلسفة لم تعد حكرا على تيار إسلامي معين دون آخر. وحالما اخذ البحث عن السعادة يدور في أفلاك الإرادة النظرية، فإنه كان مضطرا لدمج أنفاسها في تياراته. ومع ذلك ظل هذا التأثير محدودا في وعي الشهرستاني. وقد يكون ذلك نتاجا لضعف اهتمامه بإبراز ملامحه المباشرة. فقد اكتفى هو بإشارة واحدة عن تأثير الفلاسفة على الجويني، باعتباره نموذجا للصفاتية (الأشعرية) وبالأخص على مفهومه عن القدرة وترابط الأسباب بمسبب الأسباب، الذي وجد فيه رأيا "أخذه من الحكماء الإلهيين وأبرزه في معرض الكلام". إذ نرى في تقييمه هذا تحسس وإدراك تأثير الأرسطية الطبيعية، والأفلاطونية الإلهية في الاعتزال والصفاتية (الأشعرية). ومن المحتمل أن يكون الشهرستاني قد اكتفى في الإشارة إلى ما هو مشهور في أوساط الكلام. ولعل في صمته عن تأثير الفلسفة في اتجاهات الجبرية (كالجهمية والنجارية والظرارية) والمشبهة (أتباع أحمد بن حنبل، ومالك بن أنس وداود الأصفهاني ومقاتل بن سليمان) والكرامية اتباع محمد بن كرام، إشارة غير مباشرة عن ذلك. إذ عّبر في صمته هذا عن موقفه المتجانس من أسلوب العلم الفلسفي.

أما عدم إشارته لتأثير الفلسفة على آراء الخوارج والمرجئة والشيعة، فانه نابع من فهمه لها، باعتبارها تيارات مثلت بذاتها وتمثلت حصيلة الصراع المباشر للامة عن قضاياها المباشرة. من هنا اهتمامه بالفعل الإيماني عند الخوارج، والعقد الإيماني عند المرجئة ومسألة الإمامة عند الشيعة. بينما نظر إلى الباطنية (الإسماعيلية) نظرته إلى تيار متميز ضمن التشيع بسبب ولعه بالفلسفة وآرائها. وذلك لأنها خلطت، حسب نظره، كلامها ببعض كلام الفلاسفة.

من كل ما سبق يتضح، بأن موقف الشهرستاني من تأثير الفلسفة في التراث الإسلامي كان محكوما بمساعيه لإظهار فعاليتها في بلورة مفاهيم الكلام. كما كان في الوقت نفسه استيعابا جديدا لخصوصيتها العلمية، التي تطابقت في هويتها الثقافية مع عالم الحكمة اليونانية. وهو حكم تمثل ثقافيا هويتها وكيانها التاريخي أكثر مما تمثل حقيقتها كما هي. ومع انه سعى لكسر هذه الحواجز "الوهمية" التي أبدعها العقل النظري للثقافة الإسلامية آنذاك، إلا أنه ظل غريمها. وهو السبب الذي يفسر التناقض القائم في منظومته بين نظرته إلى منشأ و"موطن" وموضوعات الفلسفة وبين محاولة ربطها بكيانات "قومية" معينة. وهو الأمر الذي جعل منظومته ومنهجيته تعاني رغم إنجازاتها الهائلة وأثرها في إثراء علم الملل والنحل الإسلامي وتقاليد العلمية والفلسفية من ثقل القيود التي كبلت حريتها وبالأخص قيود العقيدة الوحدانية و"قواعد الحدود" الثقافية، اللذين احتويا على تعقيدات وتناقضات صعبة. وهي تعقيدات وتناقضات عكست الحركة التاريخية لتطور الفكر العلمي في مجرى صيرورة قواعده الخاصة. وليست هذه القواعد في نهاية المطاف سوى القيود التي تفرضها الثقافة على نفسها من أجل تحديد المسار "المنطقي" في إبداعاتها العلمية. وهو تناقض يلف البحث العلمي ـ التاريخي، كما هو الحال بالنسبة لكافة إشكاليات الفلسفة الكبرى. فالبحث عن حلول وسط هو القدر المحتوم بين الأقطاب المتناقضة. وسوف يظل البحث عن هذه الحلول ما زالت هذه التناقضات أسلوب وجودها.

أما في ميدان التصنيف العلمي والتاريخي، فإن البحث العلمي سوف يعاني شأن كل بحث علمي، من ضعفه الخاص. وبالتالي ليست حصيلة تطوره سوى محاولة "تقوية" المناعة الذاتية ضد الضعف. وعادة ما يجري ذلك عبر إثارة مشكلات أشد تعقيدا للذهن من اجل إثارة بأسه في مواجهتها. وهي العملية الوحيدة القادرة على تبرير الرجعة الدائمة، كما أنها الوحيدة القادرة على أن تبرق بأمل السعادة الروحية في البحث عن إمكانية تحسس المطلق ورؤيته وتجسيده.

 بهذا المعنى كانت تناقضات الشهرستاني نتاجا لنضج علم المقالات والملل والنحل الإسلامي وتقاليده العلمية. فقد حدد الشهرستاني بحثه ومواقفه بمقدمات نظرية عمقت منطق التصنيف. إلا أنها أعاقت في جوانب أخرى كسر التصورات الراسخة. ومن العبث النظر إلى هذه "القيود" بشاعرية الخيال الساذج، وبالتالي البحث فيها عن أسوار العشق الذهبية. كما انه لا معنى لتبسيطها بفجاجة الأوهام المتحذلقة، وبالتالي البحث فيها عن قيود الذل الأبدية. فقد تمثلت منظومة الشهرستاني التقاليد الثقافية النظرية للخلافة وبرعمت عناصرها العقلانية ـ الفلسفية ضمن حدود وعيها التاريخي. إنها لم تبحث عن أجوبة نهائية ولا عن بديل شامل ولا حتى عن مشروع مستقل للتعامل مع ثقافات الأمم الدينية واللاهوتية والفلسفية. لقد نظر الشهرستاني إليها باعتبارها معطيات واقعية وأساليب للبحث عن الحقيقة. مما جعل إدراج تيارات الفكر والديانات الكبرى في صرح العلم أمرا ممكنا. غير أن هذا التقسيم الذي يوحي في مظهره على أولوية الملل (الأديان) على النحل (غير الأديان) هو من بقايا الثقل العقائدي الذي تفرضه دينية العقيدة التوحيدية. فقد كان همّ العقيدة الدينية أيجاد وحدة الكلّ، وبالتالي استيعاب الكون ونماذج عقله النظري ضمن إطار حدودها الخاصة. وقد شاطر الشهرستاني هذه الرؤية الخالصة في روحها العالقة. وهو السبب الذي يفسر تعايش وتداخل المنهجية العلمية ـ الموضوعية والنقدية الصارمة مع فرضيات العقائد الإيمانية وقيود تقسيمها الديني. وبغض النظر عن نواقص وسلبية هذه الرؤية إلا أنها كانت تتمثل في الوقت نفسه أسلوب فهم التباين والاختلاف في الثقافة العالمية وأديانها وضمن كل ديانة وفلسفة لحالها، كما نراه في محاولته توضيح ذلك على مثال الأديان التوحيدية والوثنيات والمدارس الفلسفية.

***

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2281 الاربعاء 21 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم